بحث متقدم
الزيارة
5889
محدثة عن: 2007/01/23
خلاصة السؤال
لماذا لم یشأ الله تعالی الهدایة لجمیع البشر و نیل الخیر من قبل الجمیع؟
السؤال
عند ملاحظة الآیة الکریمة: (و لو شئنا لآتینا کل نفس هداها) یتضح ان الله تعالی لم یشأ الهدایة للجمیع ، فلو کان الله تعالی یرید الخیر لجمیع الموجودات لاراد هدایتهم جمیعهم، و لکنه لم یفعل ذلک لماذا؟
الجواب الإجمالي

ان ما استفید من الآیة الثالثة عشرة من سورة السجدة المبارکة بان الله تعالی لم یشأ الهدایة لجمیع الناس، باطل، بل الأمر علی العکس من ذلک تماماً فانه تعالی شاء الهدایة لتمام الموجودات لانه و طبقاً للمستفاد من الآیات الشریفة:

الف: تنقسم الهدایة الالهیة الی هدایة تکوینیة و هدایة تشریعیة. و الهدایة التکوینیة هی الهدایة التی منحت لجمیع الظواهر و الموجودات فی العالم. و انه تعالی ساق الموجودات من خلال ما اودع فیها من استعداد نحو الکمال و الهدف المرسوم لها.

و اما الهدایة التشریعیة فهی تختص بالموجودات العاقلة و المفکرة و تتعلق بالامور التشریعیة من قبیل الاعتقادات الحقة و القوانین الالهیة ما ینبغی و ما لا ینبغی و.... التی جاءت بواسطة الانبیاء و الائمة المعصومین علیهم السلام. و هذا النوع من الهدایة هو الآخر یعم جمیع البشر و انه هبة من الله لهم.

اذاً جمیع الناس یتمعتون بکلا النوعین من الهدایة التکوینیة و التشریعیة.

ب: هناک الکثیر من الآیات التی تشیر الی کون الانسان مختاراً من قبیل قوله تعالی: (انا هدیناه السبیل اما شاکراً و امّا کفوراً) و حق الانتخاب و الاختیار هذا هو من نوع الهدایة التکوینیة من قبل الله تعالی، و ذلک لانه لا یمکن ان یکون منشأ اختیار الانسان، الانسان نفسه لان ذلک یستلزم الدور او التسلسل.

ج:ان نظام الکون قائم علی اساس قانون العلیة و المعلولیة. و قد شاءت السنة الالهیة ان تجری الامور باسبابها الطبیعیة، و فی أمر الهدایة یوفّر الله الوسائل لیتضح الهدف و المقصد لکل من یروم الهدایة ویرید وضوح الطریق و لیصل العبد الی هدفه النهائی.

بالنتیجة: انه و طبقاً لآیات الذکر الحکیم ان الهدایة الالهیة التکوینیة شاملة لکل الموجودات و بالاضافة الی ذلک نال الانسان شرف الهدایة التشریعیة، و لکن بما ان الانسان قد اودع فی طبیعته و جوهره خاصیتی الارادة و الاختیار و بصورة تکوینیة، لذا فهو مختار اما ان یستعین بهذه الهدایة الالهیة الخاصة فیوفر الارضیة للهدایة الکبری، او ان یختار طریق التمّرد علی الهدایة الخاصة و اغماض النظر عنها فیسیر فی الطریق المعاکس لطریق الرشاد و الهدایة لینتهی به الأمر فی نهایة المطاف الی الکفر و الظلم.

و یمکن ان یفهم من الآیة المذکورة ان الله تعالی لوشاء ان یجعل مصیر الانسان کمصیر سائر المخلوقات المسلوبة الاختیار لفعل، لکنه تعالی شاء و من خلال منح الانسان حق الانتخاب ان یجعل الانسان مسؤولاً و مکلفاً فی ظل الهدایة التکوینیة و التشریعیة و من خلال هذه الوسیلة یتمیز الحق عن الباطل. و بناءً علی هذا القانون و السنة الالهیة لو انتخب الانسان- و باختیاره- السیر فی طریق الظلم و الکفر فمن الطبیعی ان الهدایة الالهیة لا تتعلق بالظلم و الکفر. و اما الانسان الذی ینتخب و یختار السیر فی طریق الحق فانه یوفّق للهدایة الکبری.

الجواب التفصيلي

قبل الدخول فی البحث نری من الضروری الاشارة الی مجموعة من النکات الضروریة:

1- قال تعالی: (ولو شئنا لاتینا کلّ نفس هداها و لکن حق القول منی لأملان جهنم من الجنة و الناس اجمعین)[1]

2- معنی الهدایة: الهدایة تأتی بمعنی الارشاد و إراءة الطریق من جهة اللطف و ارادة الخیر.

3- انواع الهدایة الالهیة: اذا نظرنا الی آیات الذکر الحکیم نراها تقسم الهدایة- و بصورة کلیة- الی الهدایة التکوینیة، و الهدایة التشریعیة. الهدایة التکوینیة هی الهدایة العامة التی تتعلّق بکل الظواهر الوجودیة، و ان الله تعالی یسوق الموجودات الی کمالها المنشود و هدفها المقصود من خلال ما اودع فیها من قدرات و استعدادات و لقد اشار القرآن الکریم الی هذه القضیة بقوله تعالی: (ربنا الذی اعطی کلّ شیء خلقه ثم هدی)[2] و قال تعالی: (الذی خلق فسوّی* و الذی قدّر فهدی).[3]

و اما الهدایة التشریعِیة فهی هدایة خاصة تمنح لاصحاب العقل و الفکر، و تتعلق بالامور الشریعیة من قبیل الاعتقادات الحقة و القوانین الالهیة ما ینبغی و ما لا ینبغی و.... و التی جاءت الی البشر عن طریق الانبیاء و الائمة المعصومین علیهم السلام،قال تعالی: ( فریقاً هدی و فریقاً حق علیهم الضلالة)[4] و قال تعالی: (و الله یهدی من یشاء الی صراط مستقیم)[5] یفهم من خلال التخصیص المذکور ان المراد من الهدایة هنا هو الهدایة التشریعیة، و بالطبع ان الهدایة التشریعیة و ان کانت خاصة -مقارنة بسائر الموجودات- الا انها عامة بالنسبة الی افراد الانسان.

4- اختیار الانسان هدایة تکوینیة: ان الانسان و بعنوان کونه مخلوقا و مملوکا لله سبحانه یمتاز عن سائر الموجودات بانه الوجود الوحید الذی خلق حرّا و هناک المئات من الآیات القرآنیة التی تؤکد حرّیة الانسان و اختیاره قال تعالی: (و قل الحق من ربّک فمن شاء فلیؤمن و من شاء فلیکفر)[6] وقال عزّ من قائل: (انا هدیناه السبیل اما شاکراً و اما کفوراً).[7]

اذاً الانسان هو الذی یرید و یشاء ما یفعل و ما لا یفعل، و للشاعر الایرانی المولوی بیت من الشعر یقول فیه ما مضمونه:

ان قولک افعل هذا او افعل ذلک هو دلیل اختیارک ایها الانسان[8]

و ان هذه الحریة هی جزء من خلقة الانسان و وجوده و انها أمر لا ینفک عن الانسان بای حال من الاحوال. اذاً الانسان مجبر فی اصل اختیاره و حریته، و ذلک لانه لو کان مختاراً فی اختیار ففی مثل هذه الصورة یقدر علی ان یختار الاٌ یکون مختاراً، و الحال اننا لانجد انساناً یستطیع ان یکون غیر مختار. من هنا نعرف ان منشأ اختیار الانسان لا یمکن ان یکون هو الانسان نفسه و الا یرد اشکال الدور او التسلسل. نعم هو مختار فی الافعال و الاعمال التی تنسب الیه فهو حر حسب الفطرة و الطبیعة فی الفعل او الترک و هذه هی الهدایة التکوینیة.

5- نظام الوجود و السنة الالهیة: ان نظام الوجود قائم علی اساس قانون العلیة و المعلولیة، و ان السنة الالهیة جرت علی ان تسیر الامور علی اساس الاسباب و المجاری الطبیعة، و فی مسألة الهدایة و فرّ المولی تعالی الوسائل اللازمة لیتضح الهدف و تنکشف الامور لمن یرید الوصول الیها، و لیتمکن العبد من الوصول الی هدفه النهائی.

فاذا اخذنا بنظر الاعتبار النقاط الآنفة و طبقاً لصریح آیات القرآن الکریم نری ان الهدایة التکوینیة شاملة لجمیع الموجودات و ان الانسان بالاضافة الی الهدایة التکوینیة نال شرف الحصول علی الهدایة التشریعیة أیضاً، و لکن باعتبار ان الانسان قد خلق و هو یحمل صفة الاختیار و الحریة فی طبیعته و جوهره تکویناً من هنا فهو مختار فی الاستعانة بالهدایات الالهیة الخاصة لیوفّر الارضیة المناسبة للهدایة الکبری، کما انه مختار أیضاً فی ان یتمرٌد علی هذه الهدایة الخاصة و یغض الطرف عنها و یسیر فی الطریق المعاکس للهدایة مما ینتهی به فی نهایة المطاف الی الکفر و الظلم.

و من الآیة التی ذکرت فی بدایات البحث یمکن ان ندرک ان الارادة الالهیة لو شاءت لجعلت الانسان حاله حال سائر المخلوقات العدیمة الاختیار.و لکن شاءت الارادة الالهیة ان تهب الانسان الهدایة التکوینیة و التشریعیة و فی نفس الوقت الذی منحته الحریة و حق الاختیار جعلته مسؤولاً لیمتاز الحق عن الباطل عن هذا الطریق.

 

النتیجه:

اتضح جلیّا ان ادٌعاء ان الله تعالی لم یشأ هدایة جمیع البشر و ذلک استناداً الی الآیة 13 من سورة السجدة، هذا الادعاء ادٌعاء و کلام غیر صحیح ، بل العکس هو الصحیح لانه تعالی اراد هدایة جمیع الموجودات، الا انه و طبقاً للسنة الالهیة ان الانسان الذی یختار السیر فی طریق الظلم و الکفر من الطبیعی ان لا تشمله الهدایة الالهیة لان الهدایة الالهیة لا یمکن ان تتعلق به[9] و اما الانسان الذی یختار و بارادته السیر فی طریق الحق فانه یوفق للهدایة الکبری[10] قال تعالی: (والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا و ان الله لمع المحسنین) [11]و [12].



[1] السجدة: 13.

[2] طه: 50.

[3] الاعلی: 2 و 3.

[4] الاعراف: 30.

[5] البقرة: 213.

[6] الکهف: 29.

[7] الانسان: 3.

[8] مولوی، مثنوی معنوی.

[9] انظر: البقرة 264، المائدة 67، التوبه 37، التوبة 80.

[10] نفس: المصدر

[11] العنکبوت: 69.

[12] اعتمدنا فی الاجابة علی المصادر التالیة:

العلامة الطباطبائی تفسیر المیزان (المترجم ) نشر محمدی الطبعة الثالثة 1362 ه ش، ج 14 صفحة 214 و ما بعدها صفحه 66 و ما بعدها و ج 17 ص 167 و ما بعهده، و ج 32 صفحة 89 و ما بعدها، و مکارم الشیرازی. تفسیر نمونه (الامثل فی تفسیر کتاب الله المنزل): ج 1، صفحة 67 و 430 و ج 2 ، صفحة 259 و ما بعدها، و ج 17 صفحة 166 و ما بعدها، و ج 25 صفحة 366 و ما بعدها و ج 11 صفحة 365 و 223 الی صفحة226 و 420 و ما بعدها.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257248 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113245 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49740 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...