Please Wait
10080
لم یقل الإمام علی (ع) أن الرجل أفضل من المرأة عقلاً و مشاعر. و أن ما نقل عن الإمام (ع) فی نهج البلاغة بخصوص النقصان فی عقل المرأة، إن صحت نسبته إلیه فإنه ناظر إلى قضیة خاصة و ما وقع فی (حرب الجمل) و لیس ذلک بحکم کلی یشمل جمیع النساء، کما أن بعض الرجال یقعون مورداً للانتقاد و التأنیب کذلک.
و لا شک فی وجود نساء معدودة من نوابغ عصرها، و أنها تتمتع بقوى عقلیة تفوق الرجال کخدیجة (ع) و فاطمة (ع) و هذا شاهد صدق على ما ندعی.
و هناک احتمالات یمکن أن یُفسر بها قول الإمام فیما یخص المرأة، کأن یکون مراد الإمام العقل العملی و العقل الاجتماعی، لا العقل المعنوی الذی یوجب التقرب من الله تعالى و نیل المراتب المعنویة العلیا، و فی هذا العقل لا وجود للتفاوت و الاختلاف بین الرجل و المرأة. و قد یکون مراد الإمام أن أحاسیس المرأة تغلب عقلها من الناحیة النفسیة و إذا ما فقدت المرأة هذه الخاصیة، فإنها لا تتمکن من أداء وظیفة الأمومة، و إن جعل الرجل فی مقابل المرأة بالنسبة لهذا اللحاظ حیث یتغلب عقله على مشاعره و أحاسیسه، و هذا التفاوت فی نظام الخلق یرجع إلى الحکمة الإلهیة، و إن وجود هذا التفاوت ضروری، فالإمام لم یکن فی مقام ترجیح أحد على الآخر و إنما فی مقام الإخبار عن واقعیة معینة.
قبل أن نعالج أصل السؤال من المفید أن نلتفت إلى بعض النقاط:
1. لا یمکن إنکار الدور الذی تقوم به المرأة و الذی لا بدیل له باعتبارها أماً و شریکة الحیاة بکل تقلباتها و صروفها فی عسرها و یسرها، حتى جعل القرآن إطاعة الوالدین بعد إطاعة الله من دون أن یضع أی فرق بین الأم و الأب، و کذلک کان الرسول الأعظم (ص) یظهر احتراماً کبیراً لخدیجة رضی الله عنها و لابنته فاطمة (ع) و هذه هی الحقیقة التی أکد علیها الإمام الخمینی مؤسس الجمهوریة الإسلامیة حیث یقول: إن التاریخ شاهد على أن رسول الله (ص) کان یکن احتراماً لا حدود له بالنسبة إلى هذا المولود الشریف (فاطمة سلام الله علیها)، و ذلک مما یدل على مکانة المرأة الخاصة فی المجتمع، إذا لم تکن هی الأفضل من الرجل فإنها لا تقل عنه.[1]
2. إن اعتبار التساوی و الوحدة السنخیة بالنسبة للرجل و المرأة هو تفکیر و رؤیا قرآنیة تظهر بوضوح فی آیات القرآن الکریم، فالمرأة فی نظر القرآن خلقت من نفس الجوهر الذی خلق منه الرجل بلحاظ البعد الروحی و الجسمی، و أن کلیهما ینتسبان لجوهر واحد. قال تعالى: «یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمُ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً کَثِیرًا وَ نِسَاءً».[2]
و قال تعالى: «هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا».[3]
و المرأة فی هذه الآیات القرآنیة مساویة للرجل بلحاظ القیمة الإنسانیة، و لیس للرجل أی أفضلیة على المرأة بهذا اللحاظ و أن حقیقة الإنسان تتجلى فی الروح لا فی البدن، و أن إنسانیة الإنسان تتحقق بروحه فقط لا بجسمه، و لا من مجموع روحه و جسمه.[4]
و على هذا الأساس لا ینبغی أن ینظر إلى الجنسین بلحاظ الذکورة و الأنوثة، و إنما بلحاظ الإنسانیة و القیم.
و کذلک فإن المرأة فی نظر القرآن فی مرتبة الرجل، فی استعدادها للتکامل، و أنها قادرة على الترقی فی میدان المعرفة و العمل و فی کل موضع یتحدث فیه القرآن عن الکمالات و القیم السامیة التی ینالها الإنسان، فإنه یضع المرأة إلى جانب الرجل.[5]
و إن القرآن لم یؤکد الوحدة و التساوی بالنسبة للحقیقة الإنسانیة للرجل و المرأة و حسب، و إنما یعتبر هذا الامر من آیات الله و حکمته، و ان هذا الاتحاد سببٌ من أسباب السکن و الأنس و الألفة بین الجنسین.[6]
و على هذا الأساس یعتمد اعتقاد الإمام الخمینی بتساوی حقوق المرأة مع حقوق الرجل، و لذلک یقول فی هذا المورد: لا یوجد أی اختلاف بین المرأة و الرجل من جهة الحقوق الإنسانیة، لأن کل منهما إنسان، و أن المرأة لها حق تقریر مصیرها کما للرجل ذلک، و إذا ما وجد اختلاف ـ فی بعض الأحیان ـ بین حقوق المرأة و الرجل، فلا علاقة لذلک بحیثیتهما الإنسانیة.[7]
3. لا توجد خطبة و لا کلام للإمام علی (ع) یقول فیه أن الرجال أفضل من النساء بلحاظ العقل و الإحساس، و إنما ینسب إلى الإمام (ع) قوله: إن المرأة تفوق الرجل فی جوانبها العاطفیة.
و أما ما ورد عن الإمام علی (ع) فی الخطبة الثمانین من نهج البلاغة بخصوص نقصان عقل المرأة فإنه نص قابل للمناقشة و البحث من جهات عدة:
أ ـ على فرض صحة هذا القول على الإمام علی (ع)، فلابد من القول: ان هذا القول لا یعتبر حکماً مطلقاً و عاماً بالنسبة لجمیع النساء، و الأدلة التاریخیة تشیر إلى أن هذا القول صدر عن الإمام بعد حرب الجمل، و أن الخطبة تعالج ما جرى فی هذه الحرب، و من المعلوم أن عائشة کانت رقماً مؤثراً فی الحرب، و إن طلحة و الزبیر استفادا من مکانتها الاجتماعیة باعتبارها زوجة لرسول الله (ص) فأثارا حرباً مهمة ضد حکومة الإمام علی فی مدینة البصرة، و بعد أن انتصر الإمام على أعدائه و کسر شوکتهم قام خطیباً فأنشأ الخطبة المشار الیها آنفاً فی ذم النساء.[8]
و علیه فمن المسلم أن مراد الإمام یحکی حالة فئة معینة من النساء قدیماً و حدیثاً حیث فاقت العدید منهن الرجال فی رجاحة العقل، فمن یستطیع أن ینکر الدور التاریخی الذی لعبته بعض النساء مثل خدیجة (رض)، و فاطمة (س) و زینب (ع) فی مقارعة الظلم و حمل رایة القیم الإنسانیة و الدینیة، أو یعتقد أن دورهن کان أقل مما قام به الرجال؟!، و علیه فکیف یمکن أن یقال أن کلام الإمام - الذی یظهر منه ذم المرأة - شامل لجنس المرأة و لجمیع النساء؟ إضافة إلى ذلک فإن الإمام علیا (ع) کان یشتکی فی بعض المواطن من ضعف عقول رجال الکوفة و البصرة، و قد صدر منه العدید من موارد التأنیب و الانتقاد فی هذا المجال، و على سبیل المثال قال (ع) فی الخطبة الرابعة عشرة فی نهج البلاغة: «خفت عقولکم و سفهت حلومکم»[9] و قال فی الخطبة الرابعة و الثلاثین: «أفٍ لکم.... فأنتم لا تعقلون».[10]
و فی الخطبة السابعة و التسعین قال: «أیها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم».[11]
و جاء فی الخطبة 131: «النُّفُوسُ الْمُخْتَلِفَةُ ، وَ الْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، وَ الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُم».[12]
و فی کل هذه الخطب یبدو واضحاً أن الإمام یتوجه بالذم إلى الرجال، و یصفهم بخفة العقل و ضعف التفکیر، فی حین أن الکوفة و البصرة قدمتا الکثیر من العلماء و المفکرین إلى العالم الإسلامی.
و بعبارة أخرى، فإن وقائع التاریخ یمکن أن تشکل أرضیة للمدح فی بعض المقاطع الخاصة، و فی بعض الأحیان تشکل أرضیة للذم و التوبیخ.[13]
و بعد مرور الزمن ینتفی الأمران أرضیة المدح و أرضیة الذم[14] و من هنا فإن توجیه الذم إلى النساء فی نهج البلاغة و إلى رجال البصرة و الکوفة قضیة شخصیة.[15]
و الشاهد الآخر هو أن الإمام (ع) نسب نقصان العقل إلى کثیر من الناس، یقول الإمام علی (ع): «إعجاب المرء بنفسه دلیل على ضعف عقله»،[16] و فی هذا الحدیث و غیره من الأحادیث[17] نجد الإمام یعتبر الأنانیة و حب الذات و اتباع الشهوات من عوامل نقصان العقل، و لذلک فلیس من البعید أن یکون نقصان العقل المنسوب إلى النساء من هذا القبیل، و أنه إشارة إلى وجود العوامل السالفة الذکر التی تؤدی إلى نقصان العقل، و أن هذه العوامل لیست ذاتیة و مرکوزة فی فطرة النساء، و إنما یمکن أن تزول من خلال التربیة و التهذیب التی تتلقاها المرأة.
و فی واقع الامر فإن هذا الذم الموجه الى النساء لا علاقة له بأصل الخلقة و الذات، و کذلک الامر بالنسبة إلى الذم الموجه الى الرجال، إضافة إلى ذلک ان مثل هذه الروایات تحمل جانباً تربویاً و تحذیریاً، أی أنها إنذار و تحذیر للرجال من أن یستسلموا لأوامر النساء و طلباتهن المتنوعة الکثیرة فربما یوقعهم ذلک فی المتاعب الکثیرة و الأضرار المختلفة، و ذلک یتضمن الوصیة للرجال بحفظ قدر من الاستقلال خصوصاً فی الظروف الحساسة و الأوقات المضطربة فی زمن الحروب و الفتن، فإن اتباع النساء فیها یوجب الوهن و الفشل، و هذا الظرف نجده ظاهراً بقوة فی زمان الإمام علی (ع).[18]
ب ـ و باعتبار آخر یمکننا أن نقول أن العقل على نوعین:
1ـ العقل الاجتماعی.
2ـ العقل القیمی المعنوی.
و من الممکن أن یکون مراد الإمام (ع) فی ترجیح عقول الرجال على عقول النساء بالنسبة إلى العقل الاجتماعی لا العقل المعنوی. بعبارة أخرى، ان الأفضلیة ناشئة عن الاختلاف الموجود بین المرأة و الرجل، و ذلک بلحاظ العقل الاجتماعی التدبیری، و أما بالنسبة إلى العقل المعنوی الذی یتقرب به الإنسان إلى الله و ینال به الجنة[19]، فلا توجد أفضلیة للرجال على النساء.[20]
ج. و نحن مهما ننکر فلا یمکننا إنکار الحقیقة التالیة و هی وجود الاختلافات العدیدة بین الجنسین على مستوى الروح و البدن، و یغنینا عن ذلک، ذکرها المتکرر فی الکتب المختلفة. و خلاصة جمیع ذلک أن المرأة هی قاعدة وجود الإنسان، و أنه یترعرع فی حجرها و لذلک فقد خلقت جسماً لتتناسب مع الحمل و تربیة الأجیال، کما أنها تنطوی على جانب کبیر من العواطف و المشاعر بلحاظ البعد الروحی.
و لذلک فقد أوکل إلى المرأة مقام الأمومة و تربیة الأولاد و إشاعة الرحمة و المحبة بین أفراد العائلة.[21]
و مع ما ورد فی المقدمة من أنه لا وجود للاختلاف بین المرأة و الرجل بلحاظ القیم الإنسانیة، و لکن بمقتضى طبیعة جنس کل منهما فإن الاختلاف موجود بالنسبة للوظیفة التی یؤدیها کل واحد من الجنسین، لان حکمة الله اقتضت أن یخلق المخلوقات بحسب المسؤولیة و الوظیفة التی یمکن أن یؤدیها فی الکون، و لا استثناء للمرأة و الرجل من هذه القاعدة، فالمرأة و الرجل من بعض الجهات کمثل الجسم و المشاعر و العواطف لا فرق بینهما، فعلاقة المرأة بالعائلة و التوجه اللاشعوری لدیها بالنسبة إلى دفئ العائلة و استقرارها یفوق توجه الرجل، و المرأة أرق قلباً من الرجل، و إن کلام الإمام علی (ع) ناظر إلى هذه الفروق بین الرجل و المرأة، و کأنه یرید أن یقول: إن عواطف المرأة غالبة على عقلها، و إذا لم یکن ذلک فلا تتمکن المرأة من تأدیة وظائفها فی الأمومة و غیرها، و فی المقابل یتغلب عقل الرجل على عواطفه، و هذا الاختلاف الموجود فی نظام الخلق یرجع إلى الحکمة الإلهیة، و إن وجود مثل هذا الاختلاف ضروری، فالإمام لیس فی مقام بیان قیمة أحد الجنسین على حساب الآخر، و إنما هو بصدد بیان واقعیة تکوینیة، و إن العواطف و الأحاسیس و إن کانت مطلوبة و ضروریة فی مکانها إلا أنها لا ینبغی لها أن تکون صاحبة الکلمة الأولى فی المواقف الحساسة و الحرجة.
کل ذلک مبنی على صحة الروایة و ان تلک العبارة قد صدرت من الامام (ع)، و اما مع عدم ثبوتها للامام فتنتفی القضیة من اساسها.
[1] صحیفة النور، ج 14، ص200.
[2] النساء، 1.
[3] الأعراف، 189.
[4] جوادی آملی، عبد الله، المرأة فی مرآة الجلال و الجمال، ص 76.
[5] الأحزاب، 35، آل عمران، 195.
[6] الروم، 21.
[7] صحیفة النور، ج 3، ص 49.
[8] معادیخواه، عبدالمجید، الشمس التی لا تغرب (ترجمة نهج البلاغة)، الخطبة 79.
[9] نهجالبلاغة، ص 57،
[10] نهجالبلاغة، ص 78، من خطبة له ع فی استنفار الناس إلى أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج.
[11] نهجالبلاغة، ص 142، الخطبة97، فی أصحابه و أصحاب رسول اللّه .
[12] «أیتها النفوس المختلفة و القلوب المشتتة، الشاهدة أبدانهم و الغائبة عنهم عقولهم...».
[13] نفس المصدر.
[14] جوادی آملی، عبد الله، المرأة فی مرآة الجلال و الجمال، ص 368، 369.
[15] معادی خوه، عبد المجید، الشمس التی لا تغرب، خ13و 14.
[16] الکافی ج1، ص27، ح31، کتاب العقل و الجهل...
[17] مثل: «إعجاب المرء بنفسه حمق»، شرح غرر الحکم و درر الحکم، ج 1، ص 311.
[18] انظر: المرأة فی مرآة الجلال و الجمال، آیة الله جوادی آملی.
[19] أصول الکافی، ج 1، کتاب العقل و الجهل، باب1، حدیث 3، ص11، (العقل ما عبد الرحمن والکتب به الجنان).
[20] جوادی آملی، عبد الله، المرأة فی مرآة الجلال و الجمال، ص 268، 369.
[21] انظر: التفسیر الأمثل، ج 2، ص 164.