Please Wait
22434
الرواية المطروحة تشير الى عدة أمور:
1. الغاية الاساسية للزواج تكمن في توليد النسل و الانجاب، من هذه الزواية يعد العقم نوعا من النقص البدني للجنسين معاً.2. إنطلاقا من الهدف المذكور نرى الرسول الاكرم (ص) يؤكد على عدم الغفلة عن هذه الغاية المهمة، لا أنه (ص) بصدد تحريم الزواج من العقيم أو ايجاب الزواج من الولود.3. من الطبيعي أن النبي الاكرم (ص) عندما يقول: "تزوَّجوا فإِنِّي مُكاثرٌ بكمُ الأُممَ" فانه (ص) يصرح بحكمة التوصية بزواج الولود لكي لا يبقى المسلمون هم الاقلية، و الا لما وصلوا الى اكثر من المليار مسلم في هذا العالم الملاتطم الاطراف. و لم يقصد (ص) إهانة العقيم او الاساءة اليها، فان ذلك كله بعيد كل البعد عن خلقه السامي.5. لا توجد في ذلك الوقت طريقة علمية تجزم بكون هذه المرأة ولوداً أو عقيماً، و انما قد يحتمل كونها كذلك من خلال بعض القرائن كانتشار العقم بين قريباتها، او انها قد تزوجت سابقا من رجل ولود ولم تنجب منه. 6. صحيح أن روايات هذا الباب لا تتوفر على اسناد جيد، و لكن مجرد الخلل في السند لا يعد مبرراً لرفض الرواية خاصة في الامورالاخلاقية و الارشادات و التوصيات، بل لابد من السعي لتبريرها تبريراً منطقياً ما دامت لا تتعارض مع القرآن و مع اخلاقيات الرسول الاكرم (ص) كالرواية المطروحة في بداية البحث، و اما الروايات التي لا تنسجم مع اخلاقياته (ص) كالتي تقول: " حَصِيرٌ مَلْفُوفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ خَيْرٌ مِنِ امْرَأَةٍ عَقِيمٍ" فانها بالاضافة الى الخلل في سندها، تتنافى مع كرامة الانسان التي دعا اليها (ص)، و مع خلق النبي (ص) و مبادئة التي بشر بها.
الاجابة عن سائر الاسئلة موجودة في الجواب التفصيلي.
للاجابة عن الاسئلة المطروحة المطروحة لابد أولا من عرض متن الرواية مورد البحث ثم الخوض في تحليلها و بيان المراد منها:
روي عن النبي الاكرم (ص) أنه قال: " تزوَّجوا سوداء ولُوداً و لا تتزوَّجُوا حسناءَ جميلًا عاقراً فإِنِّي أُباهي بكمُ الأُمم يوم القيامة".[1] و قد وردت الرواية بصيغ مختلفة نوعاً ما.[2]
و كلام النبي الأكرم (ص) يشير الى عدة أمور:
1. من الغايات الاساسية للزواج توليد النسل و الانجاب، و قد خلق الله تعالى المرأة بنحو تكون مستعدة تكوينا للانجاب اذا تم المقاربة الجنسية بينها و بين الرجل، الا اذا كانت هناك موانع عارضية تمنع من الانجاب كضعف حيمن الرجل او خلل في رحم المرأة و غير ذلك من العوارض التي اكتشف الكثير منها علم الطب الحديث. من هنا يعد العقم نوعا من النقص البدني للجنسين معاً.
2. لما كان الهدف الاساسي للزواج التناسل و تحصيل الذرية؛ من هنا نرى الرسول الاكرم (ص) يؤكد على عدم الغفلة عن هذه القضية لما تنطوي عليه من دور فاعل في نجاح الزواج مستقبلا، لا أنه (ص) بصدد تحريم الزواج من العقيم أو ايجاب الزواج من الولود.
3. من الطبيعي أن النبي الاكرم (ص) عندما يقول: "تزوَّجوا فإِنِّي مُكاثرٌ بكمُ الأُممَ غداً في القيامة حتَّى إِنَّ السِّقطَ ليجيء مُحْبَنْطِئاً على باب الجنَّة فيقالُ لهُ: ادخُلِ الجنَّة. فيقول: لا حتَّى يدخل أَبواي الجنَّة قبلي".[3] و قوله "فإِنَّ من سنَّتي التَزويج و اطلبوا الولد فإِنِّي مكاثرٌ بكمُ الأُمم غدا".[4] فانما یشیر الى إحدى سبل تحقيق تلك الغاية المهمة و ذلك من خلال الزواج من الولود.
4. صرحت الرواية بحكمة التوصية بزواج الولود " إني مكاثر بكم الامم"؛ و من هنا لابد أن تدرس الرواية في ظرفها الخاص. ففي المجتمع الذي تقطنه الغالبية من الكافرين و المشركين لو قدر للمسلمين الانبهار بجمال الصورة و لم يفكروا في المستقبل و تكثير النسل خلافا للكافرين الذين ينجبون و يتناسلون بكثرة، لما وصل المسلمون الى اكثر من المليار مسلم و سيبقى المسلمون يعيشون كاقلية في العالم الملاتطم الاطراف. من هنا نعرف انه (ص) لم يقصد إهانة العقيم او الاساءة اليها، فان ذلك كله بعيد كل البعد عن خلقه السامي.
5. لا توجد في ذلك الوقت طريقة علمية تجزم بكون هذه المرأة ولوداً أو عقيماً، و انما قد يحتمل كونها كذلك من خلال بعض القرائن كانتشار العقم بين أخواتها أو عماتها أو خالاتها، او انها قد تزوجت سابقا من رجل ولود ولم تنجب منه، و هذا يقوي احتمال كونها عقيماً، و من هنا قد يكون التوصية ناظرة الى هذه الحالات.
6. لا نسلّم بان ظاهرة العقم متفشية في المجتمعات المعاصرة بنسبة أكبر مما كانت عليه في عصر الرسالة؛ و ذلك لان أكثر الشباب اليوم لا يرغبون في الانجاب في بداية حياتهم الزوجية، و لما كانت هذه الغاية لا تتحقق الا من خلال استعمال العقاقير و المضادات الكيمياوية، و من الثابت علمياً ان لتلك العقاقير انعكاساتها السلبية على الرحم مما يولد حالة من الضعف فيه و عدم الاهلية للحمل و الانجاب، و لكن تبقى هذه المشكلة قابلة للمعالجة من خلال الطب الحديث.
7. يمكن للرجل العقيم أن يتزوج من إمرأة عقيم مثله للتقليل من المشاكل الزوجية في المستقبل. و لا يعني ذلك اننا نرجح الطلاق و الانفصال فيما لو ظهر كون أحد الزوجين عقيماً، بل يمكن ان يعيشا حياة زوجية مستقرة، كما كان عليه النبي زكريا (ع) و الذي عاش مع زوجه العقيم حتى من الله تعالى في أخريات حياتهما بذلك الوليد المبارك: "قال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ".[5]
8. صحيح – كما ورد في متن السؤال- أن روايات هذا الباب لا تتوفر على اسناد جيد، و لكن مجرد الخلل في السند لا يعد مبرراً لرفض الرواية خاصة في الامورالاخلاقية و الارشادات و التوصيات، بل لابد من السعي لتبريرها تبريراً منطقياً ما دامت لا تتعارض مع القرآن و مع اخلاقيات الرسول الاكرم (ص) كالرواية المطروحة في بداية البحث، و اما الروايات التي لا تنسجم مع اخلاقياته (ص) كالتي تقول: " حَصِيرٌ مَلْفُوفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ خَيْرٌ مِنِ امْرَأَةٍ عَقِيمٍ" فانها بالاضافة الى الخلل في سندها، تتنافى مع كرامة الانسان التي دعا اليها (ص)، فلا يمكن نسبتها الى نبي (ص) جعل المعيار في التفاضل بين البشر قائماً على التقوى[6]، و الذي لم يفرق بين الابيض و العربي و العجمي من البشر[7]، و الذي يقوم دينه على التفاضل في العلم و المعرفة " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذينَ لا يَعْلَمُون"[8] لا يمكن ان يجعل التفاضل بين الناس قائما على اساس الانجاب و العقم و لا يصدر منه ما يؤدي الى إهانة المرأة العقيم لمجرد عقمها. علماً أن الكثير من نساء النبي (ص) لم ينجبن.
9. الجدير بالذكر ان الخطابات الدينية يلاحظ فيها – غالبا- طريقة التخاطب الاجتماعي، فعلى سبيل المثال لما كان الغالب في المجتمعات القديمة و المعاصرة أن الخطبة تبدأ من الرجل لا من المرأة، من هنا جاء الخطاب في الرواية، للرجال في اختيار مواصفات المرأة التي يراد الزواج منها، و ليس في ذلك أدنى أية إهانة للمرأة، هذا من جهة، و من جهة اخرى ان التعليل في الرواية " مكاثر بكم الامم" يسرى على الرجل و المرأة معا، فلو قدر أن رجلا جميلا ثبت عقمه و هناك رجل آخر غير جميل و لكنه ولود، و خيرت المرأة بينهما، فلا ريب ان الوصية ترشدها الى الزواج من الثاني دون الاول، و هكذا الأمر عندما يحذر الاسلام من الزواج من المرأة الجميلة الناشئة في بيئة غير سليمة لا يعني التشجيع على الزواج من الشاب الناشئ في مثل تلك البيئة!! كذلك عندما يوصي الاسلام بتزويج الشاب المرضي الدين و الاخلاق ينسحب ذلك على الشابة المتصفة بالدين و الاخلاق[9] أيضاً " أَتى رجلٌ النبيَّ (ص) يستأْمرُهُ في النِّكاح فقال لهُ رسولُ اللَّه (ص): " عليكَ بذات الدِّينِ"[10] و ليس في ذلك اهانة لصنف لصالح صنف آخر. و من هنا نرى بعض الائمة (ع) تزوجوا و جعلوا معيارهم الطهر و الدين كما فعل الامام الحسين (ع) – على فرض التسليم بصحة الرواية التاريخية- بزواجة من شهربانو أمّ الامام السجاد (ع).[11]
10. تمّت الاجابة عن السؤال التاسع ضمن الفقرة رقم 4 و ان الروايات لابد ان تدرس في ظرفها الخاص.
[1] الحر العاملي، وسائل الشیعة، ج 20، ص 54، مؤسسه آل البت، قم، 1409ق؛ المحدث النوري، مستدرک الوسائل، ج 14، ص 176، آل البیت، قم، 1408ق.
[2] انظر: نفس المصدر، "الحسنُ بن فضل الطَّبرِسيُّ في مكارم الأَخلاق، نقلا من كتاب الرِّيَاضِ قال: قال رسول اللَّه (ص): ذَرُوا الْحَسْنَاءَ الْعَقِيمَ و عليكم بِالسَّوْدَاءِ الولود فإِنِّي مكاثرٌ بُِکم الأُممَ حتَّى بالسِّقط".
[3] من لایحضره الفقیه، ج 3، ص 383، جماعة المدرسین، قم، 1413ق.
[4] وسائل الشیعة، ج 20، ص 15
[5] آل عمران، 40.
[6] "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ" (الحجرات،13)
[7] المحدث النوري، مستدرک الوسائل، ج 12، ص 89، آل البیت، قم، 1408ق.
[8] الزمر، 9.
[9] انظر: موضوع: إياكم و خضراء الدمن، 18403 (الموقع: ar17993).
[10] الكافي ج : 5 ص : 332.
[11] انظر: زدواج الامام الحسین (ع) من السیدة شهربانو، 12699 (الموقع: ar12446).