Please Wait
7666
ذکر علماء الاخلاق في تعریف الغیرة أن الغیرة و الحمیة تعني السعي في حفظ ما یکون حفظه ضروریاً.
و هذه الصفة في اطارها المطلوب تنشأ من الشجاعة و کرامة الانسان و قوة نفسه.
ویمکن تقسم الغیرة الی قسمین:
- الغیرة الانسانیة: فان النفس الانسانیة و بسبب میولها و رغباتها تسعی للدفاع عن بعض الامور و الحفاظ علیها أمام الاخرین أو المنافسین. ان هذا الحفظ و الدفاع هو معنی الغیرة. و تختلف هذه الغیرة في الناس بحسب نوع التربیة و التعلیم و الاذواق و البیئة و...، فقد تظهر احیاناً بشکل إیجابي و أحیاناً بشکل سلبي. و من المصادیق البارزة لهذه الغیرة هي الغیرة الوطنیة و الغیرة العنصریة.
ب-الغیرة الدینیة: و تعني کون الانسان المسلم حساساً بالنسبة لکیان الاسلام وما یتعلق به، و یسعی بکل قدرته الی اثباته و تنفیذه و حمایته من أي اعتداء و تجاوز. و علی هذا الاساس فان الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر و التواصي بالحق و الصبر و التعلیم و التعلم و..یمکن ادراجها في اطار الغیرة الدینیة. و قد کان النبي الاكرم (ص) النموذج و الاسوة البارزة لهذه الغیرة، وقد سار على هذا المنوال الائمة من أهل البیت(ع) الذين انصب همهم على إقامة الدین الالهي و استحکام قواعده.
ذکر علماء الاخلاق في تعریف الغیرة التي یذهبون اليها: أن الغیرة و الحمیة تعني السعي في حفظ ما یکون حفظه ضروریاً.
و هذه الصفة في اطارها المطلوب تنشأ من الشجاعة و کرامة الانسان و قوة نفسه. و هي احدی الملکات النفسانیة الشریفة[1]. و تعد الغیرة- بعیداً عن الافراط والتفریط- من جملة الصفات التي یمتدح علیها الانسان. بل ورد في الاحادیث وصف الله تعالی بالغيور.[2]
و الغیرة مفهوم عام له مصادیق مختلفة. و بشکل عام فان الغیرة لها مکانة خاصة في النفس الانسانیة تنشأ من رغبات الانسان (الایجابیة و ربما السلبیة احیاناً) و حب الذات، و احیاناً یکون الدین هو المظهر والمؤکد للغیرة.[3]
1-الغیرة الانسانیة: ان النفس الانسانیة- وبسبب میولها ورغباتها تسعی للدفاع عن بعض الامور و الحفاظ علیها أمام تعرض الاخرین او المنافسین لها. إن هذا الحفظ و الدفاع هو عين الغیرة. و تختلف الناس بحسب نوع التربیة و التعلیم و الاذواق و البیئة و...، فقد تظهر الغيرة عندهم احیاناً بشکل ایجابي و احیاناً بشکل سلبي. و من المصادیق البارزة لهذه الغیرة الغیرة الوطنیة التي تدفع الانسان للدفاع عن وطنه و بلده أمام الاجانب. والمورد الآخر هو الغیرة العنصریة، فقد یری بعض الناس احیاناً ان عنصرهم هو الافضل فیقومون بالتجاوز و الاعتداء علی الشعوب و الاقوام الاخری، و یفخرون علی الآخرین بسبب صفة لم یجتهدوا في اكتسابها، فهم یدمرون البلدان کالنازیین، و کنظام التمییز العنصري الذي یحرم الافارقة السود من حقوق البشر الاساسیة، و کالمهاجرین الاوائل الی امریکا الذین شردوا الهنود الحمر منها و اوقعوا فیهم المجازر. تلک نماذج من العنصریة التي لا یخفی الیوم قبحها علی أحد. و في مقابل ذلک فان هناک الکثیر من الناس قاموا باعمال کبیرة بدافع من نفس هذه الغیرة الانسانیة و ناضلوا من أجل إزالة الظلم و الجور و ضحوا بحیاتهم في هذا السبیل. و رغم ان الکثیر منهم لم یکونوا متدینین، الا انهم یستحقون الاجلال و التقدیر بسبب قیامهم بما یخدم الانسانیة و وقوفهم بوجه الظلم و نضالهم من اجل تحقیق الاهداف الانسانیة.
و أخیراً ینبغي ان یقال ان الغیرة الانسانیة، فیها جوانب ایجابیة و جوانب سلبیة کثیرة. و لذلک فان الدین یؤید بعض موارد الغیرة الانسانیة، بینما یرفض بعض مواردها الاخری و یراها بعیدة عن الانسانیة.
2- الغیرة الدینیة: و الغیرة الدینیة تعني کون الانسان المسلم حساساً بالنسبة لکیان الاسلام و ما یتعلق به، و یسعی بکل قدرته الی اثباته و تنفیذه و حمایته من أي اعتداء و تجاوز. و علی هذا الاساس فان الجهاد و الامر بالمعروف و النهي عن المنکر و التواصي بالحق و الصبر و التعلیم و التعلم و..یمکن ادراجها في اطار الغیرة الدینیة. فان جميع الموارد المذکورة تؤثر في تحکیم القواعد الاسلامیة من ناحیة، ومن ناحیة اخری فانها تقاوم ما یخالف الاحکام الاسلامیة. و قد کان النبي الاكرم (ص) النموذج و الاسوة لهذه الغیرة و الائمة من اهل البیت (ع) حیث انصب كل همهم على إقامة الدین الالهي و استحکامه.
و هذه الغیرة موجودة في جمیع الادیان السماویة، و لکنها مع الاسف قد اقترنت في مقام العمل بالافراط و التفریط، و المسلمون ایضاً لیسوا مستثنین في ذلک فقد ادی الافراط والتفریط منذ السنین الاولی و حتی عصرنا الراهن الی حصول مواجهات و صدامات کثیرة. و في هذا المجال یسعی القرآن الکریم و باسلوب مثیر الی تحریک غیرة المسلمین للدفاع عن الاسلام والمسلمین الضعفاء في قوله تعالى: "وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ"[4]. و یخاطب أمیر المؤمنین علي (ع) أهل الکوفة حین أغار جیش معاویة علی اراضي المسلمین و قتل و سلب من المسلمین و غیر المسلمین بقوله: " فَيَا عَجَباً عَجَباً وَ اللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَ يَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَ تَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَ لا تُغِيرُونَ"[5]. و واقعة عاشوراء ایضاً هي نموذج آخر من الغیرة الدینیة، فقد ادرک الامام الحسین (ع) هذه الحقیقة، و سعی لاحیاء دین الله عن طریق التضحیة بدمه في هذا السبیل. و الحقیقة هي ان سبب خلود و عظمة واقعة کربلاء يكمن في تضحية الامام الحسین (ع) بکل ما یملک في سبیل الله و رضى بقتل رجاله و سبي نسائه. ولاجل هذه الغیرة الدینیة رضیت اسرة الامام ایضاً بتحمل مشاق الاسر و مصائبه و آلامه و التي قالت عنها السیدة زینب (ع) :" ما رأیت الا جمیلا"[6].
و من مصادیق الغیرة التي یوافق علیها الدین و الانسانیة هي الدفاع عن العرض و التي یطلق علیها غیرة العرض، وتعد الیوم من ابرز موارد الغیرة و اکثرها جدلاً في المجتمع الانساني و الاسلامي و التي ابتلیت و للاسف بالکثیر من الافراط و التفریط. و لذا قررنا البحث عنها بصورة منفصلة عن هذا النوع من الغیرة.
غیرة العرض:
يوجد الیوم الکثیر من الافراط و التفریط في معنی غیرة العرض و التي تختلف عن المعنی الاصیل و الاسلامي لهذه اللفظة. و بالطبع فلا تختص هذه الغیرة بالمتدینین، بل ان کل انسان يظهر نوعا من الحساسية و الانفعل أمام ما یتعلق بعرضه و أن انسانیة کل انسان تسوقه الى هذا النوع من الغیرة. و قد لازم غیرة العرض الانسان منذ عصور سالفة في العمق التأريخي، ففي الحضارات القدیمة کانت الغیرة في الاسر الثریة و المتسلطة اکثر بروزاً، فلم یکن یجرأ أحد علی التعرض لاعراض الشخصیات الکبیرة، و لذا کان يضرب عليهن الحجاب، و من هنا تلاحظ صور النساء بالحجاب في الآثار المتبقیة لتلک العصور.[7] و في بعض المجتمعات کانت المرأة تدفن مع زوجها بعد موته، لکي لا یتمکن غيره من التعرض لها بعد موت زوجها. بل حتی في عصرنا الحاضر ایضاً یلاحظ و لو بشکل محدود ان الزوج اذا مات تزوج امرأته الی اخیه لکي لا تتزوج المرأة من رجل غريب عن الاسرة، سواء رضي احدهما بالآخر أم لا، و الاسوء من ذلک انهم یرون ذلک من الغیرة!. و في قبال هذا النمط من التفكير و التعصب للعرض تجد من سلبت منه الغیرة والعفة في المجتمعات و الاسر التي تعتبر نفسها متحضرة الی ذروته، و لم یبق من الغیرة الا اسمها، بل یطلقون احیاناً شعار عدم الغیرة. و أن الاسرة باعتبارها مفهوماً مقدساً قد اصبحت عند الکثیرین أمراً لا قیمة له و تغلبت الطبیعة الحیوانیة علی الطبیعة الانسانیة، و شاع التحلل و الانفلات باسم حریة الانسان و تسببت في خراب البشرية. و بالطبع فقد امتد ذلک احیاناً الی المجتمعات الدینیة ایضاً، و الاسوء من ذلک عندما یغطی ذلک بشعار الدین، و محاولة التبرير له و اظهاره متطابقاً مع الدین، وتفسير بعض تعالیم الدین علی اساس اهوائهم النفسانیة.
لكن التأمل في التعاليم الدينية يظهر لنا بوضوح أن الدين يقف مع الحالة المعتدلة بعيدا عن الافراط و التفریط في هذا المجال، و من هنا فانه لا ینبغي الترویج للسفور و انعدام الغیرة فانه ینجر الی فقدان الحیاء و انعدام الغیرة الانسانیة و الدینیة، و هذا ما اشار اليه أمیر المؤمنین علي (ع) حينما قال: "يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ نُبِّئْتُ أَنَّ نِسَاءَكُمْ يُدَافِعْنَ الرِّجَالَ فِي الطَّرِيقِ أَ مَا تَسْتَحْيُونَ"[8].و من جهة أخری فانه لا ینبغي عزل المرأة عن الحضور في المجتمع و اعتبارها موجوداً عديم الفائدة و القیمة و حبسها بين جدران البيوت. بل یمکن للمرأة ایضاً ان یکون لها حضور في المجتمع و الدخول في الساحات العلمیة و الاجتماعیة و التواجد في ساحة المجتمع، و في الوقت نفسه لا يسمح لها بالخروج عن الخطوط المرسومة لها عرفا و شرعا. یقول أمیر المؤمنین علي (ع) في مسألة الافراط في الغیرة: " وَ إِيَّاكَ وَ التَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَ الْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ"[9].و في حدیث آخر یفهم الاعتدال بوضوح: " عن عبد اللَّهِ الكاهليِّ قال: قلتُ لأَبي الحسنِ (ع): إِنَّ امرأَتي و امرأَةَ ابن مَاردٍ تخرجان في المأْتَمِ فَأَنْهَاهُمَا فتقول لي امرأَتي: إِنْ كان حراماً فَانْهَنَا عنهُ حتَّى نتركهُ و إِنْ لمْ يكنْ حراماً فلأَيِّ شَيْءٍ تَمْنَعُنَاهُ! فَإِذَا ماتَ لنَا ميِّتٌ لَمْ يَجِئْنَا أَحَدٌ. قال: فقال أَبو الحسنِ (ع): عن الحقُوقِ تَسْأَلُنِي؟ كان أَبي (ع) يَبْعَثُ أُمِّي وَ أُمَّ فَرْوَةَ تَقْضِيَانِ حُقُوقَ أَهْلِ الْمَدِينَة.[10]. ان الغیرة المعتدلة ظاهرة في الحوادث الدینیة کثیرا. ومنها واقعة کربلاء التي یمکن مشاهدة الغیرة فیها بوضوح. فحینما کان الامام الحسین (ع) في حال الحرب و هجم الاعداء علی خیام الامام الحسین (ع) خاطبهم بقوله: "أنا الذي أقاتلكم و تقاتلونني و النساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم و جهالكم و طغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا"[11]. و هذا من غیرة الامام حیث انه و في ذلک الحال ایضاً اثاره العمل الخسیس الذي قام به العدو فاعترض علیه بكل قوة و شجاعة، و لم یکن یحتمل- مادام حیاً- ان یقترب الارجاس من حریمه عليه السلام. و من جانب آخر حینما سبي أهل بیته (ع) وقامت السیدة زینب(ع) بالقاء الخطب و البیانات، لم یعترض علیها الامام السجاد(ع) و لم یمنعها من هذا العمل. و بالاضافة الی ذلک فان هناک ما يشیر الی أن النبي و الائمة ابتعدوا عن الافراط و التفریط في غیرة العرض و سعوا الی المحافظة علی الاعتدال في مجال الغیرة. و نحن ایضاً یمکننا ان نصل الی الاعتدال في ذلک عن طریق التعرف علی الاصول المسلمة في الاسلام، و الابتعاد عن الانحرافات و المیول النفسانیة، فالاسلام قد أمر بالحجاب باعتباره اصلاً و أوجب علی المسلمین مراعاته و ذلک في اطار هذه الغیرة. و بالطبع فان الحجاب یکون له مصادیق و معان مختلفة في الظروف و الثقافات المختلفة، فقد یتم الحجاب بارتداء العباءة احیاناً، و احیاناً یکون له مصداق آخر في بعض الظروف کالدول غیر الاسلامیة و المجتمعات غیر الدینیة، بل یکون حفظ الحجاب بغیر العباءة هو الافضل في تلک الظروف، لانه یمکن مراعاة الواجب الاسلامي و تجنب الظهور بشکل ملفت للنظر أیضاً.
[1] النراقي، مهدی، جامع السعادات، ج1، ص301، الاعلمی، بیروت، الطبعة الرابعة.
[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، تحقیق وتصحیح: الغفاری، علي أکبر والآخوندي، محمد، ج5، ص535، دار الکتب الاسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[3] وحیث ان الدین الاسلامی مبني علی أساس الفطرة، فانه یمکن القول بان الغیرة الدینیة هي بنفسها تأکید علی الغیرة الانسانیة،ووجود المصادیق المشترکة شاهد علی هذا الامر. ولکن حيث ان الدین هو الذی صار سبباً لاثارة هذه الموارد فی قلوبنا وأرواحنا، فقد أوردنا قسماً منها في اطار الغیرة الدینیة.
[4] النساء: 75.
[5] نهج البلاغة، خ 27، ص70.
[6] السید علي بن موسی بن طاووس، اللهوف علی قتلی الطفوف، ص165، منشورات جهان، طهران، 1348ش.
[7] وذلک کالصخور المنحوتة الموجودة في تخت جمشید.
[8] الکافي، ج5، ص537.
[9] نهج البلاغة، ص405.
[10] الکافي، ج3، ص217.
[11] اللهوف، ص120.