بحث متقدم
الزيارة
11360
محدثة عن: 2007/02/01
خلاصة السؤال
ما معنی البداء و ما معنی اللوح المحفوظ و الکتاب المبین و لوح المحو و الاثبات؟
السؤال
ما معنی البداء و ما معنی اللوح المحفوظ و الکتاب المبین و لوح المحو و الاثبات؟
الجواب الإجمالي

البداء لغة؛ بمعنی الظهور بعد الخفاء، و قد استعمل فی القرآن بهذا المعنی

"و بدا لهم من الله ما لم یکونوا یحتسبون". و فی اصطلاح بعض العلماء فان البداء فی التکوین هو نظیر النسخ فی التشریع فهو بمعنی التجدد فی الرأی. و یجب ان یعلم بان البداء و النسخ الحقیقی محال فی حق الله تعالی لان لازمه ان یکون علمه مسبوقاً بالجهل، و هو تعالی منزه عن الجهل، و کما قال الامام الصادق (ع): "ان الله لم یبد له من جهل".فالذی یمکن تصوره فی حق الله تعالی هو البداء و النسخ الظاهری، یعنی اظهار امرٍ کان مخفیاً عن الناس سابقاً و هو قد کان معلوماً لله منذ الازل و مقٌدراً بهذا الشکل الجدید الذی ظهر للعیان، و لکنه سبحانه اخفاه عن الناس لمدة و ذلک لوجود مصلحة اوجبها مقام التکلیف، ثم أظهره لهم فی وقته. و هذا معنی معقول و مقبول، و ان الآیة الکریمة: "لکل أجل کتاب، یمحو الله ما یشاء و یثبت و عنده ام الکتاب" هی أصرح آیة فی معنی تغییر التقدیر الالهی الذی یعنی البداء، لان علم الله و کما یقول الامام الصادق (ع) نوعان :"علم مکنون ومخزون لم یطلع علیه احد غیر الله و هو الذی نشأ منه البداء و الآخر هو العلم الذی علّمه الملائکة و الانبیاء و نحن نعلمه". و علی هذا فالعلم الذی ینشأ منه البداء هو اللوح المحفوظ، و العلم الذی یتعلق به البداء هو لوح المحو و الاثبات، فینبغی الآن ان نعرف المقصود باللوح المحفوظ و لوح المحو و الاثبات.

اللوح المحفوظ و لوح المحو و الاثبات:

المقصود باللوح المحفوظ(ام الکتاب) هو العلم الازلی الالهی الذی توجد فیه المقدرات ثابتة و غیر قابلة للتغییر. و بناء علی رأی کثیر من المفسرین فان اللوح المحفوظ و الکتاب المبین شیء واحد. لان الکتاب المبین هو مقام علم الله و قد ورد فی الآیة الکریمة "و ما یعزب عن ربک من مثقال ذرة فی الارض و لا فی السماء و لا اصغر من ذلک و لا اکبر الاّ فی کتاب مبین".

و المقصود بلوح المحو و الاثبات: هو نشأة الوجود و عالم الکون و الطبیعة، و قد ثبت فیه مصیر کل شیء و تقدیره، الا ان هذه التقدیرات لیست ثابتة، بل فیها جنبة اقتضاء لا غیر.

و النتیجه هی: ان التغییرات الحاصلة بحسب المصالح و مقتضیات الزمان و المکان و...جاریة و ساریة فی لوح المحو و الاثبات و هو الذی یتعلق به البداء، و ذلک بخلاف اللوح المحفوظ " العلم الازلی الالهی" و الذی یعبر عنه "بالکتاب المبین" و "ام الکتاب" أیضاً فانه ثابت لا یتغیر.

الجواب التفصيلي

المعنی اللغوی و الاصطلاحی للبداء:

البداء لغة: من "البدو" بمعنی الظهور الشدید[1]،

اصطلاحاً: قیل بان البداء کالنسخ له معنیان:

1ـ ظهور رأی جدید لله لم یکن عالماً به ثم علم به، و هو معنی باطل و ممتنع علی الله تعالی.

2 ـ إظهار أمر للناس کان مخفیاً عنهم، یعنی ان هذا الامر کان الله یعلمه منذ الازل و انه قدّره من الأول علی هذه الصورة الجدیدة التی اصبحت ظاهرة، و لکنه أخفاه لمدة معینّة عن الناس لوجود مصلحة أوجبها مقام التکلیف، ثم أظهره لهم فی حینه، و هذا معنی معقول و مقبول.[2] و هذا هو الذی یعتقده علماء الشیعة عن معنی البداء استناداً إلی روایات اهل البیت (ع) کالامام الصادق (ع) الذی یقول:" ما بعث الله عز و جل نبیاً حتی یأخذ علیه ثلاث خصال: الاقرار بالعبودیة و خلع الانداد و ان الله یقدم ما یشاء و یؤخر ما یشاء"[3] و یقول(ع) فی حدیث آخر:" من زعم ان الله عز وجل یبدو له فی شیء لم یعلمه أمس فابرأوا منه"[4]. و هذا المعنی هو عین ما یؤکد علیه علماؤنا فی ان البداء حینما ینسب الی الله تعالی یکون بمعنی الابداء و هو؛ یعنی إظهار ما لم یکن ظاهراً و متوقٌعاً"[5].

و من الآیات التی تدل علی هذه الحقیقة قوله تعالی: لکل اجل کتاب-ای ان لکل زمان و جیل کتاباً و قانون- یمحو الله ما یشاء و یثبت و عنده ام الکتاب [6].

توضیح ذلک: ان علم الله الذی به یدٌبر احوال المخلوقات علی نوعین: أحدهما: العلم المخزون الذی لم یطلع علیه احد سوی الله و یسٌمی باللوح المحفوظ، و الآخر: هو العلم الذی اطلع علیه الملائکة و الانبیاء و الاولیاء و یسمی بلوح المحو و الاثبات. و هذا القسم من العلم هو الذی یتطٌرق الیه البداء[7]. یقول الامام الصادق (ع): "ان لله علمین: علم مکنون مخزون لا یعلمه الا هو، من ذلک یکون البداء، و علم علمه ملائکته و رسله و أنبیاء و نحن نعلمه"[8]. و علیه فالعلم نوعان: علم ینشأ منه البداء و هو اللوح المحفوظ، و الاخر علم یتعلق به البداء وهو لوح المحو و الاثبات.اذن البداء عبارة عن محو الأول و إثبات الثانی و الله سبحانه عالم بهما جمیعاً و هذا مما لا یسع لذی لبٌ انکاره، فان للأمور و الحوادث وجوداً بحسب ما تقتضیه اسبابها الناقصة من علٌة او شرط أو مانع ربما تخلف عنه، و وجوداً بحسب ما تقتضیه اسبابها و عللها التامة و هو ثابت غیر موقوف و لا متخلٌف، و الکتابان اعنی کتاب المحو و الاثبات و ام الکتاب اما ان یکونا امرین تتبعهما هاتان المرحلتان من وجود الاشیاء اللٌتان احداهما تقبل المحو و الاثبات و الاخری لا تقبل الا الثبات، و اما ان یکونا عین تینک المرحلتین[9].

اللوح المحفوظ و لوح المحو و الاثبات و الکتاب المبین:

قال الله تعالی: و عندنا کتاب حفیظ[10] و قال تعالی أیضا: فی لوح محفوظ[11]. تدل هذان الآیتان علی وجود کتاب حافظ لأعمال جمیع الناس و غیرهم، و هو فی الوقت نفسه یتضمن جمیع خصائص الحوادث و خصوصیات الاشخاص و ما فیهم من تغییرات الا انه لیس فیه ای تغیٌر و تبٌدل، کما ذکر کثیر من المفسرین فان اللوح المحفوظ و الکتاب المبین شیء واحد، لان المراد من الکتاب المبین هو مقام علم الله تعالی؛ یعنی ان جمیع الموجودات مثبتة فی علمه اللانهائی، و یشهد لهذا المعنی الآیات التالیة: و ما یعزب عن ربک من مثقال ذرة فی الارض و لا فی السماء و لا اصغر من ذلک و لا اکبر الا فی کتاب مبین[12] و قوله تعالی: کل فی کتاب مبین[13] و تدل علی ان عالم الوجود الوسیع أیضا هو انعکاس عن هذا اللوح المحفوظ، فالمراد باللوح المحفوظ(ام الکتاب) و الکتاب المبین: هو العلم الازلی الالهی الذی توجد فیه المقدرات ثابتة و غیر قابلة للتغییر و ذلک بخلاف لوح المحو و الاثبات الذی سجٌل فیه تقدیر و مصیر کل الامور الا ان هذه التقدیرات لیست ثابتة، بل لها جنبة اقتضاء. و المقصود بلوح المحو و الاثبات هو نشأة الوجود و عالم الکون و الطبیعة التی یکون فیها کل شی مقدراً بطبیعة ذاته علی نحو الاقتضاء، فان لم یوجد مانع من هذا الاقتضاء فانه یکون علة تامة لایجاد الشیء لهذا یقول الامام علی بن الحسین (ع): "لو لا آیة فی کتاب الله لحدثتکم بما کان و بما یکون الی یوم القیامة. فقلت له:.أیة آیة؟فقال (ع): یمحوا الله مایشاء و یثبت و عنده ام الکتاب"[14] اذن، فلوح المحو و الاثبات حکم عمومی یشتمل علی جمیع الحوادث المحددة باجل و زمان. و بعبارة اخری: انه یخضع له جمیع ما فی السماوات و الارض و ما بینهما کما قال تعالی: "ما خلقنا السماوات و الارض و ما بینهما الا بالحقٌ و أجل مسمی".[15]

یمکن استخلاص النتیجة التالیة من مجموع هذا البحث و هی: ان التغییر بحسب المصالح و مقتضیات الزمان و المکان و ... هو أمر جارٍ و سارٍ فی لوح المحو و الاثبات، علی خلاف اللوح المحفوظ "العلم الازلی الالهی" الذی لا یقبل التغییر . اذن فکل الموجودات لها جهتان: جهة التغییر و التی منها تکون خاضعة للموت و الحیاة و الزوال و البقاء و جمیع انواع التحولات، و جهة الثبات و هی التی لا تقبل التبدل و التٌحول، و البداء انما یکون فی القسم الأول.



[1] القرشی، السید علی اکبر، قاموس قرآن" قاموس القرآن" ج 1، ص 172.

[2] معرفة هادی ، التفسیر و المفسرون، ناشر، مؤسسه فرهنگى التمهید، چاپ اول اردیبهشت 1379،ج 1، ص 522.

[3] الکلینی، الکافی، کافى، ناشر، دارالکتاب الإسلامى، تهران، 1365 ه، ص 148، حدیث 15. 

[4] سفینة البحار، ج 1، ص 51، و قریب بهذا المضمون حدیث، الکافى، ص 148، حدیث 9.

[5] الشیرازی مکارم، تفسیر نمونه " الأمثل"، ج 10، ص 249.

[6] الرعد، 38 و 39.

[7] معرفت، هادی، التفسیر و المفسرون، ص 523.

[8] المجلسی، بحار الانوار، ج 4، ص 109 - 110، شماره 27، و حدیث بهذا المضمون فی الکافى، انتشارات اسوه، 1372، ج 1، ص 423، حدیث 8.

[9] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 11ص 381.

[10] ق: 4.

[11] البروج: 22.

[12] یونس:61.

[13] هود: 6.

[14] فی قرب الاسناد للحمیری ...عن ابى الحسن الرضا (ع) قال: قال ابو عبد الله، و ابو جعفر و على بن الحسین، و الحسین بن على و الحسن بن على بن ابى طالب و أمیر المؤمنین‏ (ع)؛ الحویزی، تفسیر نور الثقلین، 2/512.

[15] الاحقاف:3.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...