بحث متقدم
الزيارة
14284
محدثة عن: 2012/03/03
خلاصة السؤال
ما الفرق بين كلمة الله تعالى و بين God في المسيحية؟
السؤال
ما الفرق بين كلمة الله تعالى و بين God في المسيحية؟ و هل كلاهما يشيران الى الله الواحد الاحد؟
الجواب الإجمالي

الاسماء التي اطلقتها الاديان و الثقافات المختلفة على الذات الاحدية كلها تشير الى حقيقة واحدة، الا ان الانحرافات التي اصابت الاديان و الثقافات الاخرى ، أدت الى الميل عن النفطرة و الاختلاف في فهم الاله الواحد و معرفته و ظهور الكثير من المعتقدات و الرؤى المتفاوتة في هذا المجال. فان جميع الاديان و ان كانت تشير الى حقيقة واحدة باسماء مختلفة حسب تعدد الشعوب و الاقوام و اختلاف السنتهم،  و لكنهم لمّا خاضوا في بيان صفات تلك الذات المقدسة و ما هي صفاته؟ و ما هو الطريق الموصل اليه؟ و ما هو الاعتقاد الصحيح الذي ينبغي اعتماده؟ حصل الاختلاف.

فاذا اذا نظرنا الى القضية من زاوية الفطرة الانسانية فحينئذ و مهما اختلف الاسماء و الالفاظ يبقى الجميع يشير الى تلك الحقيقة "الله الاحد". و لكن لو نظرنا اليها من زاوية الواقع الموضوعي و التاريخي الموجود، و درسنا القضية انطلاقا من النظريات الكلامية المطروحة نجد "الله" في الاسلام يختلف عن "الله" المقصود في الفكر المسيحي؛ فعندما تؤمن المسيحية بالثالثوث الاقدس ( التثليث)، فحينئذ كلما أطلق لفظ (God)  يقصد به على اقل تقدير أحد الاقانيم الثلاثة و هو " الله الابن" و الذي يقصد به السيد المسيح (ع) عندهم، و اما الانسان المسلم فلا يتبادر الى ذهنه من لفظ " الله" الا تلك الذات المقدسة المنزهة عن الشريك و المثل و التي لا تدركها الابصار و المنزهة عن كل نقص او عيب و الجامعة لكل صفات الكمال.

و ان افضل التعاريف و التوصيفات قد اطلقت على الله تعالى في آيات الذكر الحكيم و كلمات النبي الاكرم و العترة الطاهرة (ص): " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏".

الجواب التفصيلي

مصطلح الله

اما كلمة الله فقد بحث العلماء في اصل اشتقاقها حيث تعددت النظريات و الآراء في هذا المجال، المهم منها قولان:

1. اللّه:  أصله إله فحذفت همزته، و أدخل عليها الألف و اللام، فخصّ بالباري تعالى. [1]

روى المنذري عن أَبي الهيثم أَنه سأَله عن اشتقاق اسم الله تعالى في اللغة فقال: كان حقه إلاهٌ، أُدخلت الأَلف و اللام تعريفاً، فقيل أَلإِلاهُ، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالًا لها، فلما تركوا الهمزة حَوَّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف، و ذهبت الهمزة أَصلًا فقالوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لام التعريف التي لا تكون إلَّا ساكنة، ثم التقى لامان متحركتان فأَدغموا الأُولى في الثانية، فقالوا الله، كما قال الله عز و جل: لكنا هو الله ربي؛ معناه لكنْ أَنا. [2]

2. و قيل: أصله من: لاه يلوه لياها، أي:احتجب. قالوا: و ذلك إشارة إلى ما قال تعالى:لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، و المشار إليه بالباطن في قوله:وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ. و قيل: أصله لاه مصدر لاه يليه إذا احتجب و ارتفع لأنه محجوب عن البصر و مرتفع عن كلّ شي‏ء. و قيل أصله لاها بالسريانية فعرّب بحذف الألف الأخيرة و إدخال لام التعريف في أوّله [3] و قال سیبویه: " أصله الكلمة لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم". [4] و الملاحظ في هذا القول انه لا يحتاج الى التخفيف الذي هو خلاف الاصل. و لاه يليه ليها: تستر. [5]

إذن "لاه" مضاف اليها الف و لام التعريف تعني: الله المعروف الذي تستر بالغيب. و هذا المعنى ينسجم مع الكلام الاسلامي و المعارف القرآنية. فالله يعني الذّات الواحدة الجامعة لصفات الكمال، إنّه خالق عالم الوجود المحتجب بستار الغيب و الذي "لا تدکه الابصار و هو یدرک الابصار". [6]

مصطلح God

معرفة الجذور اللغوية لهذه المفردة تحتاج الى تبحر في اللغة اللاتينية و مراجعة مفرداتها و اشتقاقها، و لكن يبدو أن افضل حمل لها يمكن من خلال ارجاعها الى كلمةgood   و التي تعني الجيد، و لما كان الله تعالى يتصف بكل صفات الحسن و الجيد من هنا اطلق عليه هذا اللفظ.

الله في الاسلام و المسيحية

الاسماء التي اطلقتها الاديان و الثقافات المختلفة على الذات الاحدية كلها تشير الى حقيقة واحدة، الا ان الانحرافات التي اصابت الاديان و الثقافات الاخرى  أدت الى الاختلاف في فهم الاله الواحد و معرفته و ظهور الكثير من المعتقدات و الرؤى المتفاوتة في هذا المجال. و ان جميع الاديان و ان كانت تشير الى حقيقة واحدة باسماء مختلفة حسب تعدد الشعوب و الاقوام و اختلاف السنتهم،  و لكنهم لمّا خاضوا في بيان صفات تلك الذات المقدسة و ما هي صفاته؟ و ما هو الطريق الموصل اليه؟ و ما هو الاعتقاد الصحيح الذي ينبغي اعتماده؟ حصل الاختلاف.

و على هذا الاساس ان البحث اللغوي حول مفردة "الله" و إن لم يبتعد عن الابحاث الدينية في هذا المجال، و لكن الاختلاف فيه يعد أمراً طبيعيا فان كل قوم يشيرون الى تلك الحقيقة بلغتم الخاصة فالشعب الانجليزي يطلق عليه لفظة God  و الفارسي يطلق عليه لفظة خدا او آهورا، و العربي لفظة إله و الله و...

و لكن المهم هنا هل الله في الفكر المسيحي الموجود الآن هو نفس الله في الفكر الاسلامي؟ و هذه صورة اخرى للسؤال: هل الله في الفكر الاسلامي هو نفس God في الفكر المسيحي؟

و الجواب عن ذلك ينطلق من زاويتن:

الاولى: اذا نظرنا الى القضية من زاوية الفطرة الانسانية فحينئذ و مهما اختلف الاسماء و الالفاظ يبقى الجميع يشير الى تلك الحقيقة "الله الاحد".

الثانية: اذا نظرنا الى القضية من زاوية الواقع الموضوعي و التاريخي الموجود و درسنا القضية انطلاقا من النظريات الكلامية المطروحة نجد "الله" في الاسلام يختلف عن "الله" المقصود في الفكر المسيحي؛ فعندما تؤمن المسيحية بالثالثوث الاقدس ( التثليث)، فكلما أطلق لفظ (God)  يقصد به على اقل تقدير أحد الاقانيم الثلاثة و هو " الله الابن" و الذي يقصد به السيد المسيح (ع) عندهم، و اما الانسان المسلم فلا يتبادر الى ذهنه من لفظ " الله" الا تلك الذات المقدسة المنزهة عن الشريك و المثل و التي لا تدركها الابصار و المنزهة عن كل نقص او عيب و الجامعة لكل صفات الكمال.

 

إذن، و ان كان الاديان كافة بل جميع البشرية يشتركون بالايمان – فطرة- باله واحد، لكن يبقى الاختلاف في الاوصاف و التفرعيات، و لكن يبقى البحث في: أي دين منهم هو الموفق في ذلك و الصحيح في معتقداته؟ و أي دين سلك الطريق الصحيح الموصل الى الله تعالى؟ هنا لابد من التأمل في الادلة و البراهين و النظريات التي تطرحها تلك الاديان و عقد ابحاث مقارنة بينها لنرى الحق منها.

و عندما نرجع الى التراث الاسلامي نجد افضل التعاريف و التوصيفات قد اطلقت على الله تعالى في آيات الذكر الحكيم و كلمات النبي الاكرم و العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، حيث اعتبرت كلمة "الله" من الاسماء الخاصة بالذات المقدسة و التي لا يمكن اطلاقها على غير تلك الذات، قال تعالى في كتابه الكريم: " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏". [7]

لمزيد الاطلاع انظر:

معنی کلمة الله، 4665 (الموقع: 4665).



[1] الراغب الاصفهاني، المفردات من غریب القرآن، ج1، ص 82، مفردة الله.

[2] ابن منظور، لسان العرب، ج‏ 13، ص 467، مفردة اله.

[3] المفردات من غریب القرآن، ج1، ص 83؛ مجموعه رسائل فلسفي صدر المتالهین، ص 414، انتشارات حکمت؛  کشاف اصطلاحات الفنون، ج 1، ص 251، مکتبه لبنان ناشرون.

[4] ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم، ج 1، ص 123، دار الكتب العلمية، بیروت.

[5] مجمع البحرین، ج 6، ص 361، ذیل مفردة "لیه".

[6] الانعام، 103.

[7] الاسراء، 110.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280300 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258899 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129701 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115823 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89600 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61143 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60417 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57401 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51759 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47752 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...