Please Wait
9822
لا یعتقد الشیعة بعصمة غیر الانبیاء و اوصیاء الانبیاء بالعصمة المصطلحة (و هی الاجتناب عن کل اشکال السهو و النسیان و العصیان طیلة العمر فی مراحل فهم و ابلاغ و تنفیذ أوامر الوحی و الدین الإلهی) و ان کان یمکن لغیر الأنبیاء و الأوصیاء أیضاً أن یرتقوا إلی مقام الانسانیة الرفیع و یفوزوا بقبس من الولایة الإلهیة و العصمة النسبیة کالتی وصل إلیها بعض أبناء الأئمة کأمثال العقیلة زینب(ع) و علی بن جعفر الصادق(ع) و فاطمة المعصومة بنت موسی بن جعفر(ع) و غیرهم... و کذلک بعض أجلّة العلماء.
و علی هذا الأساس، فانه لم یتصف بالعصمة (بمعناها الرفیع) أحد من امهات الأئمة(ع) غیر الصدیقة فاطمة الزهراء(س) و التی هی أحد العترة و أهل البیت(ع)، خصوصاً اذا اخذنا بعین الاعتبار ان بعض امهات الائمة من سبایا الحروب فلم یکنّ مسلمات أساساً، بل و لا موحّدات فی شطر فی عمرهنّ قبل الأسر و التشّرف بالانتماء إلی بیت الوحی و الرسالة.
و من جملة هؤلاء النسوة ـ بناء علی النقول التاریخیة ـ ام الامام المهدی(ع) فهی لم تکن معصومة بذلک المعنی المصطلح و لیس مقامها بدرجة مقام اهل البیت(ع) لکنها تربّت و تطّهرت فی بیت الإمام(ع) و نالت الاستعداد اللازم لأن تکون امّاً لمنقذ البشریة، و کانت فی منتهی الورع و الخلوص فی إیام حملها و أرضاعها و تربیتها لموعود البشریة، رزقنا الله رؤیتها و شفاعتها ان شاء الله.
العصمة لغةً: بمعنی الحفظ و المصونیة، و اصطلاحاً: بمعنی الحفظ و المصونیة عن الخطأ و الزلل و الذنوب . و هذه المصونیة عن الخطأ و العصیان علی نحوین:
1 ـ مصونیة و عصمة مطلقة فی جمیع مراحل العمر (من الولادة إلی الوفاة) عن کل سهو و نسیان و عصیان و خطأ فی تلّقی و تعلیم و تنفیذ الدین الإلهی. و هذا أمر قد ثبت و تحقق للانبیاء و الأئمة(ع) فقط، و لانملک دلیلا علی تحققه لغیرهم (عدا الملائکة)[1]
و اما العصمة النسبیة فهی قابلة للقوة و الضعف و تختلف من فرد لآخر،و هی قد تحصل بدرجة ما علی اثر الریاضات و المجاهدات و العبادة و التهجّد المستمر و هذه الأعمال بدورها أیضاً تساهم فی حفظ العصمة و دیمومتها ولکن من دون ضمانة علی حفظها إلی آخر العمر، و علی هذا فیمکن نسبة العصمة النسبیة علی اختلاف مراتبها إلی غیر الانبیاء و الأئمة و یطلق علیها ملکة العدالة حیث تعنی عدم صدور الکبائر و الزلل العمدی.
لاتعتقد الشیعة بالعصمة المطلقة لأی شخص عدا الانبیاء و اهل البیت (الزهراء و اثنا عشر إماماً علیهم السلام) و مع ذلک فهی تکنّ کمال الاحترام لأولاد الأئمة و المنتسبین للمعصومین و کذلک لأجلاء العلماء و الفضلاء و لا تسمح بنسبة أی ذنب او عمل مخلّ لهم. و علیه فنفی العصمة المطلقة عن شخصٍ لیس بمعنی اتهامه او نسبة الذنب إلیه . و کذلک الحال بالنسبة لامهات الائمة و أخواتهم و باقی إخوانهم، فانهم لا یوصفون بالعصمة بمعناها العالی کما انه لا ینسب إلیهم العصیان او الطغیان أیضاً، و یسری هذا الأمر علی امهات الإئمة و منهم ام الامام المهدی(عج) فانه بناء علی النقول التاریخیة انها کانت أمة اسمها ملیکة (صیقل) بنت یشوعا بن قیصر الروم و امها من أحفاد شمعون بن حمون بن صفا وصیّ عیسی (ع)، و کان الامام الهادی(ع) قد اشتراها ـ کسبیّة ـ لابنه الامام الحسن العسکری(ع) ـ و فی روایة اخری (انها کانت و صیفة فی بیت حکیمة بنت علی الهادی(ع) فأهدتها إلی أخیها) و علی أی حال فانها لم تکن فی شطر من حیاتها مسلمة، فقد أسلمت بعد أسرها و دخولها الی بیت الوصی و الرسالة حیث تطّهرت من إرجاس الشرک و تلّقت التربیة الاسلامیّة بحیث اصبحت جدیرةً بکونها زوجة الامام المعصوم و حمل و ولادة معصوم آخر، و کذلک کانت سیرة بعض امهات الأئمة الآخرین إیضاً .[2]
و فی ذات الوقت لا شک فی ان کون امراة ما امّاً للامام المعصوم یتطلب استعداداً خاصاً و لیاقة و افرة فهو مقام و امتیاز رفیع بل ان من خصائص الأئمة هو طهارة رحم الامهات و لذا نقرأ فی زیارة المعصومین و نشهد بإنه: (لم تزالوا بعین الله ینسخکم من اصلاب کل مطهر و ینقلکم من ارحام المطهرات، لم تدنسکم الجاهلیة الجهلاء و لم تشرک فیکم فتن الأهواء، طبتم و طاب منبتکم)[3]
و ورد فی الزیارة المخصوصة لام الامام المهدی(ع) فی سامراء: (السلام علی والدة الامام و المودعة اسرار الملک العلاّم و الحاملة لأشرف الإنام، السلام علیک ایتها الصدیّقة المرضیّة ... السلام علیک ایتها التقیة النقیة ... أشهد انک أحسنت الکفالة و أدیت الأمانة ... فرضی الله عنک و ارضاک و جعل الجنة منزلک ومأواک فقد أولاک من الخیرات ما أولاک و أعطاک من الشرف ما به أغناک فهنّاک الله بما منحک من الکرامة و أمراک)[4]
و النتیجة هی ان والدة الامام الحجة(عج) لیست معصومة بالعصمة المصطلحة للمعصومین الاربعة عشر، لکنها اتصفت بالعصمة النسبیة بعد دخولها بیت المعصوم(ع) (الامام الحسن العسکری(ع)) لکی تکون جدیرة و لها القابلیة لحمل المعصوم و إرضاعه و کفالته و امتازت بهذا الشرف عن باقی النساء و لها مقام و احترام خاص من قبل الشیعة و أئمتهم(ع).
لمزید الاطلاع انظرالمصادر التالیة:
1-مصباح الیزدی، محمد تقی، معارف القرآن ج 4، 5 ص 147 ـ 212 .
2- مصباح الیزدی، محمد تقی، دروس فی العقیدة الاسلامیة ج 1، ص 232 – 260.
3- القمی، الشیخ عباسی، مفاتیح الجنان.
4-القمی، الشیخ عباسی، منتهی الآمال ص 940 و 1044 الی 1050.
یراجع ـ مواضیع مشابهة: سوال 71 و 72 و سوال 305 و سوال 128.
الهوامش
[1] . انظر مصباح الیزدی، محمد تقی، معارف القرآن ج 4، 5 ص 147 ـ 212 و. دروس فی العقیدة الاسلامیة ج 1، ص 232 – 260.الدرس رقم :24-26.
[2] . القمی، الشیخ عباس، منتهی الآمال ص 1044 – 1050 و ص 940 و ...
[3] . القمی، الشیخ عباس مفاتیح الجنان،زیارة ائمة البقیع علیهم السلام وکذلک سائر الائمة.
[4] . نفس المصدر، زیادة والدة القائم(عج)