بحث متقدم
الزيارة
8552
محدثة عن: 2009/11/16
خلاصة السؤال
ما هي الصورة التي عليها وجوه اصحاب النار؟
السؤال
ما هي الصورة التي عليها وجوه اصحاب النار؟
الجواب الإجمالي

تشير آيات القرآن الكريم الى الصفات و الحالات التي يعيشها اصحاب النار مما يقرب لنا الصورة التي هم عليها في تلك الاجواء الصعبة للغاية، من قبيل كونهم حصب جهنم و وقود النار و كون وجوههم كالحة و تكسوهم ثياب من نار، و تبدل جلودهم " كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها" و ذلك للمزيد من العذاب. الا انه رغم ذلك تبقى تلك الوجوه معروفة - الى حد ما- من قبل الاصدقاء و المعارف، و يحصل الخصام و التنافر فيما بينهم " هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ * قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ".

أما الروايات فتؤكد بأن اصحاب النار يصنفون الى طبقات حسبما اقترفوه من الذنوب و المعاصي؛ كما في النبوي الشريف " يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ يُوطَئُونَ حَتَّى يَفْرُغَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِ خَلْقِهِ".

الجواب التفصيلي

تشير آيات القرآن الكريم الى الصفات و الحالات التي يعيشها اصحاب النار مما يقرب لنا الصورة التي هم عليها في تلك الاجواء الصعبة للغاية، يمكن الاشارة هنا الى بعض الخصائص:

1. إنهم بابدانهم حصب جنهم، و في بعض آيات الذكر الحكم أنهم وقود النار " فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي‏ وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَة" .[1]

2. تكسوهم ثياب من نار "فَالَّذينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَميم‏".[2]

3. من الامور التي تشير اليها آيات الذكر الحكم في وصف وجوههم و ما هم عليه بأن وجوههم  يومئذ كالحة "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فيها كالِحُون‏".[3] و  كلمة «كالح» مشتقّة من «كلوح» على وزن «فعول» بمعنى التعبيس و اكفهرار الوجه. و قد فسّرها عدد كبير من المفسّرين بتقلّص في جلد الوجه بحيث يبقى الثغر مفتوحا لا يمكن إغلاق.[4]

كذلك ورد في وصف الكانزين للذهب و الفضة  "وَ الَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها في‏ سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَليمٍ * يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها في‏ نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُم".[5]

4. من الصفات التي يعيشها اصحاب النار عدم فناء الابدان و تبدل الجلود بعد كل عملية احراق تتعرض له و لهيب نار يصيبها "وَ الَّذينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها"[6] و "إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْليهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ".[7]  و یبقون علی  هذه الحالة حتی و هم في أشد انواع العذاب  الذي يقطع الامعاء و يمزق الاحشاء" "سُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُم‏"[8] حتى تصل الحالة بهم الى تمني الموت فلا تستجاب دعوتهم " وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ".[9]

قد لا يتصور الانسان في سالف الايام هذه الحالة من العذاب فلا يستوعب العقل البشري اعادة الشيء بعد تعرضه للدمار و التغير بسبب العوارض الخارجية كالحرارة و غيرها، و لكن القضية اصبحت اليوم من الامور سهلة التصور بعد أن تمكن الانسان بقدراته المحدودة و من خلال التقنيات الحديثة من ترميم و حفظ الاشياء بعد تمزقها و تغيرها.

5. من هنا تبقى تلك الوجوه معروفة - الى حد ما- من قبل الاصدقاء و المعارف، حتى تجد الخصام و التنافر فيما بينهم "هذا وَ إِنَّ لِلطَّاغينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ * هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَميمٌ وَ غَسَّاقٌ * وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ * هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ * قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ* قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ ".[10] بل تراهم يتعجبون لعدم مشاهدة طائفة من الناس كانوا يظنون أنهم من الاشرار " وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى‏ رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرار".[11] بل القرآن الكريم صريح في كون اصحاب الجنة ينظرون أحيانا الى اصحاب النار و يرون اصدقائهم ممن كان نصيبه النار " قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لي‏ قَرينٌ ....فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في‏ سَواءِ الْجَحيم"[12]، بل يقع بينهم حوار و نقاش " إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمينِ * في‏ جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمينَ * ما سَلَكَكُمْ في‏ سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ... ".[13]

و الجدير بالذكر أن الروايات تؤكد بأن اصحاب النار يصنفون الى طبقات حسبما اقترفوه من الذنوب و المعاصي؛ كما في النبوي الشريف " يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي خَلْقِ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ يُوطَئُونَ حَتَّى يَفْرُغَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِ خَلْقِهِ ثُمَّ يُسْلَكُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ خَبَالٍ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّار".[14]

هذه إطلالة على بعض الآيات و الروايات التي يمكن أن يستشف منها ما عليه اصحاب النار و الصورة التي يمكن تجسيمها لهم و هم في أجواء العذاب، نسأل الله تعالى لنا و لكم العافية من العذاب و الفوز بالجنة و الرحمة الالهية.

 


[1] البقرة، 24، وا لتحريم، 6.

[2] الحج« 19.

[3] المؤمنون، 104.

[4] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 518، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ؛ و انظر: تفسير القرطبي، و تفسير الفخر الرازي، و تفسير مجمع البيان، و تفسير الميزان، الآيات موضع البحث

[5] التوبة، 24-25.

[6] فاطر، 36.

[7] النساء، 56.

[8] محمد، 15.

[9] الزخرف، 77.

[10] ص، 55-61.

[11] ص، 62.

[12] الصافات، 51-55.

[13]  المدثر، 39- 46.

[14] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 15، ص 378، ح 20795، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 ق.

 

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113226 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...