Please Wait
6165
المراد من الحرکة هو خروج الشیء من القوة إلى الفعل، و المراد من الجوهر هو الماهیة التی لا تحتاج إلى موضوع لکی توجد فی الخارج، خلافا للعرض الذی یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج، مثل: اللون الأبیض عرض، و عندما یوجد فی الخارج لابد أن یتعلق بموضوع ما، لکن الجوهر بما أن وجوده مستقل فلا یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج.
و باتضاح ما تقدم نقول: المراد من الحرکة الجوهریة هو: کما أن الأعراض تتغیر و تتحرک، فذات و جوهر کل شیء فی تحرک دائم أیضا، فالجواهر تتحرک فی کل آن، و الحرکة الجوهریة هی عین الجوهر. و مبتکر هذه النظریة "ملاصدرا" أقام لإثبات نظریته أدلة متقنة منها: الجمیع یقبل حرکة الأعراض و نحن نعلم أن الأعراض لا توجد بشکل مستقل عن وجود الجواهر، و بما أن حرکة العرض معلولة لحرکة الجوهر إذن یجب التسلیم بوجود الحرکة فی نفس الجوهر أیضا.
و قد حمل بعض المفسرین آیات قرآنیة مثل: "وَ تَرَى الجِْبَالَ تحَْسَبهَُا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ".[i] على الحرکة الجوهریة، أی أن الجبال أیضا تتحرک بحرکة جوهریة فهی فی حالة تبدل و تغیر.
لأجل توضیح معنى الحرکة الجوهریة یجب أولا توضیح معنى الحرکة و معنى الجوهر.
الحرکة حسب التفسیر الفلسفی عبارة عن التغییر التدریجی، أو خروج الشیء من القوة إلى الفعل، فالحرکة نوع وجود یخرج الشیء بواسطته بالتدریج من حالة القوة لیصل إلى حالة الفعلیة. و معنى تدریجیة الشیء هو أن الأجزاء المفروضة لذلک الوجود لا تجتمع فی زمان واحد، بل توجد على امتداد الزمان شیئا فشیئا.[1]
الجوهر ماهیة لا تحتاج فی وجودها الخارجی إلى موضوع، و هی على خمسة أقسام: 1- المادة. 2 – الصورة. 3 – العقل. 4 – النفس. 5 – الجسم[2]. و العرض خلافها فهو یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج. مثل اللون فهو أحد أنواع العرض و لأجل أن یوجد فی الخارج یحتاج إلى موضوع لکی یوجد من خلاله. و لکن الجوهر بما أن له وجودا مستقلا کالجسم مثلا فهو لا یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج.
أما الحرکة الجوهریة (ببیان مبسط) فهی تعنی أن أساس العالم متکون من الجواهر، و کل الجواهر فی تغیر مستمر دائم، و حتى أعراض کل جوهر کاللون و الحجم و .... فهی فی تغیر أیضا بسبب الحرکة فی صمیم ذلک الجوهر، الذی هو فی حرکة دائمة. و بعبارة أخرى، الحرکة الجوهریة هی عین وجود الجوهر و لا تحتاج سوى إلى فاعل إلهی مفیض للوجود علیها، و إیجاد الجوهر هو بنفسه إیجاد للحرکة الجوهریة فیه. أما حرکة العرض فهی تابعة لحرکة الجوهر.[3] و تغیر الأعراض معلول لطبیعتها الجوهریة. أی أننا لا نشک فی حرکة أعراض جوهر ما، مثلا نرى أن لون التفاحة یتغیر إلا أن علة هذا التغیر هو الحرکة فی جوهرها، و من هنا یجب أن یکون الفاعل الطبیعی لهذه التغیرات متغیرا مثلها، إذن الجوهر الذی یعد الفاعل الطبیعی للحرکات العرضیة یجب أن یکون متغیرا.
و لم تکن مسألة الحرکة الجوهریة مطروحة على بساط البحث قبل الملاصدرا، و لا یوجد لها أثر سوى ما نقل عن بعض فلاسفة الیونان من کلام یحتمل الانطباق على هذه النظریة، و من جمیع فلاسفة الإسلام لم یطرح بحث الحرکة الجوهریة سوى (صدر الدین الشیرازی) و أثبتها بالأدلة.
و أحد أدلته هو: إن الأعراض لیس لها وجود مستقل عن موضوعاتها، بل الأعراض من شؤون وجود الجوهر، و من جهة أخرى عندما یطرأ التغیر على الأعراض و تحدث فیها الحرکة نفهم من خلال ذلک أن الجوهر فیه حرکة أیضا؛ لأن أی نحو من التغییر یطرأ على شؤون موجود ما، سوف یکون کاشفا عن تغییر داخلی فی ذات ذلک الوجود. و النتیجة هی أن الحرکات العرضیة تکشف عن الحرکة فی الجوهر، و هذا ما نعنیة بالحرکة الجوهریة.
و الدلیل الآخر الذی أقامه ملاصدرا لإثبات الحرکة الجوهریة هو: إن کل موجود مادی هو موجود زمانی و له بعد زمانی، و کل موجود له بعد زمانی لابد أن یکون تدریجی الوجود. و النتیجة هی أن الجوهر المادی له حرکة أیضا.[4]
و قد حمل بعض المفسرین آیات من القرآن الکریم مثل الآیة الشریفة: "وَ تَرَى الجِْبَالَ تحَْسَبهَُا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ"،[5] على الحرکة الجوهریة، و قالوا إن کل الموجودات تتحرک بجوهرها نحو غایة وجودها، و هذا تعبیر عن الحرکة الجوهریة.[6] و بعبارة أخرى، إن الإنسان یتخیل أن الجبال ساکنة جامدة بینما هی تتحرک دائما بحرکة جوهریة.
و قد أقیمت عدة أدلة أخرى لإثبات الحرکة الجوهریة مذکورة فی الکتب الفلسفیة بشکل مفصل.
و لأجل الإطلاع على المسألة بشکل أکبر راجع:[7]
1. شرح منظومة الحاج ملا هادی السبزواری، تألیف الاستاد الشهید مطهری.
2. بدایة الحکمة و نهایة الحکمة ـ العلامة الطباطبائی.
3. الأسفار الأربعة، الملاصدرا.
[1] - مصباح یزدی، محمد تقی، آموزش فلسفه "تعلیم الفلسفة"، ج 2، ص 285 الی 293، نشر بین الملل، الطبعة السابعة، قم، 1386 ش.
[2] - الطباطبائی، محمد حسین، نهایة الحکمة، ص 117.
[3] - آموزش فلسفه، ج 2، ص 334 ؛ مطهری، مرتضی، مقالات فلسفی، ج 1، ص 286، انتشارات صدرا.
[4] - آموزش فلسفه، ج 2، ص 335.
[5] - النمل، 88.
[6] - الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 15، ص 402، طبعة مؤسسة النشرة الإسلام التابعة لجماعة المدرسین، قم.
[7] - المصدر السابق.