البحث فی علامات الظهور من البحوث الدقیقة و الشائکة نوعا ما و ذلک لکثرة الروایات الواردة فی هذا الباب عن طریق الفریقین – الشیعة و السنة- بل فی الکتب السماویة و الدیانات السابقة کالمسیحیة و الیهودیة و الزردشتیة و الادیان و المذاهب الهندیة، مما یحتاج الى المزید من البحث و الدراسة و النقد و التحلیل الکاملین. بالاضافة الى ذلک ان هذه الروایات ینبغی ان تخضع للدارسة السندیة و الدلالیة.

و الذی یستفاد من الروایات الواردة عن طریق الشیعة تقسیم علامات الظهور الى طائفتین اساسیتین هما:

1- العلامات الحتمیة، و هی العلامات التی تقع قبل الظهور من دون قید او شرط، و هذه العلامات عبارة عن:

خروج السفیانی، خروج الیمانی، الصیحة فی السماء، قتل النفس الزکیة، و الخسف فی البیداء بجیش السفیانی، و خروج الدجال.

2- العلامات غیر الحتمیة، و هی العلامات المتوقفة على شرط او عدة شروط فاذا تحققت الشروط وقعت تلک العلامات و الا فلا، و هی کثیرة اشارت الیها المصادر المختصة. [1]

ثم ان هذه العلامات یمکن تقسیمها من جهة اخرى الى اربعة اصناف او طوائف کلیة، نشیر الیها بصورة مختصرة.

الف: العوامل الاجتماعیة: و یمکن تحدید هذه العلامات و بشکل موجز – بانهیار المدنیة و الحضارة البشریة المنحطة. وهنا نشیر الى بعض تلک العوامل:

1- انتشار الظلم و الجور، و بعبارة اخرى عالمیة الظلم و الجور.

2- فساد الحکام: و المقصود من فساد الحکام و ظلمهم هو نشوء انظمة سیاسیة و حکومات تقوم على الظلم الاجتماعی، السیاسی، الثقافی، و الاقتصادی، کما یعتمد الحکام منهج الاستکبار و الاستعمار و الاستبداد فی ادارة الامور.والجدیر بالذکر ان هذا لایعنی خلو العالم من انسان صالح او حکومة عادلة، بل یعنی ان الغلبة و الکثرة تکون فی جانب الظلم و الفساد والانحراف.

3- غلاء الاسعار و التدهور الاقتصادی، و هو احد نتاجات وثمار و انعکاسات الانظمة الظالمة والجائرة.

4- ظهور الکذابین و الدجالین تحت شعار اصلاح المجتمع.

ان ظهور الدجال من العلامات الحتمیة للظهور و التی اشارت الیها جمیع الدیانات السابقة، و الدجل فی اللغة یعنی ستر الحق و اخفاءه بالباطل و المکر و الخداع و الحیلة والدجال هو الذی یقوم بذلک، و الذی یظهر من العلامات التی ذکرت للدجال فی الروایات ان الدجال لا ینحصر بشخص معین، بل هو عنوان عام یرمز الى الانظمة الماکرة و المحتالة التی تخدع الشعوب وتقف بوجه الحق و تسد الطریق أمامه، و لقد فسر بعض المفکرین الدجال، بالحضارة الغربیة المعاصرة.[2]

5- تصدی اللئام و الکذابین والاراذل لامور الامة ومقدراتها و الحدیث باسمها (یکون السفیانیون رجال الدولةوالسیاسة ).

6- تکذیب الصالحین و الصادقین والخیرین من الرجال و اقصاؤهم من الساحة و تقدیم الکذابین و المراوغین و تصدیقهم.

7- و من العلامات الحتمیة خروج السفیانی، ولا یمکن القطع فی حقیقة السفیانی هل هو شخص معین ام انه یرمز الى الانظمة الماکرة والجائرة، ولکن الامر الواضح هو ان السفیانی الفرد او الجماعة او الانظمة الرأسمالیة الظالمة و المستبدة و الناهبة،والرجعیة والمروجة للخرافات والاساطیر، کلها تشترک بمائز و صفة خاصة هی سمة التخریب و الدمار الشامل للمجتمع، [3] و لقد اشارت الروایات الى الخسف بالسفیانی و جیشه فی البیداء (ما بین مکة و المدینة) و لم ینج منهم الا شخص واحد هو الذی یخبر عن وقوع الخسف و ینشر خبره. [4]

8- انتشار الحروب و الفتن فی العالم و سفک الدماء: اشارت الروایات الى وقوع حروب الترک (الظاهر أنهم اقوام من نسل ترک بن یافث بن نوح، یقطنون حالیاً فی منغولیا، البنجاب، ترکیة، سیبریا، افغانستان، الهند، و لعل ذلک یشمل بمعناه الواسع الدول الغربیة. [5]

کما اشارت الروایات الى ان ثلثی العالم یهلک قبل ظهور الامام (عج) و یمکن اعتبار ذلک من العلائم غیر الحتمیة لظهوره (عج).[6]

9- قیام الثورات بوجه الظلم و الفساد العالمی حیث ینجح بعضها بقیام و تشکیل الحکومة: و من تلک الثورات ثورة الیمانی التی تمثل رمزاً للوقوف بوجه الضلال والتصدی للباطل و تحدی الظلم و اقامة الحق والعدل فی آخر الزمان. [7]

و النموذج الآخر هو نهضة و قیام السید الخراسانی و قیامه بالقسط.

هاتان النهضتان تقع احداهما فی الیمن و الاخرى فی ایران، و یمثلان احدى العناصر الممهدة لظهور الامام المهدی (عج).[8]

کما  قد اشارت الروایات التی تحدثت عن الحکومة التی تتشکل فی ایران انها تقوم بعملین، اولا:ً دعوة الناس الى الاسلام و اتباع منهج أهل البیت علیهم السلام. و ثانیا:ً انها تطهر مساحة واسعة من الارض من الظلم و الدنس والفساد حتى تصل الى الکوفة، فاذا ظهر الامام (عج) سلمت الرایة الیه و تبعته وسارت تحت رکابه.[9]

ب: العوامل الدینیة و الاعتقادیة:

و هذا العامل اشارة الى هدم الدین الالهی و قلبه رأساً على عقب.

روی عن امیرالمؤمنین علیه السلام – مشیرا الى علامات آخر الزمان- انه قال: اذا أمات الناس الصلاة، و اضاعوا الامانة، و استحلوا الکذب، و أکلوا الربا، و أخذوا الرشا، و شیدوا البنیان، و باعوا الدین بالدنیا، و استعملوا السفهاء، و شاورا النساء، و قطعوا الارحام و اتبعوا الاهواء و استخفوا بالدماء. و کان الحلم ضعفاً، و الظلم فخراً، و کانت الامراء فجرة، و الوزراء ظلمة، و العرفاء خونة، و القراء فسقة، و حلیت المصاحف، وزخرفت المساجد، و طولت المنار (ولکنها خاویة المحتوى) و نقضت العقود، و اختلفت الاهواءو....[10]

و بعبارة جامعة: ان الحکام یعطلون الدین الاسلامی قبل الظهور ولکنه تعطیل نسبی، بمعنى ان ذلک یکون هو الصفة الغالبة للمجتمع، و لقد ورد فی الروایات ان الامام المهدی (عج) حینما یظهر یأتی بدین جدید. والمراد منه ان الاسلام الحقیقی یتعرض لهجمة کبیرة من الدس و التحریف و نشر الخرافات و الاساطیر و تحریف القرآن تحریفاً معنویاً بحیث یضیع الاسلام الحقیقی و یصبح التعرف علیه أمراً صعباً جداً، و تنسى حقیقة الدین و واقعه.[11]

ج: العوامل الطبیعیة: من العلامات الاخرى الممهدة لظهور الامام (عج) البلایا الطبیعیة.

ولقد اشارت الروایات الى بعض تلک الحوادث منها:

صواعق آخر الزمان، الخسوف و الکسوف فی غیر وقتهما الطبیعی، التحول فی عالم الفلک و الاحوال الجویة و الماء و الهواء، و طلوع الشمس من المغرب و....

و الجدیر بالذکر ان هذه الروایات یمکن تطبیق بعضها على الحوادث المعاصرة او تأویل البعض الآخر منها و توجیهه کما فعل الاستاذ  الشهید المطهری رحمه الله تعالى حیث اول طلوع الشمس من المغرب بظهور الاسلام على ید الامام الخمینی (قدس سره الشریف) و انطلاقته من پاریس. [12]

د- العوامل الفردیة و المعاجز:

1- الصیحة و النداء السماوی:

من العلامات التی اشارت الیها الروایات و التی تقع قبل ظهور الامام (عج) او مقارنة لظهوره هی علامة النداء السماوی. ای نداء ملک فی السماء یبشر بظهوره علیه السلام، و یدعوالناس الى متابعته، و قد صرحت بعض الروایات بان الملک الذی ینادی بظهور الامام علیه السلام هو جبرائیل علیه السلام یسمع نداءه جمیع من فی الارض و یعرفه کل انسان بلغتة و لهجتة ولکنهم لا یعرفون مکانه....[13]

2- قتل وشهادة النفس الزکیة:

النفس الزکیة لقب لغلام هاشمی ذی مقامات رفیعة، یواجه جیوش السفیانی بعدها یلجأ الى المدینة، و عندما یصل جیش السفیانی الى المدینة یتوجه النفس الزکیة صوب مکة یدعو هناک لآل بیت محمد صلى الله علیه و آله وسلم لکنه یذبح بین الرکن و المقام بلاذنب او جرم، تثیر شهادته وجدان الناس و تحرک ضمائرهم الى حد توفر الارضیة و الاستعداد لدى الجماهیر لمبایعة الامام، یفصل بین شهادته و بین ظهور الامام علیه السلام خمس عشرة لیلة، و هو مبعوث الامام علیه الى القوم. [14]

بالاضافة الى العلامات التی ذکرناها هناک علامات اخرى ذکرتها الروایات الکثیرة. [15]