Please Wait
9712
استدل الفقهاء على عدم جواز تقليد المجتهد الميت بأدلة مذكورة في الكتب الفقهية المفصلة لمن يرغب في الإطلاع عليها. لكن يمكن طرح السؤال بصورة أخری و هي: ما فائدة هذا الحكم أو ما فلسفته في رأي هؤلاء الفقهاء؟
في الجواب عن هذا السؤال نشير إلى عدة نقاط:
1ـ إن بقاء بقاء الحوزات العلمية و الدينية و تطوّرها رهن بفتح باب الاجتهاد و استمرارية البحث و التدريس و التحقيق و قد يكون لتقليد الميت الدور في تقليل الدافع في البحث و الدراسة.
2ـ صحيح ان العلماء الماضين قد اجابوا عن كثير من المسائل و المشاكل الفقهية المستعصيته في عصرهم، و لكن بقي الكثير من المسائل يجب أن يجيب عنها العلماء الأحياء.
3ـ يواجه مسلموا العالم في كل يوم في حياتهم الشخصية و الإجتماعية و في أمورهم الداخلية و الخارجية مسائل جديدة، لا يعرفون حكمها الشرعي، فيجب على الفقهاء الأحياء بيان تكليفهم فيها.
4ـ كثير من المسائل و المواضيع في حال تغيير و تبدل و المجتهد الحي هو الذي يمكنه الإنتباه إلى تغيير الموضوع تبعاً لشرائط الزمان و المكان و توجيه الحكم اللازم له.
5ـ تطوّر العلوم الإسلامية يساير تطوّر العلوم الأخرى.
هناك من الفقهاء الشيعة[1] ممن لا يجوّزون تقليد الميت ابتداءً وافتوا بعدم صحة تقليد الميت ابتداء و إن جاز البقاء على تقليده؛ يعني ان المكلف لا يجوز له تقليد المجتهد الميت إبتداء و لكن لو كان قد قلده و هو حي ثم مات المجتهد جاز له البقاء على تقليد بشروط خاصة ذكروها في رسائلهم العلمية.
أما السبب الداعي لهذا الحكم و حصر صحة التقليد بالمجتهد الحي و اعتبار الحياة أحدي شروط مرجع التقليد، فهذه المسألة تستند الى أدلتها الفقهية الخاصة التي يمكن الاطلاع عليها في الكتب المصنفة الخاصة بالابحاث الفقهية الاستدلالية المعمقة و التي لا يسع المجال للتعرض لها هنا.
لكن يمكن صياغة ما جاء في السؤال بصورة أخرى و هي الفائدة المترتبة على هذا الحكم عند هؤلاء الاعلام من الفقهاء و ما فلسفته؟
و يمكن الاشارة هنا إلى بعض فوائد هذا الحكم الإسلامي:
1ـ هذه النظرية تساعد على حيوية الحوزات العلمية الدينية و رونقها و تطوّرها المتزايد. فطبقاً لهذه النظرية يبقى طريق الإجتهاد مفتوحاً، و بهذا تزود الحوزات دائما بعدد من الفقهاء و المجتهدين القادرين على استمرارية المسيرة العلمية و تطورها.
2ـ كثير من المسائل و المجهولات و المشاكل الماضية قد انحلت عن طريق علماء ذلك الزمان، لكن بقيت كثير من المسائل التي يجب أن يجاب عنها من قبل العلماء الاحياء. بل حتى المسائل التي حلها و معالجتها سابقاً يمكن أن يعاد النظر فيها و طرح معالجات اكثر انسجاما مع الادلة و مع الواقع الموضوعي و تكون أكثر جدوائة.
3ـ لما كانت الحوزات العلمية تهتم بتدريس و تعليم العلوم الإسلامية كالفلسفة و الفقه و الأصول و ... فلابد أن تكون تلك الدراسة مواكبة لتطور العلوم الاخرى و ليس من الصحيح تطور العلوم الاخرى و بقاء العلوم الاسلامية جامدة تعيش داخل شرنقتها الخاصة بها.
4ـ يواجه المسلمون كل يوم مسائل جديدة في حياتهم الشخصية و الإجتماعية و في أمورهم الداخلية و الخارجية، و لا يمكن بيان تكليفهم فيها إلا عن طريق الفقيه العالم بامور زمانه. و أساساً هذا هو سرّ رجوعهم للمجتهدين حسبما جاء في الروايات، فعن الإمام الحجة ـ عج ـ: "و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثاً ..."[2]
و "الحوادث الواقعة" هي المسائل الجديدة المستحدثة التي تتجدّد عصراً بعد عصر و قرناً بعد قرن و سنة بعد سنة، بل يوماً بعد يوم و الفقيه الحي الخبير بالزمان هو الذي يمكنه الإجابة عن هذه المسائل.
و هذه القضية واضحة المعالم لمن يطالع الكتب الفقهية حيث يرى الكم الهائل من المسائل الجديدة التي تدخل إلى الفقه تدريجاً حسب حاجات الناس و قد أُجيب عن الكثير منها من قبل الفقهاء، و بهذه المسائل يتطور علم الفقه عبر السنين و الاعوام و بيد فقهاء العصور المختلفة.
5ـ كثير من المواضيع التي ظهرت في الأزمنة الماضية قد تبدّلت و تغيّرت إلى مواضيع أخرى و ليس لها إلا المجتهد الحي يمكنه استنباط حكمها من الأدلة (الآيات و الأحاديث) و بيانها.[3]
[1] برأينا اولاً: يجوز تقليد الميت ابتداءً، بل يجب ذلك أذا كان الميت اعلم من الحي. ثانياً: في الأمور الإجتماعية يجب تقليد القائد لا غير و في غيرها يجوز تقليد غيره.
[2] الإحتجاج الطبرسي، ج 2، ص 283.
[3] لمزيد من الإطلاع، يراجع: عشر مقالات للاستاذ الشهيد مطهري (ره)، مقالة أصل الإجتهاد في الإسلام.