بحث متقدم
الزيارة
6582
محدثة عن: 2011/10/16
خلاصة السؤال
هل أن معرفة دور الله تعالى و تأثیره فی حیاة الانسان تتوقف على معرفة سلوکیاتنا و مدى اقترابها من الله تعالى؟
السؤال
هل أن معرفة دور الله تعالى و تأثیره فی حیاة الانسان تتوقف على معرفة سلوکیاتنا و مدى اقترابها منه تعالى؟
الجواب الإجمالي

إن لله تعالى فی حیاة الانسان اثره الواضح و الذی یتجلى فی الایمان الشخصی و الذی یتمظهر فی سلوک الفرد؛ فمن آمن بوجود الله یجعل من سلوکه سلوکاً ایمانیا یتجنب فیه الکثیر من التصرفات الذمیمة کالتملق، الکذب، الخداع و الریاء و....

هذا هو الجانب و البعد الفردی المتمثل فی علاقة الانسان بربّه، و أما البعد الثانی فهو دور الله تعالى و أثره فی حیاة الانسان الاجتماعیة، فاذا کانت المجتمع إیمانیاً و کانت تحکمه القیم الالهیة الرفعیة، فحینئذ تتغیر القضیة و تحدث حالة جدیدة لا یمکن المقارنة بینها و بین ما اذا کان القضیة فردیة محضة، فللایمان الجمعی دوره الکبیر و أثاره العظیمة على المستویین الفردی و الجماعی معاً.

و هذا فی الواقع یعد معیاراً مهماً و میزاناً جیداً لمعرفة مدى کون المجتمع دینیاً و قیمیاً. و من هنا لابد من طرح الکثیر من التساؤلات لنرى مدى نجاح ذلک المجتمع الذی یدار إدارة دینیة، من قبیل: هل انتشر الوعی الدینی و الایمانی فی المجتمع؟ و ما مدى رسوخه؟ و هل تعمقت المعرفة الدینیة فی الوسط الاجتماعی؟ و هل انعکس ذلک على سلوکیات الناس ایجاباً؟ و ما هو میزان الصدق فی المجتمع؟ هل تعزز الاخلاص لدى الجماهیر؟ و ....

فان کان الجواب بالایجاب فی کل تلک التساؤلات فسیکون ذلک شاخصاً مهما على النجاح، و مع عدم النجاح فی تلک الامور او فی بعضها تکون النتیجة سلبیة فلابد من مراجعة حساباتنا لنرى این یکمن الخلل.

اذن للایمان بالله تعالى اثره الواضح على المستویین الفردی و الاجتماعی الا انه لا یمکن المقارنة بین المستویین بحال من الاحوال لان تأثیره فی البعد الاجتماعی اکبر و أهم من البعد الفردی.

الجواب التفصيلي

إن سلوک الانسان یمثل المرآة العاکسة لایمانه، و لکن لیس من الضروری أن تعکس إیمانه دائما فقد یکون الانسان ذا علم وفیر بالمصطلحات و القواعد الا أن علمه لا یعکس ایمانه بالله تعالى، و قد اشار المرحوم آیة الله العظمى بهجة الى قصة تؤکد هذا المعنى حیث قال: کان هناک احد الاساتذة المتبحرین فی علم الفلسفة و بالخصوص فی کتاب الاسفار الاربعة المعروف بقیمته العلمیة فی الاوساط الفلسفیة، حیث کان استاذا فی هذه المادة، و مما لاریب فیه أن من یتمکن من تدریس الاسفار یکون قد ارتقى الى درجه عالیة من الفهم الفلسفی والوعی العقلی، و لکن مع ذلک أتانی (و الکلام ما زال للشیخ بهجة) ذلک الرجل (الاستاذ) یوما و قال لی بانه شاک فی وجود الله تعالى!!! و لم تمر الا فترة یسیرة حتى رحل ذلک الرجل من الدنیا.

و لا نعلم هل رحل و هو مؤمن بالله تعالى او شاک بوجوده!! فالقضیة لیست تجمیع اصطلاحات و لا معرفة کم وافر من القواعد، و لیست تلک الامور انعکاساً للحالة الایمانیة عند الانسان.

و فی المقابل تجد انسانا یعد أمیّاً من الناحیة الابجدیة لکنه یحمل نفسا تنطوی على إیمان راسخ و فهم عمیق بالله تعالى و هذا ما شاهدناه فی حیاتنا حیث رأینا اشخاصا من هذا القبیل و عندما دعو الله تعالى نطقوا بکلمات لا ینطق بها الا کبار العارفین کالسید العارف آیة الله العظمى بهاء الدینی (ره) و آیة الله بهجة (ره). إذن قد یأتی الرجل من القرى و الاریاف و من خلف الجبال لم یتمکن من القراءة و الکتابة و لکنه یحمل روحاً ایمانیة لا یحملها استاذ الاسفار الاربعة. فالایمان غیر العلم.

نعم، هناک من جمع بین الایمان و العلم على حد سواء کالسید بهاء الدینی الذی کان عالماً، عارفاً، فقیهاً، و مؤمناً إیماناً راسخاً، و کان صاحب کرامات!! و لقد کان یحضر لدیه الکثیر من المؤمنین العارفین فیجلسون بین یدیه جلسة التلمیذ الصغیر أمام استاذه، و مع ذلک کله لم یخرج الرجل عن طوره و کان یرتقی فی ایمانه یوما بعد یوم لانه کان یجمع بین العلم و الایمان و العمل على حد سواء.

فعلى کل حال الباب مفتوح أمام الجمیع للوصول الى هذه المرتبة الایمانیة؛ و ما علینا الا دراسة حیاة الانبیاء و الائمة (ع) الذین وصلوا الى قمة الکمال مع کونهم بشراً "قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُوحى‏ إِلَی‏"[1] فارتقى شیئا فشیئاً حتى وصل الى مرتبة تلقی الوحی الالهی، و لقد سار الانبیاء و الائمة (ع) فی طریق طلبوا منا متابعتهم فیه و السیر على هداهم فهم الاسوة و هم القدوة لنا "لَقَدْ کانَ لَکُمْ فی‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَکَرَ اللَّهَ کَثیراً".[2] فیجب علینا الالتزام بهدیهم و الاقتداء بهم.

بطبیعة الحال أن تلک الاستنتاجات شخصیة، و ان الله تعالى فی حیاة الانسان تارة یتجلى فی الایمان الشخصی و الذی یتمظهر فی سلوک الفرد؛ فمن آمن بوجود الله یجعل من سلوکه سلوکاً ایمانیا یتجنب فیه الکثیر من التصرفات الذمیمة کالتملق، الکذب، الخداع و الریاء و... ولکن عندما نجد تلک السلوکیات موجودة فی المجتمع فهذا یعکس الخلل فی البعد الایمانی. و لاریب أن للایمان مراتب و مراحل متفاوتة یجب على الانسان السعی و المثابرة لتحصیلها کاملة أو بعضها على أقل تقدیر، و لابد ان یمتلک الانسان العزم الراسخ فی سیره المعنوی فان لم یمتلک ذلک العزم لا تتحق الحرکة قطعاً.

هذا هو الجانب و البعد الفردی المتمثل فی علاقة الانسان بربّه، و أما البعد الثانی فهو دور الله تعالى و أثره فی حیاة الانسان، فاذا کانت المجتمع إیمانیاً و کانت تحکمه القیم الالهیة الرفعیة، فحینئذ تتغیر القضیة و تحدث حالة جدیدة لا یمکن المقارنة بینها و بین ما اذا کان القضیة فردیة محضة، فللایمان الجمعی دوره الکبیر و أثاره العظیمة على المستویین الفردی و الجماعی؛ و من هنا ندرک فلسفة الحدیث القائل " لَمْ یُنَادَ بِشَیْ‏ءٍ مَا نُودِیَ بِالْوَلَایَةِ".[3] بمعنى أنه اذا کان الولایة فی المجتمع ولایة إلهیة وکان المجتمع یدار على اساس المعارف و الاحکام الالهیة فحینئذ یکون للصلاة و الصوم و الحج و الزکاة الفردیة معنى آخر، فتحدث فیه روح أخرى.

و هکذا الکلام فی ادارة المجتمع عندما تکون الهیة فحینئذ تتفاوت المسؤولیات و المراتب من قمة الهرم الى اسفل القاعدة حیث لکل منهم تکلیفه و مسؤولیاته الخاصة، فلو فرضنا لاسامح الله حدوث خلل سلوکی فی قمة الهرم و القیادة فسیؤثر ذلک على القاعدة فیحدث فیها اهتزازا و تزلزلا کبیراً، و لا یصح العکس فان انحراف القاعدة و اختلال سلوکیات بعض الافراد لا تنسحب على القیادة و قمة الهرم غالباً. و من هنا نعرف معنى اشتراط العصمة فی القیادة أو على اقل تقدیر ان تکون سائرة فی طریق المعصومین و متوفرة على صفة الفقاهة و العدالة. و لاریب ان المجتمع الذی تکون قیادته قیادة الهیة و مدیریته ربانیة تتوفر له فرصة الارتقاء و التکامل لم تتوفر لسائر المجتمعات الاخرى غیر الالهیة، و هذا فی الواقع معیار مهم و میزان لمعرفة مدى کون المجتمع دینیاً و قیمیاً. و من هنا لابد من طرح الکثیر من التساؤلات لنرى مدى نجاح ذلک المجتمع، من قبیل: هل انتشر الوعی الدینی و الایمانی فی المجتمع؟ و ما مدى رسوخه؟ و هل تعمقت المعرفة الدینیة فی الوسط الاجتماعی؟ و هل انعکس ذلک على سلوکیات الناس ایجاباً؟ و ما هو میزان الصدق فی المجتمع؟ هل تعزز الاخلاص لدى الجماهیر؟

فان کان الجواب بالایجاب فی کل تلک التساؤلات یکون ذلک شاخصا مهما على النجاح، و مع عدم النجاح فی تلک الامور او فی بعضها تکون النتیجة سلبیة فلا بد من الرجوع الى معرفة الخلل فی ذواتنا و سلوکیاتنا لنرى مکامن الخلل فیها، فالقضیة فی الحقیقة تحتاج الى مراجعة و نقد للذات على جمیع المستویات الفردیة و الاجتماعیة.



[1]الکهف، 110، فصلت، 6.

[2]الاحزاب، 21؛ الممتحنة، 4 و6.

[3] الکلینی، الکافی، ج 2، ص 21، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279456 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257312 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128181 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113291 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89015 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59867 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59574 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56875 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49802 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47182 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...