بحث متقدم
الزيارة
6087
محدثة عن: 2008/12/14
خلاصة السؤال
ما هو المراد من الحرکة الجوهریة؟
السؤال
ما هو المراد من الحرکة الجوهریة؟
الجواب الإجمالي

المراد من الحرکة هو خروج الشیء من القوة إلى الفعل، و المراد من الجوهر هو الماهیة التی لا تحتاج إلى موضوع لکی توجد فی الخارج، خلافا للعرض الذی یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج، مثل: اللون الأبیض عرض، و عندما یوجد فی الخارج لابد أن یتعلق بموضوع ما، لکن الجوهر بما أن وجوده مستقل فلا یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج.

و باتضاح ما تقدم نقول: المراد من الحرکة الجوهریة هو: کما أن الأعراض تتغیر و تتحرک، فذات و جوهر کل شیء فی تحرک دائم أیضا، فالجواهر تتحرک فی کل آن، و الحرکة الجوهریة هی عین الجوهر. و مبتکر هذه النظریة "ملاصدرا" أقام لإثبات نظریته أدلة متقنة منها: الجمیع یقبل حرکة الأعراض و نحن نعلم أن الأعراض لا توجد بشکل مستقل عن وجود الجواهر، و بما أن حرکة العرض معلولة لحرکة الجوهر إذن یجب التسلیم بوجود الحرکة فی نفس الجوهر أیضا.

و قد حمل بعض المفسرین آیات قرآنیة مثل: "وَ تَرَى الجِْبَالَ تحَْسَبهَُا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ".[i] على الحرکة الجوهریة، أی أن الجبال أیضا تتحرک بحرکة جوهریة فهی فی حالة تبدل و تغیر.



[i] - النمل، 88.

الجواب التفصيلي

لأجل توضیح معنى الحرکة الجوهریة یجب أولا توضیح معنى الحرکة و معنى الجوهر.

الحرکة حسب التفسیر الفلسفی عبارة عن التغییر التدریجی، أو خروج الشیء من القوة إلى الفعل، فالحرکة نوع وجود یخرج الشیء بواسطته بالتدریج من حالة القوة لیصل إلى حالة الفعلیة. و معنى تدریجیة الشیء هو أن الأجزاء المفروضة لذلک الوجود لا تجتمع فی زمان واحد، بل توجد على امتداد الزمان شیئا فشیئا.[1]

الجوهر ماهیة لا تحتاج فی وجودها الخارجی إلى موضوع، و هی على خمسة أقسام: 1- المادة. 2 – الصورة. 3 – العقل. 4 – النفس. 5 – الجسم[2]. و العرض خلافها فهو یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج. مثل اللون فهو أحد أنواع العرض و لأجل أن یوجد فی الخارج یحتاج إلى موضوع لکی یوجد من خلاله. و لکن الجوهر بما أن له وجودا مستقلا کالجسم مثلا فهو لا یحتاج إلى موضوع لکی یوجد فی الخارج.

أما الحرکة الجوهریة (ببیان مبسط) فهی تعنی أن أساس العالم متکون من الجواهر، و کل الجواهر فی تغیر مستمر دائم، و حتى أعراض کل جوهر کاللون و الحجم و .... فهی فی تغیر أیضا بسبب الحرکة فی صمیم ذلک الجوهر، الذی هو فی حرکة دائمة. و بعبارة أخرى، الحرکة الجوهریة هی عین وجود الجوهر و لا تحتاج سوى إلى فاعل إلهی مفیض للوجود علیها، و إیجاد الجوهر هو بنفسه إیجاد للحرکة الجوهریة فیه. أما حرکة العرض فهی تابعة لحرکة الجوهر.[3] و تغیر الأعراض معلول لطبیعتها الجوهریة. أی أننا لا نشک فی حرکة أعراض جوهر ما، مثلا نرى أن لون التفاحة یتغیر إلا أن علة هذا التغیر هو الحرکة فی جوهرها، و من هنا یجب أن یکون الفاعل الطبیعی لهذه التغیرات متغیرا مثلها، إذن الجوهر الذی یعد الفاعل الطبیعی للحرکات العرضیة یجب أن یکون متغیرا.

و لم تکن مسألة الحرکة الجوهریة مطروحة على بساط البحث قبل الملاصدرا، و لا یوجد لها أثر سوى ما نقل عن بعض فلاسفة الیونان من کلام یحتمل الانطباق على هذه النظریة، و من جمیع فلاسفة الإسلام لم یطرح بحث الحرکة الجوهریة سوى (صدر الدین الشیرازی) و أثبتها بالأدلة.

و أحد أدلته هو: إن الأعراض لیس لها وجود مستقل عن موضوعاتها، بل الأعراض من شؤون وجود الجوهر، و من جهة أخرى عندما یطرأ التغیر على الأعراض و تحدث فیها الحرکة نفهم من خلال ذلک أن الجوهر فیه حرکة أیضا؛ لأن أی نحو من التغییر یطرأ على شؤون موجود ما، سوف یکون کاشفا عن تغییر داخلی فی ذات ذلک الوجود. و النتیجة هی أن الحرکات العرضیة تکشف عن الحرکة فی الجوهر، و هذا ما نعنیة بالحرکة الجوهریة.

و الدلیل الآخر الذی أقامه ملاصدرا لإثبات الحرکة الجوهریة هو: إن کل موجود مادی هو موجود زمانی و له بعد زمانی، و کل موجود له بعد زمانی لابد أن یکون تدریجی الوجود. و النتیجة هی أن الجوهر المادی له حرکة أیضا.[4]

و قد حمل بعض المفسرین آیات من القرآن الکریم مثل الآیة الشریفة: "وَ تَرَى الجِْبَالَ تحَْسَبهَُا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ"،[5] على الحرکة الجوهریة، و قالوا إن کل الموجودات تتحرک بجوهرها نحو غایة وجودها، و هذا تعبیر عن الحرکة الجوهریة.[6] و بعبارة أخرى، إن الإنسان یتخیل أن الجبال ساکنة جامدة بینما هی تتحرک دائما بحرکة جوهریة.

و قد أقیمت عدة أدلة أخرى لإثبات الحرکة الجوهریة مذکورة فی الکتب الفلسفیة بشکل مفصل.

و لأجل الإطلاع على المسألة بشکل أکبر راجع:[7]

1. شرح منظومة الحاج ملا هادی السبزواری، تألیف الاستاد الشهید مطهری.

2. بدایة الحکمة و نهایة الحکمة ـ العلامة الطباطبائی.

3. الأسفار الأربعة، الملاصدرا.



[1] - مصباح یزدی، محمد تقی، آموزش فلسفه "تعلیم الفلسفة"، ج 2، ص 285 الی 293، نشر بین الملل، الطبعة السابعة، قم، 1386 ش.

[2] - الطباطبائی، محمد حسین، نهایة الحکمة، ص 117.

[3] - آموزش فلسفه، ج 2، ص 334 ؛ مطهری، مرتضی، مقالات فلسفی، ج 1، ص 286، انتشارات صدرا.

[4] - آموزش فلسفه، ج 2، ص 335.

[5] - النمل، 88.

[6] - الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 15، ص 402، طبعة مؤسسة النشرة الإسلام التابعة لجماعة المدرسین، قم.

[7] - المصدر السابق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280210 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258766 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129120 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115446 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89523 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    60953 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60307 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57350 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51463 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47671 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...