Please Wait
6721
فی روایاتنا أن فاطمة بنت الحسین(ع) تزوجت بابن عمها الحسن بن الحسن(ع) المعروف بالحسن المثنى، کما أنه من الممکن وجود أفراد ملعونین فی ذریة فاطمة بسبب عدم رعایة الحدود الإلهیة و القوانین الإسلامیة، إضافة إلى ذلک فإننا نعتقد أن الفئة أو القوم الذین یکونون مورداً ـ للعن ـ کبنی إسرائیل و بنی أمیة، لا یعنی ذلک أن اللعن یستوعب أفرادهم فرداً فرداً، بل هناک إمکانٌ لوجود عددٍ قلیل ممن لا یشملهم اللعن، و لا ینبغی النظر إلى جمیع الأفراد بعینٍ واحدة، و من الجدیر بالذکر فإن تفسیر الشجرة الملعونة ببنی أمیة لیس أمراً مختصاً بالشیعة وحدهم، و إنما یوجد الکثیر من أهل السنة ممن یروی ذلک، و أن المقصود بالشجرة الملعونة فی القرآن هم بنو أمیة.
للإجابة عن سؤالکم لا بد من ملاحظة النقاط التالیة:
أولاً: هل أن فاطمة بنت الحسین زوجة لعبد الله بن عمرو بن عثمان؟
ثانیاً: هل من الصحیح أن یقال أن لفاطمة أحفاد ملعونون؟
ثالثاً: هل أن المراد من الشجرة الملعونة فی القرآن هم بنو أمیة، و هل أن الشیعة وحدهم یذهبون إلى ذلک؟
رابعاً: هل أن الفئة التی تلعن یستوعب اللعن جمیع أفرادها، فیکونون من أهل النار، و لا سبیل لنجاة البعض منهم؟
و لنناقش و ندرس النقاط الأربع المتقدمة بالترتیب:
1ـ الوارد فی روایاتنا أن فاطمة بنت الحسین(ع) تزوجت بابن عمها الحسن بن الحسن المجتبى(ع) المعروف بالحسن المثنى.[1] و لها منه أولاد مثل عبد الله بن الحسن الذی روى عن أمه فاطمة.[2] و لکن توجد روایات فی کتب أهل السنة تشیر إلى أن فاطمة بنت الحسین تزوجت بعبد الله بن عمرو بن عثمان.[3] و یحتمل أن یکون هذا الزواج بعد وفاة زوجها الأول، و على فرض صحة ذلک فلیس لهذه المسألة تأثیر على ما نجیب به عن السؤال. و نقبل أنها کانت فی زمن ما زوجة لأحد أحفاد عثمان.
2ـ کل من لا یعبأ بالقوانین الإلهیة و یتمرد علیها فهو ملعون.[4] و أن أحفاد الزهراء (ع) غیر مستثنین من هذا الأمر مع ما نکن لهم من الاحترام. و على سبیل المثال فلو أن أحداً من أحفاد فاطمة (ع) قتل مؤمناً عمداً فإنه مستحق للعن طبقاً للآیة 93 من سورة النساء. فعلى الرغم من المکانة الخاصة الممتازة التی یراها الشیعة للسادة من أبناء رسول الله(ص) و الأئمة المعصومین. إلا أن هذا الانتساب لا یعنی أنهم مصونون بالکامل، بل لا بد لهؤلاء أن یحافظوا على التقوى و لوازمها، شأنهم شأن الناس الآخرین، و فی غیر هذه الصورة فإنهم مؤاخذون. و فی الکلام الذی وجهه الإمام الرضا (ع) لأخیه زید دلیل على وجوب مراعاة التقوى من قبل أبناء فاطمة (س). لقد تجاوز زید فی ثورته ضد الخلفاء الحدود، حتى أحرق بیوت بعض الناس و لذلک عرف بزید النار. و لکن الإمام الرضا(ع) وبخه فخاطبه قائلاً: «یَا زَیْدُ أَ غَرَّکَ قَوْلُ بَقَّالِی الْکُوفَةِ إِنَّ فَاطِمَةَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحَرَّمَ اللَّهُ ذُرِّیَّتَهَا عَلَى النَّارِ وَ اللَّهِ مَا ذَلِکَ إِلَّا لِلْحَسَنِ وَ الْحُسَیْنِ وَ وُلْدِ بَطْنِهَا خَاصَّةً فَأَمَّا أَنْ یَکُونَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (ع) یُطِیعُ اللَّهَ وَ یَصُومُ نَهَارَهُ وَ یَقُومُ لَیْلَهُ وَ تَعْصِیهِ أَنْتَ ثُمَّ تَجِیئَانِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ سَوَاءً لَأَنْتَ أَعَزُّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ إِنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ (ع) کَانَ یَقُولُ لِمُحْسِنِنَا کِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ وَ لِمُسِیئِنَا ضِعْفَانِ مِنَ الْعَذَاب»[5].
و مع أننا لا نرید أن نحکم على ما قام به زید فی ذلک الوقت إلا أن کلام الإمام یدل بوضوح على أن المعاصی و التجاوزات تبعد العبد عن ربه حتى و إن کان من أبناء فاطمة (س)، و هذا هو معنى اللعن لأن علماء اللغة فسروا اللعن بالابتعاد عن الله و رحمته.[6] و علیه فمن الممکن وجود أفراد ملعونین من أبناء فاطمة(ع) مع أنه لا یوجد دلیل على أن محمد بن عبد الله بن عمرو ینتمی إلى هذه الفئة.
3ـ إذا رجعنا إلى تفاسیر أهل السنة و تابعنا سبب نزول الآیة 60 من سورة الإسراء[7]، فإننا سوف لا نسمح لأنفسنا بالقول أن الشیعة وحدهم یقولون بأن المراد «بالشجرة الملعونة فی القرآن» هم بنو أمیة، فابن أبی حاتم أحد مفسری أهل السنة «فی القرن الرابع الهجری» یروی فی تفسیره المطبوع مؤخراً فی العربیة السعودیة ـ التی لا تؤید رأی الشیعة ـ أن النبی(ص) قال: «إنی رأیت فی المنام أن بنی أمیة ینزون على منبری و أنهم سوف یتسلطون علیکم و سوف ترونهم قریباً یمسکون بزمام الأمور، و قد اغتم النبی لذلک، فأنزل الله سبحانه الآیة تسلیة له[8]. و هناک العدید من الروایات الواردة فی تفاسیر أهل السنة من هذا القبیل[9]. مع وجود عدد من المتعصبین الذین لا یریدون الاعتراف بهذا الواقع[10]. و لکن بالرجوع إلى التفاسیر نصل إلى حقیقة مؤداها أن تفسیر «الشجرة الملعونة» ببنی أمیة أو بفرع من فروعهم آل مروان و آل الحکم یمثل وجهاً من وجوه تفسیر الآیة. و علیه فلیس من الصحیح القول بأن هذا التفسیر مختصٌ بالشیعة دون غیرهم، لأنه مذکور فی تفاسیر أهل السنة أیضاً.
4ـ مع أننا نفسر «الشجرة الملعونة» ببنی أمیة إلا أننا لا نعتقد بالختم على ملفات کل أفراد من جماعة تکون مورداً للعن الإلهی بالکامل. و أن جمیع أفرادها و إلى یوم القیامة ملعونون لا ینتظرهم إلا أن یلقوا فی نار جهنم، لأن مثل هذا التفکیر ینتهی إلى القول بالجبر، و تعلمون أن القول بالجبر لیس من رأی الشیعة، خلافاً للأشاعرة من أهل السنة حیث یقولون أنه من الممکن لله أن یجبر العبد على فعل شیءٍ ثم یحاسبه علیه. و لکن الشیعة و المعتزلة من أهل السنة یعتقدون بالعدل الإلهی حتى اشتهروا بإسم «العدلیة». و طبقاً لهذه العقیدة فلا یمکن أن نوحد النظر لأفراد فئة بالکامل دون ملاحظة أعمالهم فرداً فرداً، و نحکم علیهم بالکامل أنهم فی نار جهنم. لأن مثل هذا الأمر یتنافى مع العدل الإلهی.
و القرآن الکریم یؤید هذا الاعتقاد، و على سبیل المثال تجده یقول بخصوص مجموعة من الیهود: « وَ قَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِکُفْرِهِمْ فَقَلِیلاً مَا یُؤْمِنُونَ»[11] «وَ لَکِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِکُفْرِهِمْ فَلا یُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِیلاً»[12].
و بالدقة و التأمل فی هذه الآیات نستنتج أنه حتى لو توجه اللعن إلى فئة خاصة من الناس کبنی إسرائیل، فلا یعنی ذلک عدم وجود إمکانیة الإیمان بالنسبة لبعضٍ من أفرادها.
و کذلک الأمر بالنسبة إلى بنی أمیة، فإنهم وقعوا مورداً للعن الإلهی بسبب أذیتهم لرسول الله و معارضتهم للدین الإسلامی، و باستثناء عدد قلیل منهم فإنهم لا یتصفون بالإیمان و الصلاح على الأغلب. و لکننا مع ذلک نشاهد فی بنی أمیة أشخاصاً مؤمنین من أمثال خالد بن سعید بن العاص، فعلى الرغم من عناد رئیس قبیلتهم أبو سفیان و عداوته للإسلام نجده من المبادرین إلى الإسلام و الإیمان[13]. فکان من المؤیدین و الناصرین لأمیر المؤمنین علی(ع). حتى أن الإمام اختاره للقیادة فی إحدى المهمات التی اضطلع بها الإمام فی حیاة النبی(ص)[14]. و کان خالد بن سعید من أشد المعارضین لما جرى فی السقیفة و ما تمخض عنه من نتائج، و قد وقف إلى جانب الإمام علی(ع)، فشکره الإمام[15]. کما أنه کان إلى جانبه فی الکوفة[16]. فهل أن الشیعة یعتقدون أن هذا الرجل مشمولٌ باللعن لمجرد انتمائه لبنی أمیة؟
لیس الأمر کذلک، فإننا نرى إمکانیة وجود أشخاص قلائل فی بنی أمیة من أهل الإیمان و التقوى، مع أن الأکثریة من المعادین للإسلام کأبی سفیان الذی وقف بوجه النبی(ص) عدة مرات، و ابنه معاویة الذی واجه الإمام علیا(ع) أول المسلمین و أخا رسول الله(ص)، و الذی دس السم لأحد سبطی رسول الله و هو الإمام الحسن المجتبى(ع)، و الأسوء من هذین یزید بن معاویة الذی قتل سبط رسول الله الثانی الإمام الحسین(ع)، و کذلک باقی خلفاء بنی أمیة، باستثناء أفرادٍ معدودین کعمر بن عبد العزیز.
و إلا فإن الباقین آذوا ذریة رسول الله و عذبوهم بأصناف العذاب فهل أن هذه الأعمال أقل مما قام به بنو إسرائیل الذین لعنوا فی القرآن الکریم. فلماذا التشکیک بکون بنی أمیة من الملعونین. و مرةً أخرى نؤکد أن اعتبار هذه الفئة من الملعونین لا یعنی إقفال الطریق أمام جمیع أفرادها، و أنه لا سبیل إلى النجاة بالنسبة إلى الجمیع، و کذلک الأمر بالنسبة لبنی إسرائیل و هذا ما نعتقده جمیعاً.
[1] الشیخ المفید،، الإرشاد، ج 2، ص 25، مؤتمر الشیخ المفید، قم، 1413 هـ ق.
[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، ج 2، ص 239، روایة 29، الکافی، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.
[3] ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 195، مکتبة آیة الله المرعشی، قم، 1404 هـ ق.
[4] الرعد، 25؛ البقرة، 161؛ النساء، 93 و...
[5] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 49، ص 217، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[6] ابن منظور، لسان العرب، ج 13، ص 387.
[7] الإسراء، 60، «و إذا قلنا لک إن ربک أحاط بالناس و ما جعلنا الرؤیا التی أریناک إلا فتنة للناس و الشجرة الملعونة فی القرآن و نخوفهم فما یزیدهم إلا طغیاناً کبیراً».
[8] ابن أبی حاتم، تفسیر القرآن العظیم، ج 7، ص 2336، مکتبة نزار مصطفى الباز، المملکة العربیة السعودیة، 1419هـ ق.
[9] الطبری، ابن جریر، جامع البیان، ج 15، ص 77، دار المعرفة، بیروت، 1412هـ ق؛ تفسیر القرطبی، ج 11، ص 283ـ 282، مطبوعات ناصر خسرو، طهران، 1364 هـ ش؛ الزمخشری، تفسیر الکشاف، ج2، ص676و... ، دار الکتاب العربی، بیروت، 1407 هـ ق.
[10] ابن کثیر الدمشقی ، تفسیر ابن کثیر الدمشقی، ج 5، ص 85، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1419هـ ق.
[11] البقرة، 88.
[12] النساء، 46.
[13] المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 18، ص 229، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.
[14] المصدر نفسه، ج 21، ص 356.
[15] المصدر نفسه، ج 28، ص 202 ـ 201، و ص 210.
[16] المصدر نفسه، ج 41، ص 257.