بحث متقدم
الزيارة
6359
محدثة عن: 2012/02/14
خلاصة السؤال
لماذا یعتبر یوم السبت بالنسبة للیهود یوم عقوبة؟ و هل یعتبر یوم الأحد للمسیحیین کذلک؟
السؤال
لماذا یعتبر یوم السبت بالنسبة للیهود یوم عقوبة، و ما هی فلسفته؟ و هل لیوم الأحد عند المسیحیین صبغة العقوبة أیضاً؟
الجواب الإجمالي

من المسائل الممنوعة فی تعالیمنا الدینیة هی تبریر العمل المخالف، لقد ذکر القرآن، بعض الیهود الذین تمرّدوا علی الشریعة باسم "أصحاب السبت" و لعنهم، لأن صید السمک یوم السبت بالنسبة لهم کان محرماً، و فی هذا الیوم کانت الأسماک تأتی بکثرة ـ بالقدرة الإلهیة ـ و تظهر فوق الماء و جنب الساحل حتی یُمتحن میزان وفاء الیهود للقانون الإلهی، لکنهم فقدوا تحملهم أمام هذه الأسماک الوافرة، فصاروا یُلقون علیها الشباک یوم السبت و یُخرجونها من الماء یوم الأحد. و یوجهون مخالفتهم للشریعة: بأننا لم نصدها یوم السبت، بل هیأنا مقدمات الصید فیه و لم یحرم علینا تهیئة المقدمات! لذلک فعِلة عقوبة الیهود هی، عدم الإنصیاع للقوانین الإلهیة. کما یرى المسلمون بلالک خلافا للیهود حیث  یعتبرون یوم السبت یوم إستراحتهم. و قد ردّت الآیات القرآنیة و روایات أهل البیت (ع) هذا القول و حسبته باطلاً.

و هناک إختلاف فی إحترام یوم السبت أو یوم الأحد بالنسبة للیهود و النصاری. فبعض المسیحیین المشهورین باسم "السبتیین" یعتبرون یوم السبت یوماً مقدساً کالیهود. و لا یعملون به شیئاً، بل یؤجّلون عملهم یوم الأحد و یعتقدون بأن أحکام التوراة العشرة باقیة علی قوّتها کالإنجیل و المسیح جاء لإتمامها و إجرائها. من جهة أخری أن یوم الأحد بعقیدة المسیحیین غیر السبتیین، یوم عید دینی لأن شهادة المسیح کانت یوم الجمعة و قد قام بعد ثلاثة أیام من عالم الموتی و ظهر لتلامذته، لذلک فقیام المسیح کان یوم الأحد. بناء علی ما مضی، لا یوجد فی نصوصنا الإسلامیة روایة تثبت إن یوم الأحد یوم عقوبة و مجازاة للمسیحیین.

الجواب التفصيلي

من القصص التی إهتم بها القرآن، و فسّرها الأئمة (ع) و بتبع ذلک المفسّرون المسلمون هی قصة "أصحاب السبت".

مُنع عدة من الیهود عن الصید یوم السبت بسبب أعمالهم المخالفة للشرع. و فی المقابل هؤلاء تمرّدوا و عصوا الأمر الإلهی بالمکر و الخدعة، لذلک أصابهم اللعن و العذاب و مُسخوا قردة. لقد وردت قصة أصحاب السبت فی سور عدیدة منها: الآیة 65 من سورة البقرة و الآیة 47 و 154 من سورة النساء و الآیة 163 من سورة الأعراف و الآیة 124 من سورة النحل.[1]

و خلاصة قصة أصحاب السبت بناء علی روایة ینقلها الإمام الباقر (ع) عن الإمام علی (ع) هی: أن قوماً من أهل إیلة من قوم ثمود و أن الحیتان کانت سیقت إلیهم یوم السبت لیختبر الله طاعتهم فی ذلک فشرعت إلیهم یوم سبتهم فی نادیهم و قدّام أبوابهم فی أنهارهم و سواقیهم فبادروا إلیها فأخذوا یصطادونها و یأکلونها فلبثوا فی ذلک ما شاء الله لا ینهاهم الأحبار، و لا یمنعهم العلماء عن صیدها، ثم إن الشیطان أوحی إلی طائفة منهم إنما نهیتم عن أکلها یوم السبت و لم تنهو عن صیدها فاصطادوها یوم السبت و أکلوها فی ما سوی ذلک من الأیام.

فقالت طائفة منهم: الآن نصطادها فعتت و انحازت طائفة أخری منهم ذات الیمین فقالوا: ننهاکم عن عقوبة الله أن تتعرضوا لخلاف أمره، و اعتزلت طائفة منهم ذات الیسار فسکتت و لم تعظهم، فقالت للطائفة التی وعظتهم: : لم تعظون قوما الله مهلکهم أو معذبهم عذابا شدیدا؟ فقالت الطائفة التی وعظتهم: "معذرة إلی ربکم و لعلهم یتقون"، فقال الله عزّوجلّ: " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُکِّرُواْ " یعنی لما ترکوا ما وعظوا به مضوا علی الخطیئة فقالت الطائفة التی وعظتهم: لا و الله لا نجامعکم و لا نبایتکم اللیلة فی مدینتکم هذه التی عصیتم الله فیها مخافة أن ینزل علیکم البلاء فیعمّنا معکم ـ قال: فخرجوا عنهم من المدینة مخافة أن یصیبهم البلاء فنزلوا قریباً من المدینة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولیاء الله المطیعون لأمر الله غدوا لینظروا ما حال أهل المعصیة فأتوا باب المدینة فإذا هو مصمت فدقوا فلم یجابوا و لم یسمعوا منها حس أحد فوضعوا فیها سلماً علی سور المدینة ثم أصعدوا رجلاً منهم فأشرف علی المدینة فنظر فإذا هو بالقوم قردة یتعاوون و لهم أذناب فکسروا الباب فعرفت الطائفة أنسابها من الإنس، و لم یعرف الإنس أنسابها من القردة فقال القوم للقردة: ألم ننهکم؟

فقال علی (ع): و الذی فلق الحبّة و برء النسمة إنی لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ینکرون و لا یغیرن بل ترکوا ما أمروا به فتفرقوا، و قد قال الله: "فبعداً للقوم الظالمین"،[2] فقال الله: " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُکِّرُواْ بِهِ أَنْجَیْنَا الَّذِینَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِینَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِیسٍ بِما کانُوا یَفْسُقُون".[3]،[4]

و هذه المسألة و إن نزلت فی الیهود، لکن حکم الآیة یشمل کل من یعصی الأوامر الإلهیة و یتمرد علیها بالأعذار الواهیة. و عمل الیهود هذا یشبه عمل بعض المرابین الذین یوجهون الربا بالشراء و البیع الظاهری بوضع علبة کبریت أو أی شیء تافة آخر بعنوان الشراء و البیع، یعطون للربا الصبغة الشرعیة کما یظنون. کما إن مستلمی الرشوة یصبغون علیها الصبغة الشرعیة أیضاً باسم حق الزحمة و غیرها من التسمیات الأخری.

أما ما یخص الجزء الثانی من السؤال، فیتحتم القول، بأنه لم ترد و لا روایة واحدة فی النصوص الإسلامیة تبین إن یوم الأحد بالنسبة للمسیحیین هو یوم عقوبة، لکن ما جاء عن هذا الموضوع فی بعض التفاسیر هو:

" أن أکثر المسیحیین لا یهتمون بیوم السبت و یعطلون یوم الأحد، لعقیدتهم بأن صلب المسیح (ع) کانت یوم الجمعة و إنه قام من عالم الأموات بعد ثلاثة أیام و ظهر لتلامذته. لذلک اتفق قیام المسیح یوم الأحد و صار هذا الیوم عیداً دینیاً للمسیح. نعم، بعض المسیحیین الذین اشتهروا باسم (السبتیون) یعتقدون بقدسیة یوم السبت کالیهود، و یعتقدون بأن أحکام التوراة العشرة کآیات الإنجیل لا تتعلق بالیهود فقط بل یجب علی المسیحیین أیضاً العمل بها و إن وظیفة النبی عیسی (ع) هی تکمیلها و تطبیقها.[5]

المواضیع ذات الصلة:

"علاقة المسخ قردة بصید السمک یوم السبت"، السؤال 6479 (الموقع: 6912).



[1]  لمزید من الإطلاع حول تفسیر هذه الآیات راجعوا برمجة جامع التفاسیر، تولید مرکز التحقیقات الکامبیوتریة للعلوم الإسلامیة فی قم.

[2]  المؤمنون،41.

[3]  الاعراف، 165.

[4]   انظر: القمی، علی بن ابراهیم بن هاشم، تفسیر القمی، ص 244، مؤسسة دار الکتاب، قم، 1404 ق.

[5]  انظر: البلاغی، سید عبد الحجت، حجة التفاسیر و بلاغ الإکسیر، ج 2، (المقدمة)، ص 765، نشر الحکمة، قم، 1386 ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279426 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257205 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128128 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113210 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88982 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59817 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59533 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56847 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49712 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47155 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...