Please Wait
9771
الغیب یعنی اختفاء شیء عن الحواس و الإدراک، و الشهادة بمعنى الظهور. و الشیء الواحد من الممکن أن یکون غیباً لشخص و مشهوداً لشخص آخر، و الأمر متعلق بحدود الشخص الوجودیة و إحاطته بعالم الوجود. و بما أن إحاطة غیر الله محدودة و إحاطة الله کاملة و شاملة لکل شیء، فالنتیجة هی أن علم الغیب مختص بالله تعالى، و لم یکن سواه عالماً بالغیب، لأنه وحده المحیط بعالم الوجود بشکل کامل، و ما من شیء خارج دائرة وجوده، و لیس من الممکن لشیء - فی دائرة وجوده المحدودة - أن یخفى على الله سبحانه. إذن فهو عالم الغیب و الشهادة، و إن جمیع الأشیاء بالنسبة له هی فی عالم الشهادة، و لم یکن لشیء أو أحد أن یصل إلى هذه المرتبة إطلاقاً.
و أما الآخرون فالأمر بالنسبة لهم یتعلق بمقدار ظرف استیعابهم الوجودی و الإدراکی، فتنکشف لهم بعض الأشیاء و یخفى الکثیر عن حواسهم و مدارکهم، فهم إما على درجة متدنیة من الإطلاع و إما لیس لهم أی إطلاع یذکر.
و من الطبیعی أن اختصاص علم الغیب بالله تعالى لا یمنع من وجود بعض الأشخاص ممن یحضون بالتعلیم الإلهی مع امتلاکهم استعدادات و قابلیات تؤهلهم للحصول على بعض المعارف الغیبیة الخفیة فیرون ما لا یُرى، و یسمعون ما لا یُسمع.
و هذه موهبة من الله إلى المصطفین من عباده أمثال الأنبیاء و الأولیاء، و لذلک نجد الأنبیاء یخبرون عن الوحی و هو أمر غیبی، و إنهم یخبرون عن الأمور الغیبیة فی بعض الأحیان، أو الحوادث المستقبلیة فتقع کما یخبرون عنها بالدقة.
و بالالتفات إلى ما تقدم بیانه یمکن أن یحل التعارض الظاهری بین الآیات و الروایات التی تجعل علم الغیب مختصاً بالله وحده و الآیات و الروایات التی تشیر إلى أن الأنبیاء و الأئمة و الأولیاء یعلمون الغیب، و ذلک من خلال التوضیح التالی:
1. اختصاص علم الغیب بالله بصورة ذاتیة استقلالیة، و هذا لا یتنافى مع معرفة الغیب بصورة تبعیة اعتماداً على اللطف و العنایة الإلهیة من خلال التعلیم.
2. إن علم الغیب التفصیلی من مختصات العلم الإلهی، و أما الآخرون فعلمهم بالغیبیات إجمالی لا ینفذ إلى الجزئیات التی تبقى خاصة بالله سبحانه.
3. إن الله عالم بأسرار الغیب بالفعل، و أما الآخرون فیمکن أن یخفی علیهم کثیر من أسرار الکون بالفعل، إلا إذا أراد الله لهم أن یعلموا فعلمهم یأتی بعد الإذن و الإرادة و الرضا الإلهی، و قد روی عن الإمام الصادق (ع) بهذا الصدد: "عند ما یرید الإمام أن یعلم شیئاً، فإن الله یعلّمه ذلک الشیء" و أما الآیة 34 من سورة لقمان فتقول: "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ مَا فِی الأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِی نَفْسٌ مَاذَا تَکْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ". فقد ورد تفسیران لهذه الآیة الکریمة.
1- إن الأمور الخمسة المذکورة فی الآیة هی أمور غیبیة لا یمکن أن یطلع علیها أحد إلا الله و من أذن لهم بالاطلاع، و أن المراد بإرسال المطر لیس نزوله فقط، و الذی یمکن للأرصاد الجویة أن تتنبئ بنزوله، بل المراد العلم الدقیق بزمانه و کیفیته و مقداره، و هذا العلم من مختصات الله وحده، و أما الآخرون فمن الممکن لهم أن یحدسوا أو یخمنوا بالنسبة لمعرفة هذه الأمور إلى حد ما، و کذلک فإن المراد من معرفة (الجنین فی الرحم) لیس جنسه فقط الذی یمکن تشخیصه بواسطة الأجهزة المتطورة فی عصرنا الحاضر، بل المقصود کل ما یتعلق بالجنین من قبیل جنسه، سلامته، خصوصیاته الجسمیة و الروحیة، و حتى قابلیاته و کونه شقیاً أم سعیداً و کل ما یتعلق بمستقبله، و من البدیهی فإن مثل هذا العلم مختص بالله تعالى، و إذا ما وجدنا فی بعض الروایات نسبة مثل هذا العلم إلى الأئمة (ع) فهو علم إجمالی، إضافة إلى کونه من تعلیم الله، و هذا العلم لا یتنافى بأی حال مع علم الله التفصیلی کما أن هذا العلم الإجمالی عیال على العلم الإلهی و لا یتصف بالذاتیة و الاستقلال، و إنما هو علم عرضی تعلیمی، و هبة من الله بمقدار ما یرید و ما یراه صالحاً.
2- أما التفسیر الثانی فیقول: إن علم الساعة هو علم الغیب الوحید، و إن الله سبحانه جعله من مختصات ذاته فقط، و أما أجواء الآیة فإن طریق الخطاب فی الآیة قد تغیر فهی توحی بأن الله یعلم ما ینزل من المطر و ما تخفی الأرحام و غیر ذلک دون أن تجعل من هذا العلم مختصاً بذاته، و على هذا الأساس فإذا تمکن الإنسان فی الوقت الحاضر أو المستقبل من التوصل إلى معرفة هذه العلوم من خلال التقدم العلمی، فعلم مقدار المطر و زمانه و کیفیته، و کذلک خصوصیات الجنین التفصیلیة، فلا ینافی ذلک ما ورد فی الآیة المبارکة کما ورد بخصوص المفردة الرابعة و الخامسة من الآیة و الکلام حول عدم اطلاع الأفراد على مصیرهم و المکان الذی یموتون فیه، و عدم الإطلاع هذا یطابق قانون الطبیعة، و هو أنه لا وجود لأحد قادر على أن یطلع على الغیب ذاتاً أو یعلم الحوادث المستقبلیة، و لکن هذا الأمر لا یمنع أن یُطلع الله بعض عباده على طرف من غیبه فیعلمهم بمکان و زمان موتهم.
یمکن أن یجاب عن هذا السؤال من خلال ثلاثة محاور:
المحور الأول: ما هو المراد بعلم الغیب؟
الغیب یعنی خفاء الشیء عن الحواس و الإدراکات، یقول اللغویون "الغیب کل ما غاب عنک".[1]
و لذلک تقول العرب عندما تغرب الشمس: "غابت الشمس" أی أنها اختفت عن الأنظار.[2]
و أما المراد من الغیب مقابل الشهادة کمصطلح قرآنی و کلامی فهو عبارة عن أمر وراء المادة خارج عن عالم المحسوسات لا یمکن إدراکه بالحواس المادیة العادیة، و یحتاج إدراکه و الإحساس به إلى وسائل أخرى.
یقول العلامة الطباطبائی: "الغیب و الشهادة معنیان إضافیان فالشیء الواحد یمکن أن یکون غیباً بالنسبة إلى شیء و شهادة بالنسبة إلى آخر، و ذلک لأن الأشیاء کما تقدم لا تخلو من حدود تلزمها و تنفک عنها فما کان من الأشیاء داخلاً فی حد الشیء غیر خارج عنه فهو شهادة بالنسبة إلیه لأنه مشهود لإدراکه، و ما کان خارجاً عن حد الشیء غیر داخل فی حده فهو غیب بالنسبة إلیه لأنه غیر مشهود لإدراکه".[3]
المحور الثانی: من هو العالم بالغیب؟
النتیجة التی ینتهی إلیها التحلیل المتقدم فی أمور الغیب هی أن علم الغیب الکامل و بصورته التامة مختص بالله تعالى، لأنه هو المحیط بالعالم من کل جوانبه، و لیس من شیء واقع خارج دائرة وجوده، و لا یمکن لشیء أن یخفى على الله فی دائرة ذلک الشیء الوجودیة، و هذا المعنى أکدت علیه الکثیر من الآیات القرآنیة:
"عَالِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِ الْکَبِیرُ الْمُتَعَالِ"[4]
"فَقُلْ إِنَّمَا الْغَیْبُ لِلَّهِ"[5]
"وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْیَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِی ذَلِکَ لآَیَةً لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ"[6].
و المعنى الأولی المتبادر من هذه الآیات هو الله وحده الذی یعلم الغیب و لا یوجد من یعلم الغیب غیره. و فی مقابل ذلک توجد آیات أخرى فیها إشارات إلى أن أولیاء الله لهم إطلاع إجمالی على الغیب؛ مثل: "وَ مَا کَانَ اللَّهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَى الْغَیْبِ وَ لَکِنَّ اللَّهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشَاءُ"[7]
"عَالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلَى غَیْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا"[8].
و قد جاء فیما یخص معجزات عیسى(ع):
"وَ أُنَبِّئُکُمْ بِمَا تَأْکُلُونَ وَ مَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ"[9].
إضافة إلى الآیات هناک روایات کثیرة تشیر إلى أن النبی الأکرم (ص) و الأئمة المعصومین (ع) یطلعون على الغیب بشکل إجمالی، و إن اطلاعهم على الغیب على صورتین کحد أدنى:
الصورة الأولى: إخبار النبی (ص) عن الوحی و نزوله، و هو نوع من أنواع الإخبار الغیبی الذی یتمتع به النبی(ص).
الصورة الثانیة: إخبارهم عما یقع فی المستقبل و کلامهم الدقیق عن ذلک کما أخبر النبی عما یقع فی واقعة مؤتة و استشهاد جعفر بن أبی طالب و بعض قادة الجیش، حیث کان النبی فی المدینة و یخبر المسلمین بما یقع فی ساحة المعرکة.[10] و هناک العدید من الروایات التی تشیر إلى توفر المعصومین على علم الغیب.[11] من الممکن أن یدعى التواتر بالنسبة إلى الروایات.[12]
و أما عن کیفیة الجمع بین الفئتین من الآیات و الروایات فبالإمکان متابعة ما یلی:
1. اختصاص علم الغیب بالله تعالى، و هو علم ذاتی استقلالی، و على هذا الأساس فإن غیر الله لیس له أی اطلاع على الغیب استقلالاً، و الطریق الوحید لإطلاع الآخرین على الغیب لطف الله و عنایاته، و إن علم الآخرین بالتبع لعلم الله.
2. إن العلوم الغیبیة التفصیلیة من خصوصیات الله تعالى، و إن اطلاع ما سوى الله على الغیب إجمالی، أی أن العلم بالجزئیات من اختصاص الله سبحانه.
3. إن الله مطلع على کل أسرار الغیب بالفعل، و أما الأنبیاء (ص) و الأئمة (ع) و بعض الأولیاء فمن الممکن أن یکونوا غیر مطلعین على الکثیر من أسرار الکون بالفعل، و لکن عند ما یرید الله فإنهم یطلعون على ذلک، أو إذا أرادوا هم أنفسهم و ذلک بإذن الله و إرادته و رضاه.
و یؤید هذا الأمر عدة روایات من جملتها الحدیث المروی عن الإمام الصادق(ع): "إن الإمام إذا شاء أن یعلم علم".[13]
إضافة إلى وجود آیات فی القرآن الکریم تشیر إلى نوع من المعرفة الخاصة التی یحصل علیها الإنسان عن طریق الریاضة و تهذیب النفس و السیر باتجاه الحق تعالى و التوجه إلى عالم القدس یقول تعالى: "یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَانًا وَ یُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَ یَغْفِرْ لَکُمْ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ"[14].
و یقول الإمام علی(ع) حینما قرأ هذه الآیة: "رِجَالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللَّهِ"[15] "إن الله سبحانه جعل الذکر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، و تبصر به بعد العشوة، و تنقاد به بعد المعاندة. و ما برح الله عزت آلاؤه فی البرهة بعد البرهة و فی أزمان الفترات عباد ناجاهم فی فکرهم، و کلمهم فی ذات عقولهم"[16].
المحور الثالث:
و نلتقی بالآیة 34 من سورة لقمان حیث یقول الباری سبحانه و تعالى: "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ یَعْلَمُ مَا فِی الأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِی نَفْسٌ مَاذَا تَکْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ".[17]
و قد فسرت الآیة بتفسیرین:
ألف. ذکر فی الآیات ما یشیر إلى البعث و النشور الوارد فی الآیة السابقة لها، ثم جاء الحدیث عن العلوم المختصة بالله تعالى التی یصطلح علیها (علوم الغیب) و قد جاءت الإشارة فی الآیة إلى 5 موارد:
1. العلم بوقوع یوم القیامة:
و قد سأل المشرکون رسول الله عن هذا الأمر مراراً: "فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْکَ رُءُوسَهُمْ وَ یَقُولُونَ مَتَى هُوَ"[18] و قد أجاب القرآن عن ذلک بقوله: "إِنَّ السَّاعَةَ آَتِیَةٌ أَکَادُ أُخْفِیهَا لِتُجْزَى کُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى"[19].
2. زمان نزول المطر:
و العلم بالدقة عن مکان نزول المطر و زمانه و مقداره من مختصات العلم الإلهی و أما الآخرون فلیس لهم إلا الظن و الحدس و التخمین و هذه هی حدود إطلاعهم.
3. ما تخفی الأرحام:
و یراد به نوع الجنین و خصوصیاته الظاهریة و الباطنیة و مسیرة حیاته، و هنا من الممکن للأجهزة العلمیة أن تکشف عن جنس الجنین، و لکن سائر الخصوصیات الأخرى اللامتناهیة لا یمکن الإطلاع علیها إلا من قبل الله تعالى کخصوصیاته الجسمیة و الروحیة و اتجاهاته و استعداداته النفسیة و میوله العلمیة أو الأدبیة إلى غیر ذلک مما لا یحصى فإنه من اختصاص الله وحده.[20]
و کذلک ما یتعلق بمستقبل الجنین و عاقبته و کونه سعیداً أم شقیاً و غیر ذلک من مختصاته، کل ذلک غیر مقدور إلا لله تعالى.
4. الحوادث المستقبلیة و خصوصیاتها و حیثیاتها، و ما یکسب الأفراد فی مستقبل زمانهم.
5. و أخیراً تحدثت الآیة عن المکان الذی تکون فیه نهایة الفرد.
على هذا التفسیر فإن جمیع الموارد المتقدمة محسوبة من علم الغیب و قد جعلتها من مختصات الباری عز و جل، و إذا ما قیل أن العدید من الروایات تشیر إلى أن قسماً من هذا الإطلاع ثابت للأئمة(ع) تقول: إن الاطلاع على قسم من هذه العلوم بشکل إجمالی و عن طریق التعلیم الإلهی لا یتنافى مع اختصاص الذات الإلهیة بالعلم التفصیلی الاستقلالی لجزئیات هذه الأمور. فعلم الله تفصیلی ذاتی استقلالی، و علم غیره إجمالی تبعی لا على وجه الاستقلال، و إنما هو عرفی تعلیمی مکتسب عن طریق التعلیم الإلهی و بالمقدار الذی یریده الله و یرى فیه الصلاح.[21]
ب. إن خطاب الآیة الکریمة لیس على نمط واحد فی جمیع مقاطعها و إنما جاء خطابها مختلفاً. فی بدایة الآیة یستفاد أن علم زمان القیامة و البعث و النشور من مختصات الله سبحانه، و لیس لأحد غیره أی اطلاع على ذلک و هذه الاستفادة تأتی من وضع کلمة (عنده) قبل قوله (علم الساعة) و هذا الترکیب یدل على الحصر فی اللغة العربیة، و کذلک تشهد بعض الآیات الأخرى على انحصاریة هذا العلم. و أما فی المقاطع الأخرى من الآیة فنجد فیها نمطاً من التحول و التبدل، فلا وجود للحصر فیها، و یستفاد من ذلک أن الله تعالى یعلم ما ینزل من المطر و ما تخفی الأرحام من دون أن یجعل هذه العلوم منحصرةً بالذات الإلهیة إلى حد لم یتسنَ لغیره أن یطلع علیها أو یعلم بها فی مستقبل الزمان.
و على هذا الأساس فإن علم الله بما ینزل من المطر و ما فی الأرحام لیس بمانع من أن یعلم غیره ذلک بطرق مختلفة کالوحی و الإلهام أو أی طریق آخر، مع الفارق بین الأمرین و هو أن علم الله ذاتی و ضروری و علم الآخرین اکتسابی و إمکانی.
و فی المقطع الرابع و الخامس فی الآیة یتغیر نمط الخطاب بشکل أکبر، فالکلام عن علم الله و إطلاعه فیما یخص الأرض التی یلقى فیها الإنسان حتفه، و عدم إطلاع الآخرین على هذا العلم یطابق قانون الطبیعة، أی أنه من غیر الممکن لأی أحد أن یعلم ما وراء غطاء الغیب، و لکن هذا الأمر لا یکون مانعاً من اختصاص الله لبعض أولیائه و تعلیمهم قسماً من غیبه بما فی ذلک محل موتهم.[22]
و خلاصة القول هو: إن نمط خطاب الآیة فی مستهلها - و بمساعدة آیات أخرى - یدل على أن علم الساعة خاص بالله تعالى و منحصر به و لیس لأحد أن یعلم ذلک و لن یعلمه. و أما بالنسبة للموارد الأربعة الأخرى فسیاق الحدیث فیها یدل على أن الله یعلم ما ینزل من المطر وما تخفی الأرحام، و أن لا أحد یعلم ما یضمر له المستقبل و لا یعلم موضع موته فی هذه الأرض، و لکن العلم بهذه الأمور لا ینحصر بالذات الإلهیة وأما الآخرون فإنهم قادرون على ذلک من خلال طرق عدیدة کتعلیم الله تعالى أو الوحی أو الإلهام أو أی طریق آخر لم یکن معلوماً فی عصرنا الحاضر.
[1]. قرشی، سید علی أکبر، قاموس القرآن، ج 5، ص 133.
[2]. ابن فارس، معجم مقاییس اللغة، مادة (غیب).
[3]. طباطبایی، المیزان، ج 11، ص418.
[4]. الرعد، 9.
[5]. یونس، 20.
[6]. نحل، 65.
[7]. آل عمران، 179. هذا هو مفهوم الآیة التی وضع الله فیها علم الغیب تحت تصرف الأنبیاء.
[8]. الجن، 26-27.
[9]. آل عمران، 49.
[10]. ابن الأثیر، الکامل فی التاریخ، ج2، ص 237.
[11]. الکلینی، محمد، أصول الکافی، ج1، توجد أبواب متعددة فی هذا الاتجاه؛ مجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 26.
[12]. التواتر، فی اصطلاح علم الحدیث یعنی کثرة الناقلین لمطلب من المطالب، بحیث لا یکون وجود لأی لون من الکذب أو التواطئ بین الرواة.
[13]. الکلینی، محمد، أأصول الکافی، ج 1، باب: "إن الأئمة إذا شاؤوا أن یعلموا علموا"، ح 3.