Please Wait
6616
یمکن ارجاع الخوف من الموت الى عوامل مختلفة نشیر الیها هنا بصورة مختصرة.
1. اعتقاد الکثیر من الناس بان الموت یعنی الفناء و العدم و ضیاع کل شیء، و من البدیهی أن الانسان بطبعه لا یحب الفناء و العدم و یخشاهما. و لاریب أن الانسان اذا فسّر الموت بهذا المعنى السلبی فمن الطبیعی أنه یحاول الهروب منه؛ من هنا یبقى شبح الموت یلاحقه و هو فی أحلى لحظات حیاته لیحوّل لذة العیش الى علقم یفسد علیه طعم الحیاة.
2. هناک طائفة من الناس تؤمن بان الموت لا یمثل نهایة المطاف و لا یعد المرحلة الاخیرة للوجود، لکنها فی الوقت نفسه تخشى المصیر الذی ستواجهه بسبب ما اقترفته ایدیهم من الموبقات و الذنوب فی الحیاة الدنیا، فهم فی الحقیقة لا یخشون الموت بما هو موت و إنما الخشیة منطلقة مما بعد الموت؛ و ذلک لانهم یرون الموت بدایة حیاة مظلمة بالنسبة لهم و لذلک تراهم یحاولون و بکل الوسائل الممکنة تأخیر الموت خشیة من الوقوف أمام محکمة العدل الالهی و المصیر المشؤوم الذی یتوقعونه.
روی عن جعفر بن محمد عن أبیه (ع) قال: أتى النبی (ص) رجل فقال له: ما لی لا أحب الموت؟ فقال له. أ لک مال؟ قال: نعم. قال: فقدمته؟ قال: لا. قال: فمن ثم لا تحب الموت.[1]
و هذا عین ما کان یتأوه منه أمیر المؤمنین (ع) - مع عظم شأنه و جلیل قدره و کثرة ما قدمه لآخرته و طهارة نفسه من کل شین مهما دق أو قل – حیث قال (ع): " آه مِنْ قِلَّةِ الزّادِ وَ طُولِ الطَّریقِ وَ بُعْدِ السَّفَرِ وَ عَظیمِ الْمُورِدِ".[2]
3. روی عن أَبی عبد اللَّه الصادق (ع) قال: جاء رجلٌ إِلى أَبِی ذَرٍّ فقال: یا أَبا ذَرٍّ ما لنا نکْرَهُ الموتَ؟ فقال: لأَنَّکُمْ عمرتمُ الدُّنیا و أَخربتمُ الآخرة فتکرهون أَن تنقلوا من عمران إِلی خَرَابٍ.[3]
یستفاد من هذه الروایات أن العلة فی کراهة الموت تکمن فی عدم الاستعداد للآخرة و عدم تقدیم الزاد الکافی لذلک السفر الطویل، بل بسبب إهمال ذلک الیوم و عدم الالتفات الیه فی الحیاة الدنیا، الأمر الذی یؤدی الى خراب الآخرة.
فعلى الانسان الایمان بان الموت لا یمثل المحطة الاخرة فی الوجود، بل هو بدایة الحرکة فی عالم آخر یواجه فیه الانسان مصیره خیراً کان أم شراً. هذا الاعتقاد یقتضی ان یلتزم الانسان بوظائفه الشرعیة و الانسانیة و الثقة برحمة الله الواسعة. فاذا توفرت لدیه هذه الحالة فحینئذ لا انه لا یخشى الموت فحسب بل یشتاق الى لقاء الله تعالى و یعشق التحول من الدنیا الى لقاء وجه ربّه الاعلى.
و من هنا روی عن النبی الاکرم (ص) أنه فسر الموت تفسیرا جمیلا جداً: " تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْت"[4] و عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: " وَ اللَّهِ لابْنُ أَبِی طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْیِ أُمِّه".[5]
اتضح مما مر أن السبیل للتخلص من کراهة الموت و الخشیة منه، یکمن فی الاستعداد للآخرة و ذلک لان عدم الایمان بالله و الیوم الآخر او عدم الاهتمام بالآخرة و الاستعداد لها یؤدی الى حصول حالة من الرعب و الخشیة الکبیرة من مفارقة الدنیا و ضیاع کل شیء حسب معتقد هؤلاء!!
[1]الشیخ الصدوق، الخصال ج 1 ، ص 13، نشر جماعة المدرسین، قم، 1403هـ.
[2] التمیمی الآمدی، عبد الواحد، غرر الحکم و درر الکلم، ص 144، مکتب التبلیغ الاسلامی، قم، 1366ش.
[3] الکلینی، محمد بن یعقوب، کافی، تحقیق و تصحیح: غفاری، علی اکبر؛ آخوندی، محمد، ج 2، ص 458، دارالکتب الاسلامیة، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[4] المجلسی، محمد باقر، بحارالانوار، ج 79، ص171، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1409ق.
[5] نهج البلاغة، ص 52، خ 5.