بحث متقدم
الزيارة
6871
محدثة عن: 2008/08/21
خلاصة السؤال
کیف بقی القرآن مصوناً عن التحریف مع عدم وجود الاعراب؟
السؤال
کیف بقی القرآن مصوناً عن التحریف مع أن الإعراب لم یکن موجوداً فی عصر کتابة القرآن؟
الجواب الإجمالي

کان الخط العربی فی زمن البعثة خالیاً من التنقیط إضافة إلی خلّو حروفه و کلماته من العلامات فکان من الطبیعی فی ذلک الزمان أن یخلو القرآن من الإعراب. و لکن حیث ان المسلمین فی صدر الاسلام کانوا عرباً و منهم من حفظ القرآن و کان القرآن بلغتهم فکانت قراءتهم صحیحة و لم تکن مشکلة من هذه الناحیه خصوصاً و ان المسلمین حینذاک کانوا مهتمین بالقرآن بدرجة کبیرة. فکانوا یتعلمونه و یأخذونه من الصحابة او ممن یقرب من عصر النبی الاکرم (ص).

و لکن دخل فی المجتمع الاسلامی فی نهایة القرن الاول المسلمون غیر العرب و الذین لم یکونوا یعرفون اللغة العربیة، فمست الحاجة الی وجود علامات و إشارات لکلمات القرآن لکی یحال بهذه الوسیلة دون وقوع الخطأ فی قراءة القرآن و لهذا قام أبو الاسود الدؤلی و هو من تلامذة أمیر المؤمنین علی (ع) باعراب القرآن و تنقیطه.

و الخلاصة هی أنه لکون العرب – باقتضاء فطرتهم أو کون العربیة لغتهم الام – کانوا مأنوسین بقواعد الصرف و النحو فلم تکن لهم حاجة بعلامات الاعراب و لکن مع دخول غیر العرب فی الاسلام و احتیاجهم الی الاعراب فقد تم اعراب القرآن لیحال دون وقوعهم فی مشاکل محتملة. و علی‌ هذا فلا یوجد أی احتمال للتحریف فی الفاظ القرآن من هذه الناحیة.

الجواب التفصيلي

کانت الوسیلة الوحیدة لقراءة القرآن الی نهایة النصف الاول من القرن الاول هی السماع فکان القرّاء و الحفّاظ یأخذون قراءتهم مباشرة من القرّاء الذین یسبقونهم فکان سند هذه القراءات یصل إلی القراء المشهورین لصدر الاسلام و الی النبی الاکرم (ص) و أمیر المؤمنین (ع). و قد نشأ فی هذه الفترة الطویلة قراء کثیرون أصبحوا فیما بعد حملة للقراءة الصحیحة و حماة لها.

و فی أوائل النصف الثانی من القرن الاول الهجری حیث ظهر فی المجتمع الاسلامی مسلمون لا یعرفون اللغة العربیة، من هنا مست الحاجة الی وضع علامات و اشارات لکلمات القرآن فقام فی تلک الفترة أحد تلامذة أمیر المؤمنین علی (ع) و اسمه  أبو الاسود الدؤلی باعراب القرآن و أتم هذا العمل بدقة متناهیة، و کان أبو الاسود بالاضافة الی‌خبرته بقراءة القرآن (فقد کان من القراء البارزین) عارفاً باللغة العربیة و قواعدها فهو الذی اهتم بتدوین علم النحو باشارة و توجیه من أمیر المؤمنین علی (ع) [1] . إضافة الی ان إعرابه لم یکن بعیداً عن أنظار قراء و حفاظ القرآن فکان ذلک مانعاً من احتمال وقوع أی خطأ و اشتباه. إن إعراب أبی الاسود و إن کان یستفید منه الذین یجهلون اللغة العربیة و الفصیحة و قراءة القرآن، و لکن کان هناک قراء کثیرون من القراء المشهورین فی تاریخ القرآن سنداً لقراءته أی ان تلک القراءات متصل سنداً بالقراء المشهورین لصدر الاسلام و الی‌ نفس النبی الاکرم (ص) أو أمیر المؤمنین علی (ع) الذی أخذها أیضاً عن النبی (ص) و ان کان بعض تلک الاسناد أقوی فی الاعتبار من البقیة و ذلک مثل روایة حفص عن عاصم و التی هی قراءة شیعیة.

و فیما تلا ذلک من إعراب لاحق (و هو استنساخ عن إعراب أبی الاسود و تکامل له) کان الإعراب یطبق دائماً مع القراءات المقبولة الی أن وصل ذلک الی الاعراب فی عصرنا حیث وصل الی حد تکامله و أضیفت له علامات مثل السکون و التشدید و المد و غیرها [2] .

و القراءة المشهورة بین الناس و هی التی نقلت جیلا عن جیل هی قراءة متواترة و مؤیدة من قبل أهل البیت (ع). ففی روایة عن الامام الصادق (ع) انه أمر أحد أصحابه بقوله: "إقرأ کما یقرأ الناس...". [3]

و بناء علی هذا فان النص القرآنی انتقل یداً بید علی‌ طول تاریخ الاسلام من جیل الی جیل لاحق و لهذا السبب فقد وجد قرّاء و حفّاظ کثیرون بدءً من صدر الاسلام و الی الآن و کانوا یتمعتون بالاحترام و التکریم دوماً. و کان القرآن مشتهراً بهذه الالفاظ و هی قراءة رسول الله (ص) علی طول التاریخ و لم یحصل خلل فی هذه القراءة المشهورة بسبب کون الخط بدائیاً فی زمن کتابة القرآن، أو کونه خالیاً من التنقیط و الاعراب أو بسبب اختلاف لهجات القبائل العربیة او الاجتهادات الشخصیة لبعض القراء، نعم حصلت بعض الأخطاء فی بعض القراءات الشخصیة و النادرة و هی لیست مورد اهتمام من قبل المجتمع الاسلامی. و المراد بقراءة الناس فی روایة "و اقرأ کما یقرأ الناس" أیضاً هی هذه القراءة المعروفة و المشهورة علی طول تاریخ الاسلام فیما بین المسلمین. و ان مطابقة القرآن الموجود لقراءة عاصم هی من جهة ان قراءة عاصم مطابقة للقراءة المشهورة و قراءة عموم الناس [4] .

و بالطبع فقد کان کتّاب القرآن و الخطاطون الی أواخر القرن الرابع یکتبون القرآن بالخط الکوفی و لکن خط النسخ قد أخذ محل الخط الکوفی فی أوائل القرن الخامس و منذ ذل ک القرن کتبت جمیع النقاط و العلامات المتداولة حالیاً [5] . و بناء علی هذا فلا یوجد أی احتمال لوقوع التحریف فی الفاظ القرآن من هذه الناحیة.

و للاطلاع اکثر، لاحظ، موضوع: عدم تحریف القرآن، السؤال 486 (الموقع: 527) .



[1] لاحظ: دائرة المعارف الاسلامیة الکبری، 5، 182 – 190، (مدخل: ابو الاسود)، علوم القرآن، محمد هادی معرفة، 172 – 173.

[2] لاحظ: علوم القرآن، 174 و 175.

[3] لاحظ، روش شناسی تفسیر قرآن (اسلوب تفسیر القرآن) علی الکبر بابائی و آخرون، 72.

[4] لاحظ: نفس المصدر، 75 – 76، علوم القرآن، محمد هادی معرفة، 246 – 247.

[5] تاریخ القرآن الکریم، سید محمد باقر الحجتی، 468 و 484، علوم القرآن، آیة الله معرفه، 173.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...