بحث متقدم
الزيارة
5787
محدثة عن: 2012/04/18
خلاصة السؤال
کیف تفسرون الآیة الشریفة {کَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }المطففین15,و الحال اننا نعلم بأن الله تبارک و تعالى لا یرى؟
السؤال
کیف تفسرون الآیة الشریفة {کَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }المطففین15,و الحال اننا نعلم بأن الله تبارک و تعالى لا یرى؟
الجواب الإجمالي

فی قوله «کَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) تمثیل للاستخفاف بهم و إهانتهم لأنه لا یؤذن على ذوی العلیة و المراتب السامیة إلا للمقربین المکرمین لدیهم و لا یحجب عنهم إلا الأدنیاء الموسومون بالمهانة و القماءة و الصغار، و قد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى فقال مبررا احتجاب المعتصم عن الرعیة:

لیس الحجاب بمقص عنک لی أملا             إن السماء ترجى حین تحتجب‏.

فهم مجوبون عن الرحمة و الکرامة و العز و التوقیر وکل ما یناله المؤمن یوم القیامة من نعیم و راحة معنویة، لأن الذنوب العقیدیة و العملیة تبعد الإنسان عن اللَّه بما تثیره من غضب اللَّه علیه، فیطرده اللَّه عن رحمته، و یمنعه، بذلک، عن الانفتاح علیه، حتى لیحسّ بأن هناک حاجزا بینه و بین اللَّه، یشبه الظلمة التی تمنع الرؤیة، و الکدر الذی یمنع الصفاء. و لیسوا محجوبین عن ذات الله تعالى لان الذات الالهیة کما قلنا غیر قابلة للرؤیا حتى یصدق الحجب عنها.

الجواب التفصيلي

لیس من الضروری استعمال مفردة الحجب بالمعنى المادی؛ و ذلک لان الادلة العقلیة و النقلیة تنفی الجسم و الجسمانیة عن الله تعالى[1].و الآیة ضمن آیات أخرى تشیر الى حالة الطغاة و الجبارة و ان کانت نزلت فی النضر بن حارث بن کلدة، فان الطغاة کثیرا ما یتذرعون بأعذار واهیة، عسى أن یتخلصوا من لوم و تأنیب الضمیر من جهة . و من اعتراضات النّاس و رجال الحق من جهة اخرى، و العجیب أنّ الطغاة من الحماقة و التحجّر بحیث أنّ أسلوب مواجهتهم للأنبیاء علیهم السّلام و على مرّ التاریخ قد جاء على وتیرة واحدة، و کأنّهم قد وضعوا لأنفسهم مخططا لا ینبغی الحید عنه، فعند مواجهتهم لدعوة الأنبیاء علیهم السّلام بتعالیم السماء، لیس عندهم سوى أن یقولوا: سحر، کهانة، جنون، أساطیر! و یعری القرآن مرّة اخرى جذر طغیانهم و عنادهم، بالقول: (کَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ).

ما أشد تقریع العبارة! فقد احتوى صدأ أعمالهم کلّ قلوبهم، فأزیل عنها ما جعل اللّه فیها من نور الفطرة الاولى و ذهب صفائها، و لذا . فلا یمکن لشمس الحقیقة أن تشرق بعد فی أفق قلوبهم، و لا یمکن لتلک القلوب التعسة من أن تتقبل نفوذ أنوار الوحی الإلهی إلى دواخلها.

 «ران»: من (الرین) على وزن (عین)، و هو: الصدأ یعلو الشی‏ء الجلیل (کما یقول الراغب فی مفرداته)، و یقول عنه بعض أهل اللغة: إنّه قشرة حمراء تتکون على سطح الحدید عند ملامسته لرطوبة الهواء، و هی علامة لتلفه، و ضیاع بریقه و حسن ظاهره.

و قیل: ران علیه: غلب علیه، و رین به: وقع فی ما لا یستطیع الخروج منه و لا طاقة له به [2]

و یستمر البیان القرآنی: (کَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ).و هو أشدّ ما سیعاقبون به، مثلما منزلة اللقاء باللّه و درجة القرب منه هی من أعظم نعم الأبرار و الصالحین و أکثرها لذة و استئناسا.

«کلّا» لا یمکن إزالة الرین الذی فقأ البصیرة فی قلوبهم، فهم محرومون من رؤیة جمال الحقّ (المعنوی) فی هذا العالم و فی عالم الآخرة أیضا.

أو أنّ الآیة تجیب زعم أولئک من أنّ القیامة (حتى على فرض وجودها!) فهم سینعمون بها کما (یتصورون) بأنّهم منعمین فی الدنیا. و لکنّ أحلامهم ستتلاشى أمام حقیقة وقوع القیامة، و ما سینالونه من شدید العذاب.

نعم، فأعمال الإنسان فی دنیاه ستتجسم له فی آخرته شاء أم أبى، و لما کان أولئک قد أغلقوا عیونهم عن رؤیة الحق، و رانت أعمالهم على قلوبهم، فسیحجبون عن ربّهم فی ذلک الیوم العظیم، و عندها فسوف لن یتمتعوا برؤیة جمال الحق أبدا، و سیحرمون من نعمة اللقاء بالحبیب الحقیقی، الذی لا حبیب سواه.[3] فاذن الأیة لیست فی مقام بیان الحجب المادی عن الله تعالى بل تعنی شیئا معنویا و من هنا فسرها صاحب تفسیر الکاشف بقوله: لقد حجبتهم المعاصی عن اللّه، و حالت بینهم و بین رحمته.[4] و ذهب الى نفس المعنى صاحب تفسیر من وحی القرآن عندما قال: لأن الذنوب العقیدیة و العملیة تبعد الإنسان عن اللَّه بما تثیره من غضب اللَّه علیه، فیطرده اللَّه عن رحمته، و یمنعه، بذلک، عن الانفتاح علیه، حتى لیحسّ بأن هناک حاجزا بینه و بین اللَّه، یشبه الظلمة التی تمنع الرؤیة، و الکدر الذی یمنع الصفاء.[5]

و قد التفت بعض الباحثین الى البعد البلاغی فی الآیة فقال: فی قوله «کَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) تمثیل – انظر الى التعبیر بکلمة تمثیل- للاستخفاف بهم و إهانتهم لأنه لا یؤذن على ذوی العلیة و المراتب السامیة إلا للمقربین المکرمین لدیهم و لا یحجب عنهم إلا الأدنیاء الموسومون بالمهانة و القماءة و الصغار، و قد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى فقال مبررا احتجاب المعتصم عن الرعیة:

لیس الحجاب بمقص عنک لی أملا             إن السماء ترجى حین تحتجب‏.[6]

فهم مجوبون عن الرحمة و الکرامة و العز و التوقیر وکل ما یناله المؤمن یوم القیامة من نعیم و راحة معنویة ولیسوا محجوبین عن ذات الله تعالى لان الذات الالهیة کما قلنا غیر قابلة للرؤیا حتى یصدق الحجب عنها.



[1] هناک الکثیر من الاسئلة حول هذا الموضوع موجودة فی الموقع فراجعها.

[2] راجع: المنجد، و تفسیر الفخر الرازی فی الآیة المبحوثة.

[3] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏20، ص: 27، مدرسة الامام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[4] مغنیة، محمد جواد، تفسیر الکاشف، ج‏7، ص: 535، فی تفسیر الآیة.

[5] فضل الله، محمد حسین، تفسیر من وحی القرآن، ج‏24، ص: 133، دار الملاک للطباعة و النشر، بیروت، 1419 ق، الطبعة الثانیة.

[6] انظر: درویش محیى الدین، إعراب القرآن و بیانه، ج‏10، ص: 418، نشر: دار الارشاد، سوریة، 1415 ق، الطعبة الرابعة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...