Please Wait
9988
لیس الإسم الأعظم مجرّد معرفة و تلفّظ بلفظ خاص، بل له حقیقة أبعد من الألفاظ تحصل فی الأشخاص علی أثر تربیة النفس و تهذیبها و العبادة و التوفیقات الإلهیة و فی ظل هذه الحالة یهب الله لهم مثل هذه القدرة و المقام الرفیع.
و قد أشارت کثیر من الآیات و الروایات الی وجود الإسم الأعظم و ذکرت أیضاً ان الإسم الأعظم کان عند الأنبیاء الإلهییّن و الأئمة الأطهار(ع) و أشخاص عظماء من أمثال آصف بن برخیا الذی استطاع إحضار عرش بلقیس من مسافة بعیدة الی النبی سلیمان، فقد کان عنده جزء من الإسم الأعظم.
ورد فی الآیات و الروایات إشارات الی موضوع الإسم الأعظم، فمثلاً بعد الالتفات الی شأن نزول الآیات المتعلّقة بحادثة آصف بن برخیا و ... فی القرآن، فإنه یمکن اعتبار هذه الحادثة من مصادیق حصول بعض الأفراد علی الإسم الأعظم، ففی روایة عن الإمام الهادی(ع) یقول:"إسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفاً کان عند آصف حرف فتکلّم به فانخرقت له الأرض فیما بینه و بین سبأ فتناول عرش بلقیس حتی صیّره الی سلیمان ثم انبسطت الأرض فی أقلّ من طرفة عین. و عندنا منه اثنان و سبعون حرفاً و حرف عند الله مستأثر به فی علم الغیب".[1]
و قد روی عن الإمام الصادق(ع) أیضاً یقول: "ان عیسی بن مریم(ع) اعطی حرفین کان یعمل بها و اعطی موسی اربعة أحرف و اعطی ابراهیم ثمانیة أحرف و اعطی نوح خمسة عشر حرفاً و اعطی آدم خمسة و عشرین حرفاً و ان الله تعالی جمع ذلک کله لمحمّد (ص) و ان إسم الله الأعظم ثلاثة و سبعون حرفاً أعطی محمداً اثنین و سبعین حرفاً حجب عنه حرف واحد".[2]
و هناک روایات عدیدة مشابهة لهاتین الروایتین فی مصادرنا الروائیة.
و الملاحظة التی ینبغی التدقیق فیها هی هل ان الإسم الأعظم مجرّد لفظ أو أن له حقیقة وراء اللفظ؟
ان ما فی اذهان الناس هو ان الإسم الأعظم هو اسم لفظی من أسماء الله تعالی إذا دعی الله به تستجاب الدعوة و انه یؤثر فی کل شیء. و حیث إنهم لم یحصلوا علی مثل هذا الإسم من بین الأسماء الإلهیة الحسنی و لم یجدوا مثل هذا الأثر أیضاً فی اسم الجلالة (الله)، فإنهم اعتقدوا ان الإسم الأعظم مرکّب من حروف لا یعرفها و لا یعلم کیفیة ترکیبها کل أحد، و لکن إذا حصل أحد علیها فإن جمیع الموجودات تخضع أمامه و تنفّذ أوامره.
یقول العلامة الطباطبائی فی هذا المجال:"و فی مزعمة أصحاب العزائم و الدعوات ان له لفظاً یدل علیه بطبعه لا بالوضع اللغوی، غیر ان حروفه و تألیفها تختلف باختلاف الحوائج و المطالب و لهم فی الحصول علیه طرق خاصة یستخرجون بها حروفه أولاً ثم یؤلّفونها و یدعون بها علی ما یعرفه من راجع فنّهم".[3]
و یقول فی الرّد علی هذا الرأی:" انه و إن کان فی بعض الروایات إشعار ما بذلک و لکن البحث الحقیقی عن العلّة و المعلول و خواصّها یدفع ذلک کله فإن التأثیر الحقیقی یدور مدار وجود الأشیاء فی قوته و ضعفه و المسانخة بین المؤثّر و المتأثّر و الإسم اللفظی إذا اعتبر من جهة معناه المتصّور کان صورة ذهنیة لا أثر لها من حیث نفسها فی شیء البتة و من المستحیل أن یکون صوت أوجدناه من طریق الحنجرة أو صورة خیالیة نصوّرها فی ذهننا بحیث یقهر بوجوده وجود کل شیء و یتصرف فیما نریده علی ما نریده فیقلب السماء أرضاً و الأرض سماء و یحوّل الدنیا الی الآخرة و بالعکس و هکذا و هو نفسه معلول لإرادتنا. و الأسماء الإلهیة و اسمه الأعظم خاصة و ان کانت مؤثرة فی الکون و وسائط و أسباباً لنزول الفیض من الذات المتعالیة فی هذا العالم المشهود لکنها إنما تؤثّر بحقائقها لا بالألفاظ الدالّة فی لغة کذا علیها و لا بمعانیها المفهومة من ألفاظها المتصوّرة فی الأذهان و معنی ذلک ان الله سبحانه هو الفاعل الموجد لکل شیء بماله من الصفة الکریمة المناسبة له التی یحویها الإسم المناسب لا تأثیر اللفظ أو صورة مفهومة فی الذهن أو حقیقة اخری غیر الذات المتعالیة".[4]
فاتضح من خلال الروایات التی ذکرناها إنه: أولاً: ان الأنبیاء الإلهیین و خصوصاً خاتم الأنبیاء (ص) و کذلک الأئمة الأطهار (ع) کانوا یعرفون هذا الإسم و کان لبعض الأفراد من غیر هؤلاء من أمثال آصف بن برخیا معرفة علی مستوی ضئیل جداً بالإسم الأعظم و کانوا یقومون ببعض الأعمال عن طریقه.[5]
و ثانیاً: ان الإسم الأعظم لیس مجرد لفظ یمکن لکل من یتلفّظ به أن یؤثّر، بل هو حقیقة رفیعة تحصل فی وجود مثل هؤلاء الأشخاص علی أثر تربیة النفس و تهذیبها و العبادة و التوفیقات الإلهیة و فی ظل هذه الحالة یهب الله لهم مثل هذه القدرة و المقام الرفیع.