بحث متقدم
الزيارة
7454
محدثة عن: 2007/12/10
خلاصة السؤال
هل یمکن الاستخارة فی مورد الزواج؟
السؤال
هل یمکن الاستخارة فی مورد الزواج؟
احاول منذ عدة سنوات الزواج من احدی الفتیات و لکن و للاسف فان اسرتها تخالف ذلک و تضع مختلف العراقیل فی سبیل ذلک، و آخر تلک العراقیل انهم قالوا اننا اتصلنا بمکتب آیة الله العظمی بهجت للاستخارة فکانت الاستخارة سیئة، و اکون شاکراً لکم ان قلتم لی انه هل یمکن الاستخارة فی مورد الزواج، أ لیس یقال ان عمل الخیر لا یحتاج الی أی استخارة؟
الجواب الإجمالي

ان قضیة الزواج و تکوین الاسرة کانت و لا زالت من أهم القضایا فی المجتمعات البشریة و اقوی ارکانها منذ ابتداء تاریخ حیاة البشر. و من البدیهی ان یتم هذا الموضوع الذی هو علی هذه الدرجة من الاهمیة عن طریق التعقل و التفکیر السلیم، لان مصیر الاسرة و مستقبلها الذی یبدأ بالزواج یستتبع الی جانبه الآف المسائل من قبیل تولید المثل و تربیة الجیل و التعلیم و التربیة و ... اذن یجب ان یتم ذلک عن طریق دراسة جمیع الجوانب و المعرفة الدقیقة بالامور و لا یسلّم ذلک بید الاستخارة فقط.

اما اذا لم یصل الانسان فی مسألة الزواج - مثل باقی المسائل- بعد الدراسة و التفکیر بجوانب القضیة و بعد التشاور مع الآخرین و الافادة من تجاربهم، الی‌نتیجة و لم یزل مبتلی‌ بالشک و التردید، فیمکن حینئذ الاستعانة بالاستخارة و طلب المعونة من الله فی هذه المسألة و لیس فی الاستخارة أی محذور دینی، مع الالتفات الی انّ الاستخارة لیس لها دور سوی تعیین أحد طرفی التردید.

و بالطبع فان الأصل فی الاستخارة التی هی الاستخارة المطلقة، هو ان لا یستبد الانسان برأیه و أعماله و لا یعتمد علی رأیه و نظره، بل یطلب الخیر و العون من الله فی اعماله و یتوکل علیه فی جمیع اموره و یفوض أوّل عمله و آخره الی الله العلیم و الحکیم، و نوصیک ایها الاخ العزیز بتفویض هذه المسألة الی الله مع الأخذ بنظر الاعتبار ما ذکر من المطالب و بالالتفات الی مسألة تقارب مستوی عائلة الطرف المقابل و کونها (کفؤاً) و بملاحظة جمیع الشروط فی امر الزواج.

الجواب التفصيلي

1. لتاریخ الزواج و الزوجیة جذور تاریخیة تمتد بامتداد تاریخ البشر، و تعتبر من أهم القضایا فی المجتهات البشریه و اقوی ارکانها منذ عصر آدم و حواء (ع) و حتی الآن. ان رابطة الزوجیة هی نقطة انعطاف فی حیاة الانسان اذ تعد من المسائل المهمة و مورد الابتلاء، من هنا نری ان کل الادیان أبدت رأیها فیها بشکل من الاشکال و قامت بتعریف الناس الی مقرراتها و قوانینها و شروطها، و الاسلام أیضاً باعتباره آخر الادیان الالهیة فقد طرح رؤیته الخاصة حول هذه القضیة بنظرة واقعیة و عمیقة الی الانسان و حاجیاته، و یستفاد من مجموع معارف و تعالیم الدین الاسلامی ان الزواج و تکوین الاسرة من أحب الامور الی الله من وجهة نظر الاسلام.[1]

2. فی قضیة الزواج یعتبر اهم ملاک و معیار فی رأی الاسلام فی انتخاب الزوج هو الدین و الاخلاق الحسنة. یقول النبی الاکرم (ص) فی هذا الصدد: «اذا جاءکم من ترضون خلقه و دینه فزوجوه و ان لا تفعلوه تکن فتنة فی الارض و فساد کبیر».[2]

3. ان العقل نعمة کبیرة وهبها الله تعالی للبشر، و یستطیع الانسان فی ضوء العقل أن یطوی الطرق المظلمة فی الحیاة و ان یتجاوز مشکلاتها و أخطارها بسلام. و قد اکد القرآن کثیراً علی التعقل و التفکر وعد الذین لا تکون أعمالهم عن تعقل بانهم شر الموجودات[3] و فوق کل هذا فان من أهم علل بعثة الانبیاء هو اثارة دفائن العقول، [4] ان الاستناد الی العقل و الاستفادة من هذا المصباح المنیر علی‌ درجة من الاهمیة بحیث یعد أحد مصادر استنباط الاحکام فی الشرع المقدس[5].

4. قد ورد فی التعالیم الدینیة التأکید الشدید علی العوامل الدخیلة فی اتخاذ القرار العقلانی الصائب و التی تساعد العقل فی بحثه عن الحقیقة و کشفه عن الواقع، و أهم تلک العوامل المشورة، و المشورة التی هی عباره عن التفکیر الجمعی، یمکنها ان تحل کثیراً من العقد المستعصیة التی لا یکون العقل الفردی قادراً علی حلها، فبالمشوره ینجبر الی حد کبیر نقص العقل الفردی، و یستحصل بسهولة علی مجموعة من المعلومات و التجارب الغنیة التی حصل علیها الآخرون عبر السنین الطویلة.

5. کثیراً ما یحصل ان یبقی الانسان بعد التفکیر و المشورة، فی الشک و التردید و الحیرة أیضاً. و هنا یوصی کل من العقل و الشرع بمشورة من نوع آخر، المشورة مع العقل اللانهائی و العلیم المطلق بامور الکون، انه المطلع علی خیر و شر العباد و الذی یرید الخیر و الصلاح للجمیع. ان هذا النوع من المشورة هو ما یسمی فی الثقافة الاسلامیة به (الاستخارة)، فالاستخارة تعنی طلب أفضل الأمرین، الخیار الافضل، طلب الخیر[6]. و لهذا السبب فانه کلما کان الصفاء الروحی و الباطنی لشخص المستخیر اکثر کانت درجة الاطمئنان بالاستخارة اکثر و مخالفة استخارته اصعب بل غیر ممکنة.

و للاستخارة معنیان، أحدهما المعنی الحقیقی للاستخارة و هی التی ذکرت فی اخبارنا و روایتنا کثیراً و هو طلب الخیر من الله. و هذا القسم من الاستخارة هو فی الواقع أحد فروع الدعاء و أقسامه. و هذه الاستخارة التی هی الاستخارة المطلقة لا تختص بمورد الشک و التردد فهی فی الواقع طلب من الله تعالی و تفویض الامور الیه فی جمیع الافعال و امور الحیاة. و لذا فقد قال الامام الصادق (ع): «ان الله یقول: من شقاء عبدی ان یعمل الأعمال و لا یتسخیرنی». و بناء علی‌ هذا فانه و طبقاً لروایات کثیرة، فانه لیس هذا النوع من الاستخارة هو لأجل رفع الحیرة و التردد بل هی عمل حسن و مطلوب فی جمیع مراحل العمل.

و المعنی الثانی للاستخارة هو طلب الخیر من الله لرفع الحیرة و التردد و هو ما یختص فی موارد الشک و التردد.

و علی أی حال فان حصلت الاستخارة بعد الصلاة و الدعاء و الطهارة و حضور القلب فهی أفضل بالتأکید لانه ورد ذلک فی آداب استخارة الائمة (ع) انهم أوصوا بذلک.[7]

6. و حول موقع الاستخارة فی ثقافتنا الدینیة، ینبغی القول انه توجد أساساً ثلاثة آراء حول هذا الموضوع:

الف- الرأی القاتل بایکال الأمر الی الاستخارة فقط و اللجوء الیها من دون أدنی تفکر و تعقل و دراسة للقضیة.

ب- و هناک جماعة ینکرون الاستخارة مطلقا لانهم ینهجون المنهج العقلی الصرف.

ج- اما الرأی الثالث فهو مع اقراره بمنزلة العقل و مکانته،‌ و معرفته بمکانة المشورة فانه یفسّر الاستخارة بشکل بحیث تکون هی عین التعقل و فی مسیر التفکر الصحیح،‌ و طبقاً لهذا الرأی فلا یوجود أی مانع و محذور دینی فی الاستخارة، اذ لیس دور الاستخارة سوی تعیین أحد طرفی التردد فهی لا تحلل حراماً و لا توجب ما هو لیس بواجب و لا تغیّر حکماً من احکام الله، بل هی تقول فقط ان خیر صاحب الاستخارة هو فی فعل او ترک أی الامور، و بهذا تنقذه من التردد، اما ما هو أثر فعل او ترک الامر فی المستقبل و ما هی الحوادث التی سوف تتسبب عنه فهو خارج عن عهدة الاستخارة.

7. ان ما قاله الخواجة الشیرازی من انه: (لا حاجة للاستخارة فی عمل الخیر)، فهو کلام صحیح و فی محله. فلا محل للاستخارة فی أصل قضیه الزواج الذی هو من أفعال الخیر و هو من المستحبات المؤکدة، اما فی المورد الخاص و فی انتخابک انت کصهر للعائلة المقصودة فقد یمکن ان یکون هناک شک عند اسرة البنت لسبب أو لآخر و یکون صلاحهم فی ترک هذا الزواج، و قد لا تکون الاستخاره هی السبب الاصلی لرفضهم، بل یکون ذلک من الاعذار و الحجج لصرفک عن ذلک. ان أحد الامور التی اوصی الاسلام بها فی امر الزواج هی کون کل من الولد و البنت (کفؤاً) لبعضهما البعض، أی انه ینبغی للرجل حینما ینوی الزواج من فتاة أن یلتفت الی الظروف العائلیة و الفکریة و الاقتصادیة و الثقافیة للفتاة و هل هما فی مستوی واحد أو لا؟

فمن المحبّذ ان یکون الولد و البنت فی مستوی واحد حتی لا یواجها مشکلة فی حیاتهم المشترکة لا سمح الله.

من هنا ینبغی علیک ان تبحث عن السبب الاصلی لمخالفتهم لزواجک و احتمل انک لست الصهر المناسب و المرغوب فیه عندهم، و لا تتوفر فیک صفات الصهر الجید، و اذا کنت تعتقد حقاً ان تلک الفتاة یمکنها ان تکون زوجتک المثالیة حاول ان تحصّل الشروط التی یطلبونها فی المستوی المعقول و علی قدر استطاعتک حتی یمکنک الوصول الی امنیتک ان شاء الله.

و نوصیک أیها الاخ العزیز ان تدقق اکثر فی قضیة الزواج و هی بهذه الأهمیة و فی حیاتنا المعاصرة و الجو المسیطر علی الاسر، و حاول ان تختار لحیاتک المستقبلیة الفتاة التی یکون دینک و اخلاقک مهماً بالنسبة الیها و یمکنها أن تنسجم معک فی قبال مشاکل الحیاة و صعوباتها و تشعر بالحب فی الحیاة الی جنبک.



[1] "ما بنی فی الاسلام بناء احب الله عز و جل اعز من التزویج"، مستدرک الوسائل، ج 2، ص 521.

[2] وسائل الشیعة، ج 14، ص 51.

[3] الانفال، 22.

[4] نهج البلاغة، الخطبة، 1.

[5] کل ما حکم به العقل حکم به الشرع و کل ما حکم به الشرع حکم به العقل.

[6] منتهی‌ الارب، کلمة استخارة.

[7] بحار الانوار، ج 91، ص 222؛ وسائل الشیعة، باب الاستخارة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...