Please Wait
6321
لیس المراد من الحدیث تحریم او کراهة الزواج من الشابة الجمیلة التی تعیش فی منبت سوء، بل المراد أن هناک الکثیر من العوامل التی لها مدخلیة و دور فاعل فی تحقیق الزواج الناجح و تشکیل الاسرة المتکاملة؛ من قبیل الاخلاق، الجمال، التدین، اصالة النسب، درجة التعلم و المعرفة، الانسجام الثقافی، التناسب الاقتصادی و...... و أن الحالة المثلى فی الزواج هی التی یلحظ فیها جمیع تلک الشواخص و عوامل النجاح تلک، لکن هناک بعض الشباب من ینظر الى القضیة من زاویة واحدة و یفرط فی الترکیز على بعد من تلک الابعاد متجاهلا العوامل الاخرى. من هنا حذرهم (ص) من النظرة الاحادیة الجانب و دراسة الامور دراسة تجزیئیة ناقصة و لا ینبغی للمسلمین اقصاء العقل و التجربة من الحیاة الاجتماعیة و اتخاذ القرارات المستعجلة فان فی ذلک مردودات سلبیة خطرة جداً.
قال رسول الله (ص) من ضمن خطبة له: "أَیُّهَا النَّاسُ إِیَّاکُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ! قِیلَ: یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟ قَال: الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِی مَنْبِتِ السَّوْء".[1]
فهل مراده (ص) نفی الاهتمام بالبعد الجمالی فی المرأة عند اختیارها کزوج؟
أو هل مراده (ص) أنه لا یلیق بالانسان الصالح الزواج من إمرأة یوجد من بین أهلها و اقاربها اناس غیر صالحین و أنهنّ یحرمن من هذا النعمة؟! أو المراد بان المحیط المناسب یعطی المجتمع نساء صالحات ؟! و....
یبدو أن النبی الاکرم (ص) لم یکن یقصد تلک الفروض الثلاثة، بل کان یروم الاشارة الى قضیة أخرى، هی:
هناک الکثیر من العوامل التی لها مدخلیة و دور فاعل فی تحقیق الزواج الناجح و تشکیل الاسرة المتکاملة؛ من قبیل الاخلاق، الجمال، التدین، اصالة النسب، درجة التعلم و المعرفة، الانسجام الثقافی، التناسب الاقتصادی و......
و أن الحالة المثلى فی الزواج هی التی یلحظ فیها جمیع تلک الشواخص و عوامل النجاح تلک، لکن هناک بعض الشباب من ینظر الى القضیة من زاویة واحدة و یفرط فی الترکیز على بعد من تلک الابعاد متجاهلا العوامل الاخرى، فعلى سبیل المثال قد یرکز الشاب على الجانب المعرفی و الشهادة التی تحملها المرأة التی یرید الارتباط بها، و کذلک المرأة قد یهمها هذا البعد فقط، أو یرکزان على البعد الجمالی و إهمال سائر الابعاد الاخرى مما ینجر فی نهایة المطاف الى بروز الکثیر من المشاکل الاسریة و العائلیة و التی قد تنجر الى الطلاق و الانفصال.
و لعل من أبرز تلک العوامل التی تجذب نظر الشباب و الشابات هو البعد الجمالی فی الزوجین فینظرون الى القضیة نظرة افراطیة مبالغ فیها جداً، مما یؤدی الى اتخاذ قرار غیر صائب فی الکثیر من الاحیان؛ و ذلک لان الجمال الظاهری قد ینجر الى خلق حالة من الحب الکاذب أو الخدّاع و الذی عبّر عنه الرسول الاکرم (ص): "حُبُّکَ لِلشَّیْءِ یُعْمِی وَ یُصِمُّ".[2]یعنی أن الحب و العشق الذی لم ینطلق من أسس منطقیة یمنع من اکتشاف العیوب الاخرى و لا یسمح للعاشق فی التفکیر بما یقال فی عیوب معشوقه و تحلیها تحلیلا سلیما لیخرج بنتیجة منطقیة و نافعة.
و هذا المعنى اشار الیه الادباء أیضا فی ابیاتهم الشعریة:
و عین الرضا عن کل عیب کلیلة و لکن عین السخط تبدی المساویا
و قیل لحکیم ما بال الناس لا یرون عیب أنفسهم کما یرون عیب غیرهم؟! قال: إن الإنسان عاشق لنفسه و العاشق لا یرى عیوب المعشوق.[3]
و لما کانت هذه القضیة متفشیة فی المجتمعات سواء التی عاصرها الرسول الاکرم (ص) أم الشعوب المعاصرة لنا، و مع الاخذ بنظر الاعتبار کون النبی (ص) یقوم بدور المبلغ و المرشد و الهادی و الآخذ بید الناس نحو النجاح فی جمیع المجالات، من هنا حذرهم من النظرة الاحادیة الجانب و دراسة الامور دراسة تجزیئیة ناقصة و لا ینبغی للمسلمین اقصاء العقل و التجربة من الحیاة الاجتماعیة و اتخاذ القرارات المستعجلة فان فی ذلک مردودات سلبیة کثیرة. و بعبارة أخرى: أنه (ص) یوصی الشباب فی اعتماد المنهج الصحیح فی اختیار الزوجین و لابد من النظر الى الامور نظرة موضوعیة یلحظ فیها البعد الجمالی الى جانب سائر الابعاد الاخرى کأصالة النسب حتى یعطی الزواج ثماره المرجوة منه. و من هنا اعتمد التشبیه المذکور "خضراء الدمن" و من الواضح أن هذا التشبیه یحکی الکثیر من المسائل؛ و ذلک لان الدمن و فضلات الحیوانات تساعد فی کثیر من الاحیان فی نمو النبات نموا سریعا و تضفی على المحصول نضارة و جمالا، و لکن مع ذلک لابد من التحرز و الحذر من ذلک الناتج و عدم الانبهار بنضارته وجماله، إذ لعله قد علقت به بعض الدیدان و المکروبات القاتلة، فلا بد من اختباره و تنقیته بالمواد المضادة للدیدان و المکروبات.
فاذا قام الانسان بالاختبار و الفحص و أطمأن الى سلامة المحصول من المواد الضارة حینئذ یقدم على الاستفادة منه و الانتفاع به بکل اطمئنان و راحة بال، و الا فلا یصح له الاقتراب منه و الانتفاع به.
انطلاقا من المثال المذکور نحاول تطبیق القضیة على الانسان الذی یعیش فی وسط عائلی بعید عن السلامة الاخلاقیة و الدینیة، حیث نرى بما لاریب فیه أن احتمال الخطر و الضرر متوفر فیه بدرجة لا یمکن للانسان الاقدام علیها اعتمادا على البعد الجمالی و رشاقة البدن مثلا، بل لابد من دراسة القضیة دراسة موضوعیة و التعمق فی البحث و التحقیق فی المخاطر و الانعکاسات الحاصلة من الاقدام على الزواج انطلاقا من هذا البعد فقط. فان عرف أن تلک الشابة او الشاب –لافرق بینهما من هذه الناحیة- قد تأثر بالمحیط الذی یعیش فیه تأثرا سلبیاً و أن أخلاقه متطابقة مع المحیط الذی عاشه مما یؤدی سلبا على العلاقة الزوجیة المقصودة و أنه لا یمکن بحال من الاحوال أن یکون عنصرا فعالا فی الرقی المعنوی للاسرة، فحینئذ من غیر المعقول الاقدام على هکذا زواج تعرف عواقبه الوخیمة من أول وهلة. لکن لو عرف بعد البحث و التحقیق ان الشاب او الشابة قد عاش الاستقلالیة فی تربیته الاخلاقیة و انه یختلف اختلافا جوهریا مع تلک الاسرة التی عاش فیها، فلا ریب أن الزواج حینئذ لا یعیش حالة الانحراف و الخطر.
هذا من جهة الزوجین، و لکن هناک بعد آخر و هو ان الاسر بعد الزواج ستختلط و ستکون هناک علاقات متبادلة فعلى الشباب مراعاة هذا العنصر لمعرفة مدى تأثیرها تلک العلاقات على مستقبلهم، و من هنا قال النَّبِیُّ (ص): "اخْتَارُوا لِنُطَفِکُمْ فَإِنَّ الْخَالَ أَحَدُ الضَّجِیعَیْنِ".[4]
قد یقال: اذا کان الامر کذلک لماذا اختار الرسول الاکرم (ص) الزواج من أم حبیبة بنت أبی سفیان؟
جوابه: أن زواج النبی (ص) منها بعد ان تجردت عن کل العلائق الاسریة مع ابیها و اسرتها و هاجرت مع زوجها الاول و بعد ان توفی زوجها تزوجها النبی الاکرم (ص) و الشاهد على تجردها المعنوی و الاخلاقی عن العائلة الامویة، أنه لما دخل علیها ابوها ابو سفیان فذهب لیجلس على الفراش فأَهوَتْ إِلى الفراش فطوتهُ! فقال: یا بنیَّةُ أَ رغبةً بهذا الفراش عنِّی؟! قالت: نعمْ، هذا فراشُ رسول اللَّهِ (ص) ما کنتَ لتجلِسَ علیْهِ و أَنْتَ رِجْسٌ مُشْرِک.[5]
هذا من جهة، و من جهة أخرى شخصیة الرسول الاکرم (ص) لم تکن تلک الشخصیة التی یخاف علیها من امثال أبی سفیان أو غیره.