بحث متقدم
الزيارة
5594
محدثة عن: 2012/02/14
خلاصة السؤال
هل للأرض تراب بمقدار أجساد تمام البشر الذین یعیشون علیها؟
السؤال
هل للأرض تراب بمقدار أجساد جمیع البشر الذین یعیشون علیها حتی یرجع الإنسان یوم القیامة بجمسه الترابی؟
الجواب الإجمالي

ینقسم المعاد إلی قسمین: جسمانی و روحانی، و ما یقال فی المعاد الجسمانی هو إعادة الأجزاء الأصلیة للبدن، هذه الأجزاء التی عبّر عنها فی بعض المصادر الروائیة بإسم الطینة. و بهذا الوصف فعندما یموت جمیع البشر لا یبقی منهم کما جاء فی بعض الروایات إلّا الطینة و الأجزاء الأصلیة منهم و ما یحشر فی عالم الآخرة هو طینة البشر، إذن المعاد الجسمانی لا یحتاج إلی تراب زائد عن تراب الکرة الأرضیة حتی تقول: هل یکفی تراب الأرض للحشر أم لا یکفی؟

الجواب التفصيلي

من الأبحاث المهمة فی موضوع المعاد، هو کیفیة المعاد من حیث جسمانیته أو روحانیته. و هنا تذکر الکتب ثلاث نظریات للفلاسفة و المتکّلمین الإسلامییّن:

1- المعاد جسمانی فقط (و تعتبر الروح أیضاً جسما لطیفا).

2- المعاد روحانی فقط.

3- الإعتقاد بالإثنین: ففی القیامة تحشر الروح و کذلک البدن، و إضافة إلی اللذة و الألم الحسی، یوجد هناک لذة و ألم روحی و عقلی کذلک.

و تحقق المعاد یثبت بالبراهین العقلیة الصرفة و کذلک بالبراهین المتشکّلة من العقل و النقل، و الإختلافات بین العلماء فی روحانیة المعاد و جسمانیته حصل بسبب الإشکالات الواردة علی کلّ منهما. و نحن لا ندخل فی التحقیق و النقد الکامل لها فی هذا المختصر، فلا نبحث هنا فی روحانیة المعاد. و إنما ینصب البحث حول جسمانیته و کیفیة تحققه، فالمعاد الروحانی هو مقتضی العدل و الحکمة و الرحمة الإلهیة.

ویمکن اثبات أصل المعاد الجسمانی بطرق مختلفة. فعلی سبیل المثال تذکر بعض الآیات القرآنیة و بعض الروایات أن الأجر الأخروی هو جزئی و حسی و هذا یدل علی رجوع الجسم الدنیوی.

و هنا یطرح السؤال التالی: هل ان المعاد الجسمانی، هو رجوع نفس الجسم الدنیوی بجمیع شروطه و جزئیاته أو إنه مختلف عنه؟

فما یؤیّده القرآن هو رجوع نفس هذا الجسم الدنیوی و من أوضح الآیات القرآنیة الدالّة علی ذلک هی التی تحکی عن طلب النبی إبراهیم (ع) من الله سبحانه فی مسألة کیفیة إحیاء الموتی فأراه الله کیفیة جمع الأبدان المتلاشیة و إحیائها. و قصة عُزیر أیضاً من هذا القبیل، و کذلک الآیات التی تتحدّث عن تشبیه إحیاء الموتی بإحیاء الأرض و ... فکلها تدل علی المعاد الجسمانی.

و لکن لا یمکن بهذه الآیات الاستدلال علی رجوع الأجزاء غیر الأصلیة (الفواضل) من البدن لأنه قد یرد إشکال فی ذهن أی شخص و هو کیف یرجع هذا الجسم المادی الذی هو دائماً فی حال تغییر و تبدّل و تجدید و فساد إلی عالم یقال عنه لا تغییر و لا فساد فیه. بل بعبارة الفلاسفة (فعلیة محضة) و لا قوة فی ذلک العالم؟

فمع هذه الأصول الثابتة، قیل بأن رجوع الجسم فی المعاد الجسمانی لا یکون بحیث یستلزم إعادة «الفواضل المکلفة» مع کل العوارض المادیة. و یؤیّد هذا الإشکال ما ذکرناه أعلاه المبنی علی عدم إمکان حضور العناصر القابلة للفساد فی عالم القیامة، لأننا لو قلنا بإعادة هذا الجسم بکل عوارضه و فواضله یلزم منه أن نقید أعلی مراتب عالم الوجود بقید موجود فی أسفله الذی هو عالم الطبیعة.

لذلک نری أن جبرئیل و هو الجوهر المجرّد عندما ینزل إلی عالم الطبیعة یظهر بصورة دحیة الکلبی أو غیر ذلک (الصورة الجسمانیة) لأن کل مرتبة من الوجود لها أحکامها الخاصة بها. الآن و نظراً إلی الإختلاف بین العالمین لا یمکن إثبات کل لوازم المادة الدنیویة للمادة الأخرویة (و بالعکس)، کما أن المیاه الموجودة فی الدنیا قد تتعرّض للعوالم الخارجیة و یتغیّر لونها علی إثر ذلک و طعمها، لکن بتصریح القرآن إن میاه الجنة لا یطرأ علیها التغییر و هذا بسبب الشروط الأفضل و الأکمل للدار الأخرویة. [1] فلذلک یلزم القول بأن الجسم فی المعاد الجسمانی نفس الجسم هنا لکن بصفات تختلف عنها، هناک إذن لا تعود معه إلا الأجزاء الأصلیة و تصفی عنه غیر الأصلیة (الأجزاء الفضلیة).

وقد صرّح کثیر من العلماء بهذه النظریة فی باب المعاد الجسمانی حیث یعتقدون بأن إعادة الفواضل المکلّفة (الأجزاء غیر الأصلیة) لیست من الأمور الواجبة فی العقائد الإسلامیة [2] منهم:

الخواجة نصیر الدین الطوسی حیث یقول فی کتاب التجرید: و الضرورة قاضیة بثبوت الجسمانی من دین محمد (ص) مع إمکانه، و لا یجب إعادة الفواضل المکلّفة. و کذلک صرح شراح التجرید کالقوشجی والمحقق الأردبیلی و العلامة الحلی و السید أشرف بن عبد الحبیب الحسینی (رحمهم الله) بهذا المعنی فی شرح هذه العبارة.

و نجد فی عبارات العلماء الأعلام کالسید عبد الله فی مصابیح الأنوار و العلامة الدوانی فی شرح العقائد العضدیة و کذلک ملا مهدی النراقی (رحمهم الله) فی مشکاة العلوم فی بیان موثقة عمار الساباطی أنهم اعتبروا أیضاً بقیة الطینة –التی قالوا بأنها الأجزاء الأصلیة- نفس الطینة التی تبعث یوم القیامة کجسم أخروی: " سُئل عن المیت یَبلی جسده؟ قال: نعم، حتّی لا یبقی له لحمٌ و لا عظمٌ إلّا طینته التی خُلق منها فإنّها لا تُبلی تبقی فی القبر مُستدیرة حتی یُخلق منها کما خُلق أوّل مرّة". [3]

و لعله یمکن الفرض بأن کل خصائص جسم الإنسان مذخورة فی طینته التی ربما تکون جزیئة واحدة و منها یعاد الجسم مرة أخری یوم القیامة و هذا الموضوع لیس بالمستغرب لعلمنا بأن العلماء الآن توصلوا الی أن کل خصوصیات الإنسان تقریباً موجودة فی الجینات الکامنة فی خلایا البدن و مسألة الإستنساخ أیضاً تتم عن طریق هذه الحافظة الطبیعة. فمن البدیهی أن الله سبحانه و تعالی خالق جمیع البشر قادر علی إبقاء هذه الحافظة بجسم دقیق جداً حتی فی ذرة واحدة.

بناء علی ما قدّمنا من أن المعاد جسمانی و روحانی. و تعاد فی الجسم الأجزاء الأصلیة فقط لا الفضلیة، إتضح أن الوجود الترابی الزائد لا موضوعیة له فی المعاد الجسمانی حتی نبحث عن کفایة تراب الکرة الأرضیة و عدم کفایته للمعاد الجسمانی، و ذلک لأن ما طرح فی المعاد الجسمانی من بحث، هو رجوع الأجزاء الأصلیة من البدن لا غیر.

لمزید من المطالعة راجعوا المواضیع التالیة:

"کیفیة حشر من مات خارج الکرة الأرضیة من البشر"، السؤال  18309 (الموقع: 17957).



[1]    علی الربانی الگلپایگانی، عقائد استدلالی (العقائد الإستدلالیة)، ج 2، ص 246، مرکز نشر هاجر التابع لمرکز مدیریة الحوزات العلمیة للأخوات» 1387 ش.

[2]    الاسکوئی الحائری، الحاج میرزا موسی، احقاق الحق، ص 17 إلی 24، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، الطبعة الثانیة، 1358 هـ - 1965 م.

[3]    الکلینی، الکافی، ج 3، ص 251، دار الکتب الإسلامیة، طهران.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280329 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258942 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129731 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115915 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89625 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61176 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60456 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57420 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51840 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    47778 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...