بحث متقدم
الزيارة
8688
محدثة عن: 2012/05/17
خلاصة السؤال
هل يوجد تعارض بين نظرية الفلاسفة في قدم العالم و بين حديث العماء المروي عن النبي الاكرم (ص)؟
السؤال
هل يوجد تعارض بين نظرية الفلاسفة في قدم العالم و بين حديث العماء المروي عن النبي الاكرم (ص)؟
الجواب الإجمالي

ينبغي وضع حديث العماء الى جانب حديث " كان الله و لم يكن شيء معه" الذي يستند الى اصل الوجود و يبين الحدوث الذاتي للعالم. و هذان الحديثان يشيران الى حقيقة واحدة مضمونها: كان الله و لم يكن شيء غيره معه، و ان الله كان في عماء ( اشارة الى مرتبة ما قبل التجلي) ثم أراد الله فخلق فاوجد العالم بارداته.

انظر تمام البحث في الجواب التفصيلي.

الجواب التفصيلي

الجذور التاريخية للبحث:

يضرب بحث الحدوث و القدم بجذوره في اعماق الفكر البشري من الفلسفة اليونانية و حتى العصر الاسلامي الذي قام فيه الفلاسفة المسلمون بتعديل و تطوير الكثير من النظريات الفلسفية حتى وصل الى القول بنظرية " الحدوث و القدم بالحق" التي اقتربت من نظرية التجلي للعرفاء، من هنا يمكن القول بان الحديث المروي عن النبي الاكرم (ص) لا يبتعد عن هذه النظرية بنحو ما.

و بعبارة أخرى: ان حقيقة بحث الحدوث و القدم إنما طرحت في الابحاث العرفانية، و أما ما طرحه البحث الفلسفي - الذي يبحث في الاصول العامة و الكليات- فهو يشابه - الى حد ما- ما طرحه الدهريون من دون ان يتمكنوا من الجمع بينه و بين ما تطرحه التعاليم الدينية في هذا المجال. من هنا نرى الاختلاف الشاسع بين بحث الازلية و التجلي و الوجود في العرفان و بين ما يطرحه الفلاسفة خاصة الدهريين منهم؛ و إن حاول ابن سينا و من بعده الملاصدرا ردم الهوة و نفي الاختلاف بينهما، بنحو يصح معه الجمع بين نظريتي القول بقدم العالم و حدوثه.

و لتوضيح المسألة نقول:

حاول ابن سينا بيان نظرية الفلاسفة في قدم العالم و التي يختلفون بها مع المتكلمين القائلين بحدوثه، من خلال طرح موضوع الحدوث و القدم الذاتي في مقابل الحدوث و القدم الزماني، مدعيا أن العالم حادث ذاتا و محتاج الى الى الخالق فهو ليس بقديم، و لكنه قديم زمانا، أو لا يمكن طرح فكرة الزمان بحقه أساساً.

ثم ان الملا صدرا حاول الاقتراب من العرفان بطرحه لنظرية "عين الربط" عارضاً رؤية جديدة لحدوث و قدم العالم اطلق عليها عنوان "الحدوث و القدم بالحق"، خلاصتها ان المعلول يعد عين الربط بالعلة، و ان العلة هي الوحيدة التي تتوفر على الاستقلال و الغنى الذاتي، و للوجود حدوث بالحق.

أما الرؤية العرفانية لهذه المسألة فتتمثل بنظرية "التجلي" و هي خارجة عن الزمان أولا، و ثانيا ان هناك مراتب و حضرات لتجلي الحق لكنها متفاوتة فيما بينها، و لكل مرتبة من حيث السعة الوجودية و الوحدة و الكثرة و... أحكام خاصة بها. المرتبة الاولى تتمثل في مرتبة العماء، ثم التجلي في الجبروت و الملكوت حتى عالم الزمان النجومي و المكان المادي.

و يظهر من هذه النظرية: أولا: ان تجلي الله تعالى يعني التبعية الكاملة له سبحانه و تنطوي في الوقت نفسه على الحدوث و القدم في ذاتها. و ثانيا: ان عالم الوجود له ابعاد و طبقات مختلفة كلها تمثل مراتب تجليات الباري تعالى. و على هذا الاساس تكون كل من مرتبة العماء و الجبروت و ...خارجة عن الزمان أساساً و غير حادثة زمانا. أما المراتب السفلى فهي عرضة للتغير و ان توفرت على منشأ لا يتغير.و في نفس الوقت جميع المراتب - بنحو عام- لها وجود في عين العدم، كالامواج و سطح البحر بالنسبة للبحر[1]. و هذه النظرية تختلف عن النظرية التي تذهب الى قدم عالم الظاهر. بل العرفاء يرون ظاهر العالم "صورة العدم" و" تجلي العماء" لا أنه وجود قديم. و بعبارة أخرى: لا علاقة للعارف بالحادث و لا يرى وجودا حقيقيا الا لله تعالى.

اتضح من خلال هذا البيان: اننا اذا اردنا ان نوجه نظرية الفلاسفة في قدم العالم لابد من حملها على النظرية التي طرحها العرفاء، و الا لا معنى للقول بقدم عالم الكون و الفساد. ثم ان جميع ما سوى الاله فان ٍ فلا يبقى – حسب النظرة القرآني- الا وجهه، او الوجهة الالهية للعالم الظاهر و التكثرات.

العلاقة بين بحث قدم العالم و حديث العماء[2]

ينبغي وضع حديث العماء الى جانب حديث " كان الله و لم يكن شيء معه" الذي يستند الى اصل الوجود و يبين الحدوث الذاتي للعالم. و هذان الحديثان يشيران الى حقيقة واحدة مضمونها: كان الله و لم يكن شيء غيره معه، و ان الله كان في عماء ( اشارة الى مرتبة ما قبل التجلي) ثم أراد الله فخلق فاوجد العالم بارداته.

و ليس أمامنا مفر في هذه القضية الا هذا التصور لخلق العالم لمقتضى توهم الزمان و المكان، و الحال ان المراد من القبلية القبلية الذاتية لله و بعدية التجلي الذاتي له سبحانه؛ لاننا لا نحمل أي تصوّر عن القبلية و البعدية من دون قيد الزمان، في الوقت الذي نعلم فيه بان البعدية الزمانية لا تصدق على افعال الله تعالى الذاتية؛ إذ لا معنى للزمان مع " كان الله و لم يكن شيء".

و لاريب انه من الصعب ادراك تلك الحقيقة من قبل الذهن المستأنس بالزمان و الذي لا يخرج من دائرته. من هنا جاء في ذيل الحديث " كان الله و لم يكن شيء معه" عن بعض العرفاء (و بعضم نسبه الى الامام علي –ع- ): " و ما زال كذلك"؛ يعني ان الله كان و لم يكن شيء و ما زال كائنا و لم يكن شيء معه؛ لان العارف لا يجد حقيقة قابلة للمشاهدة الا الله تعالى، و ما وجد بعد من الحوادث لا يستحق نسبة الوجود اليه. و هذا الكلام يشبه حديث العماء؛ بمعنى أن العارف لا يرى في الاشياء – غير الله- الا بعدها العمائي. فالقبلية و القدم تعني الرتبة و كل ما هو حاضر.

لمزيد الاطلاع انظر:

15689 (الموقع: ar15420) الله قبل خلق العالم .

11013 (الموقع: 10838) ربط الحادث و القدیم و المادة الاولی لخلق العالم.

 


[1] هذا مجرد تشبيه.

[2] حول البحث عن حديث عالم العماء، انظر: السؤال 11013 (الموقع: 10838) في موقع اسلام کوئیست.

 

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257233 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128139 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113239 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88995 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49727 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...