بحث متقدم
الزيارة
6545
محدثة عن: 2008/04/13
خلاصة السؤال
هل یعتبر اختلاف المراجع من نوع الاختلاف المنهی عنه شرعاً؟
السؤال
ألیس الاختلاف فی فتاوی المراجع هو من مصادیق الاختلاف الذی نهی عنه أمیر المؤمنین علی (ع) فی الخطبة 18 من نهج البلاغة؟
الجواب الإجمالي

یعتقد بعض المحققین بان الخطبة 18 من نهج البلاعة هی جزء من الخطبة 17 و قد انفصلت عنها فی کلام السید الرضی (ره) فجاءت بشکل خطبة مستقلة. و بالطبع فان مضمونها و محتواها یشهد على ذلک أیضاً، لان الخطبة 17 تحدثت عن قضاة السوء الذین یسببون بقضائهم الباطل المخاطرة بارواح الناس و اموالهم مما یؤدی الی الفساد فی المجتمع.

و فی الخطبة 18 أیضاً جاء الکلام عن القضاة الذین یستندون فی قضائهم بین الناس الی أدلة واهیة لا اساس لها؛ مثل القیاس و الاستحسان و الرأی و یعتبرون ذلک هو حکم الله.

ثم یقوم الامام (ع) - عن طریق بیان احتمالات مختلفة لاختلاف آراء القضاة ـ بابطال نظریة التصویب و بیّن بطلانها بتحلیل دقیق جداً و استدلال منطقی.

و فی الختام یذکر الامام (ع) ان طریق الوصول الی الحق هو الرجوع الی القرآن، ثم یبین بعض الامور المرتبطة بذلک. بناء علی هذا، فان هذه الخطبة بمطالبها العمیقة و الدقیقة لا علاقة لها برفض اجتهاد فقهاء الشیعة الذی یعد أحد مصادره الاصلیة هو القرآن،بل ان هذه الخطبة تؤید هذا الاسلوب.

الجواب التفصيلي

یعتقد بعض المحققین بان الخطبة 18 من نهج البلاغة هی جزء من الخطبة 17 و قد انفصلت عنها فی کلام السید الرضی (ره)، و یشهد مضمونها و محتواها أیضا بذلک، لان الخطبة 17 فیها کلام عن قضاة السوء الذین یسببون بقضائهم الباطل المخاطرة بارواح الناس و أموالهم و أعراضهم مما یؤدی الی کثیر من المفاسد الاجتماعیة.

و فی الخطبة 18 أیضاً فان کلام أمیر المؤمنین علی (ع) حول القضاة الذین یستندون إلی أدلة واهیة لا اساس لها؛ مثل القیاس و الاستحسان و الرأی فی قضائهم بین الناس و یعتبرون ذلک هو حکم الله.

یبتدأ أمیر المؤمنین (ع) خطبته هکذا: «ترد علی أحدهم القضیة فی حکم من الاحکام فیحکم فیها برأیه، ثم ترد تلک القضیة بعینها علی غیره فیحکم فیها بخلافه، ثم یجتمع القضاة بذل ک عند الامام الذی استقضاهم فیصوب آراءهم جمیعاً». [1]

قد یتعجب الکثیرون من هذه المسألة و هی أن یعتبر البعض ان جمیع الاحکام المتناقضة مع بعضها هی کلها صحیحة و هی حکم الله. لکنها مسألة واقعیة حیث ان مجموعة من المسلمین من أهل السنة یعتقدون بهذه العقیدة (التصویب) [2] ، و بالطبع فان هؤلاء قد ضیقوا علی أنفسهم بحیث صاروا مجبرین علی قبول عقیدة التصویب.

و یرد أمیر المؤمنین علی (ع) علی هذا التفکیر الخاطئ و یقول: «و إلههم واحد، و نبیهم واحد و کتابهم واحد»!

و بلا شک فانه یصدر من الاله الواحد فی مسألة معینة حکم واحد، لانه عالم بکل الحقائق و یعلم بتفاصیل کل شیء، فهو لا یخطیء و لیس للنسیان طریق الی ذاته (القدسیة)، و لا یندم علی شیء و لا أنه بمرور الزمان تنکشف له المجاهیل، فلا یمکن ان یکون الاختلاف من ناحیته. و بالالتفات الی أن نبیهم واحد أیضاً و هو معصوم فی کل الامور «استلام الوحی، ابلاغ الوحی و ...» فهو یبین الحکم الالهی کاملاً من دون نقص، اذن فلیس هو أیضاً منشأ الاختلاف. و القرآن الذی هو قانونهم و دستورهم لم یتطرق الیه أی تغییر او تحریف و لا یوجد أی اختلاف و تضاد فی مضمونه لانه کتاب الله، إذن فلیس الاختلاف من ناحیة کتابهم السماوی. بناء علی هذا، فاختلاف هؤلاء القضاة ناشی من أفکارهم الباطلة. و فی الواقع فان أمیر المؤمنین (ع) یعتبر فی هذه الخطبة ان الاعتقاد بالتصویب و تصحیح الآراء المتناقضة انحرافاً عن أصل التوحید و میلاً الی نوع من الشرک، و یتعرض أمیر المؤمنین (ع) فی القسم الثانی من الخطبة بصورة مفصلة إلی إبطال نظریة التصویب و یذکر عدة احتمالات:

الاحتمال الاول: «أ فامرهم الله سبحانه بالاختلاف فاطاعوه»؟ و هذا الاحتمال باطل یقیناً لان الله الواحد یدعو الی الوحدة دوماً.

الاحتمال الثانی: «أم نهاهم عنه فعصوه»؟ و هذه الاحتمال لیس صحیحاً أیضاً، لان جمیع القضاة یدعون إطاعة الامر الالهی.

الاحتمال الثالث: «أم انزل الله سبحانه دیناً ناقصاً فاستعان بهم علی اتمامه»؟ و هذا لیس صحیحاً أیضاً فکل مسلم یری ان دین الله اکمل الادیان.

الاحتمال الرابع: «أم کانوا شرکاء له فلهم ان یقولوا و علیه ان یرضی»؟ و هذا الاحتمال مردود أیضاً، فلا یوجد مسلم یعتقد بهذا الشر ک بان یعتبر نفسه شریکاً لله.

الاحتمال الخامس: «أم انزل الله سبحانه دیناً تاماً فقصٌر الرسول (ص) عن تبلیغه و أدائه»؟ و هذا الاحتمال مردود أیضاً و لا یظن مسلم ذل ک بالنبی الاکرم (ص).

و فی الحقیقة فان الامام (ع) ببیانه لهذه الاحتمالات الخمسة یغلق الطریق علی الوصول للتصویب و یعلن انه باطل و مرفوض. و بعد ذل ک یذکر الامام (ع) بان طریق الوصول الی الحقیقة هو الرجوع الی القرآن الکریم و آیاته النورانیة، حیث بین فی هذا الکتاب کل شیء و یجب استنباط الاحکام منه بالاستعانة باحادیث النبی الاکرم (ص) و الائمة الطاهرین (ع).

و فی ختام الخطبة یتعرض أمیر المؤمنین (ع) لوصف القرآن المجید بقوله: «و ان القرآن ظاهره أنیق و باطنه عمیق لا تفنی عجائبه و لا تنقضی غرائبه و لا تکشف الظلمات الاّ به».

و بناء علی هذا فان أمیر المؤمنین نهی المسلمین فی هذه الخطبة عن الاعتقاد بالتصویب و حثهم علی الرجوع الی القرآن و الاستعانة به و استنباط الاحکام منه، و فی الحقیقة فان هذه الخطبة هی باتجاه الترغیب فی الاجتهاد المصطلح بین فقهاء الشیعة. [3]

و من الجدیر بالذکر ان آراء الفقهاء بالنسبة للکتاب و سنة النبی الاکرم (ص) علی نحوین:

ألف. بعضهم لا یعتبرون الکتاب و السنة کافیاً و للاجابة عن المسائل الدینیة لجأوا الی مصادر اخری فاختلفوا حول هذه المصادر، فبعضهم قال بالقیاس [4] و الآخر حبّذ المصالح المرسلة و بعضهم ذهب الی امور اخری.

ب. وبعضهم الاخر یعتبرون الکتاب و السنة المصدر الاصلی للدین، فیبذلون قصاری جهدهم من اجل فهم هذه النصوص، [5] و لکن من الطبیعی لا یکون فهم هذه النصوص فهماً واحداً لجمیع الناس، و لهذا یقع الاختلاف فی وجهات النظر. [6]

و من المسلم ان ذم امیر المؤمنین (ع) و لومه لیس موجهاً الی امر طبیعی، بل من الممکن این یکون ناظراً الی بعض الجوانب و من جملتها ما یلی:

ألف. العمل بالرأی فی قبال النص.

ب. عدم سعی القاضی و اهتمامه بالفهم الدقیق للحکم، و بحثه الناقص عن ادلة الحکم.

ج. عدم إعمال الضوابط و القواعد فی فهم کلام الله.

د. مع وجود ائمة أهل البیت (ع) الذین هم المفسرون الحقیقیون للدین یلجأ الی الآخرین و یحرم نفسه من علمهم و بیانهم.

ه. عدم الرجوع الی الکتاب و سنة النبی الاکرم (ص) و استعمال القیاس و الاستحسان و ... ، لکن اختلاف فقهاء الشیعة لیس ناشئاً من الاحتمالات المتقدمة.

و الملاحظة الأخیرة: ان اختلاف الفقهاء فی الاحکام الشرعیة قلیل جداً، لانه لا یوجد اختلاف حول ضروریات الاسلام؛ کالصلاة و الصوم و ... و فی غیر الضروریات و ان امکن اختلاف الآراء و الفتاوی، لکن هذا الاختلاف امر طبیعی و لایکون مورداً للذم. [7]



[1] نهج‏البلاغة، ص 61، 18- و من کلام له (ع) فی ذم اختلاف العلماء فی الفتیا و فیه یذم أهل الرأی و یکل أمر الحکم فی أمور الدین للقرآن ذم أهل الرأی.

[2] التصویب؛ یعنی ان تکون آراء القضاة و المفتین بالرغم من تضادها مع بعضها مطابقة جمیعها للواقع و هی علی طبق الحکم الالهی.

[3] للاطلاع اکثر لاحظ: پیام امام (شرح نهج البلاغة) لآیة الله مکارم الشیرازی و آخرین، ج 1، ص 608 و ما بعدها.

[4] القیاس الفقهی هو نفس التمثیل المنطقی الذی لا یؤدی الی الیقین، بل أقصی ما ینتجه هو الظن.

[5] الفهم الصحیح للنصوص الدینیة یجب أن یکون طبقاً للقواعد و لاجل هذا یلزم مراجعة جمیع المطالب المرتبطة بالموضوع لیتحقق امکان الفهم الصحیح، و علی هذا فمن یسعی لفهم احکام الله علی اساس الادلة الشرعیة المعتبرة و یقع احیاناً خطأ فی هذا المسیر لیس فقط هو لا یستحقق الذم، بل یکون مستحقاً للثواب لسعیه للحصول علی الحکم الالهی.

و قد نقل فی مجامعنا الروائیة عن الائمة المعصومین (ع) بان للمجتهد الذی یصل (عن طریق جهده و سعیه لفهم حکم الله) الی الواقع و الحکم الصحیح أجران (أحدهما سعیه و الاخر لحصوله علی الحکم الصحیح) و اذا لم یصل المجتهد بسعیه و جهده إلی الحکم الواقعی و وقع فی الخطأ فی التطبیق فله أجر واحد و ذلک لسعیه و جهده و فی الواقع یمکن ان نقول ان هناک نوعین من الخطأ:

ألف. الخطأ فی الطریقة و ذلک باعمال الاسالیب غیر المقبولة شرعاً فی استنباط و استخراج حکم الله و لذلک یقع فی الخبط و الاشتباه.

ب. الخطأ فی التطبیق و هو أمر طبیعی و خارج عن اختیار الانسان و یقع بکثرة لغیر المعصومین و الذم انما یتوجه لفعل اختیاری لا لغیر الاختیاری.

[6] لوجود الاخبار المتعارضة فی مصادر الاستنباط من جانب، و من جانب آخر، فان اختلاف المبانی الاصولیة للفقهاء و ... یؤدی بشکل طبیعی إلی اختلاف فتاوی العلماء؛ مثلاً، أحد الفقهاء یری صحة الروایة بینما الآخر لا یراها صحیحة و ... .

[7] للاطلاع اکثر حول العلوم اللازمة للاجتهاد الصحیح لاحظ:

1. مبانی کلام اجتهاد (الاسس الکلامیة للاجتهاد)، للاستاذ هادوی الطهرانی.

2. موضوع: القرآن و الاجتهاد، رقم السؤال 979 (الموقع: ۱۵۸۳).

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...