بحث متقدم
الزيارة
7861
محدثة عن: 2008/01/20
خلاصة السؤال
کیف یحصل المسخ، و هل الحیوانات الحالیة هی نفس اولئک الناس الممسوخین؟
السؤال
کیف حصل مسخ بعض الناس و هو ما اشار الیه القرآن أیضاً و هل الحیوانات الحالیة هی نفس اولئک الناس الممسوخین؟
الجواب الإجمالي

المسخ فی اللغة بمعنی التبدیل من صورة الی صورة أقبح منها. و یطلق فی الاصطلاح القرآنی الروائی علی نوع من العذاب ینزل علی الاشخاص و الامم المذنبین (بذنوب خاصة) و الناس الممسوخون یکونون علی هیئة حیوان (قرد، خنزیر و ...) ای ان الصورة الحیوانیة للذنب الذی ارتکبه تجعل علی هیئته الانسانیة فی هذه الدنیا و یتحول الی أنسان ممسوخ. و بتعبیر أبسط یصبح انساناً بهیئة حیوان.

و یعتبر أکثر المفسرین ان المسخ الوارد فی القرآن مسخ حقیقی؛ یعنی ان الشخص یتحول الى صورة حیوان واقعاً. و لکن یوجد  القلیل من مفسری أهل السنة هنا من یعتقد ان هذا النوع من المسخ هو مسخ فی الطبع، أی أن الشخص لا یتحول الی صورة حیوان و لکن له طباع کطباع الحیوان و هو لیس افضل منه. و أما علة مسخ بعض الناس فهی ذنبوهم و لیکون هذا العذاب عبرة لغیرهم. و یستفاد من الروایات ان الذین یمسخون یموتون بعد ذلک بعدة أیام، و ان الحیوانات الحالیة هی من النسل الاصلی للحیوانات و لیست من نسل الناس الممسوخین.

الجواب التفصيلي

المسخ لغةً بمعنی التبدیل من صورة الی صورة أقبح منها،[1] لکنه فی القرآن و المعارف الاسلامیة یطلق علی نوع من العذاب أوقعه الله بشکل معجز بعدد من الافراد و الامم السابقة لکی تحصل منه آثار المعجزة کتنبیه الناس و أخذ العبرة و رؤیة سوء عاقبة المذنبین.2

و یوضح هذا المطلب الاجابة عن الاسئلة التالیة:

1- ما هو المسخ و ما کیفیة حصوله؟

یقال لتبدیل الصورة الانسانیة الی صورة حیوانیة، مسخ، و کیفیته بهذا الشکل و هو ان الناس و علی أثر تکرار عمل معین یکتسبون صورة من صور الملکات،[2] ای ان الانسان علی أثر الاعمال الحسنة و الخالصة، یتحرک باتجاه النفس الملکوتیة، و علی ‌العکس فانه بارتکابه الأعمال القبیحة السیئة یتحرک باتجاه ملکة ذلک العمل السیء. فقد ورد فی کثیر من الروایات الأخلاقیة تشبیه حالة العصبیة بالنار،[3] و قد عبر القرآن الکریم عن حقیقة اکل مال الیتیم بانه اکل للنار.[4] و لیس ذلک  مجازاً او استعارة، بل هو حقیقة تلک الذنوب و قد بینها الکتاب الصادق و الانبیاء الصادقون.

و فی النتیجة: فانه اذا انغمس الانسان فی الذنب، فان حقیقة هذه الذنوب یمکنها ان تظهر بصورة ملکة فی نفسه بحیث یحشر فی یوم القیامة بتلک الملکة. روی عن الامام الباقر (ع) قوله: «یحشر المکذبون بقدر الله من قبورهم قد مسخوا قردة و خنازیر».[5] فالانسان اذا کسب صورة من صور الملکات تصورت نفسه بها و لا دلیل علی استحالة خروجها من هذه الدنیا من الکون الی البروز على حد ما ستظهر فی الآخرة بعد الموت.[6]

فالممسوخ من الانسان، أنسان ممسوخ لا انه ممسوخ فاقد للانسانیة[7]. و یؤید هذا المطلب أدلة اخرى لانه و کما قلنا فان المسخ هو لأجل تعذیب بعض المذنبین. یقول النبی الاکرم (ص): «ان الله مسخ سبعمائة امة عصوا الأوصیاء بعد الرسل».[8] اذن فاذا أمکن ان یشمل هؤلاء العذاب فانهم یدرکون انسانیتهم و ان صورة من الحیوانیة تتسلط علیهم، و انما یصدق علیهم العذاب اذا کانوا یعلمون أنهم اناس و لکنم اصبحوا فی صورة خنزیر او قرد.

و فی هذا الصدد روی عن الامام الرضا (ع) قوله: «کذلک حرم القردة لانه مسخ مثل الخنزیر و جعل عظة و عبرة للخلق،‌ دلیلاً علی ما مسخ علی‌خلقه و صورته و جعل فیه شبه من الانسان لیدل على انه من الخلق المغضوب علیه».[9] ای انهم أنفسهم یدرکون انهم اناس و الاخرون أیضاً یعرفونهم و ان هذا المسخ تسلط علی صورتهم الانسانیة.

و جاء فی روایة عن الامام زین العابدین (ع): «کان هؤلاء قوماً یسکنون عل شاطی بحر نهاهم الله و انبیاوءه عن اصطیاد السمک فی یوم السبت فتوصلوا الی حیلة لیحلوا بها لانفسهم ما حرم الله... فمسخهم الله کلهم قردة: "و لقد علمتم الذین اعتدوا منکم فی السبت فقلنا لهم کونوا قردةً خاسئین"[10]... و تسامع بذلک اهل القرى فقصدوهم و تسنموا حیطان البلد فاطعلوا علیهم فاذا هم کلهم رجالهم و نساءوهم قردة یموج بعضهم فی بعض یعرف هؤلاء الناظرون معارفهم و قراباتهم و خلطاءهم فیقول المطلع لبعضهم انت فلان و انت فلانة فتدمع عینه و یؤمی برأسة او بفمه بلى او نعم».[11]

2- هل للمسخ انواع؟

اکثر المفسرین یرون ان المسخ الذی ورد فی القرآن و تحول اشخاص الی خنازیر و قردة هو مسخ حقیقی، ‌أی ان الشخص یتحول واقعاً الی صورة قرد و خنزیر، ‌و لکن ذهب عدد قلیل من مفسری أهل السنة کالشیخ محمد عبده و آخرین الی ان هذا النوع من المسخ، مسخ فی الطبع کالایة التی تقول: «کمثل الحمار یحمل اسفاراً» فان المخاطب فیها لم یصبح حماراً حقیقة و لکن له طبیعة کطبیعة الحمار و هو لیس أفضل منه.[12]

3- هل ان الناس الذین مسخوا، توالدوا فی حال تلک الصورة الممسوخة فهم باقون الی الیوم؟

و جواب هذا السؤال خارج عن عهدة العلوم التجریبیة و الوراثیة، و أساساً فان هذه العلوم غیر قادرة علی اثبات مسائل من هذا القبیل، و ذلک لانه لو کان الناس الممسوخون باقین علی صورة القردة فانهم یشبهون باقی القردة،‌و اذا ثبت وجود اختلافات بین بعض القرود مع باقی ابناء جنسها، فلا یکون هذا دلیلاً علی استمرار نسل الممسوخین.

لکن روایات أهل البیت (ع) اشارت الی هذا الموضوع: یقول الامام علی بن الحسین (ع) «فمازالوا کذلک ثلاثة أیام ثم بعث الله تعالى مطراً و ریحاً فحرفهم الی‌ البحر و ما بقی مسخ بعد ثلاثة أیام و انما الذین ترون من هذه المصورات بصورها فانما هی أشباهها لا هی باعیانها و لا فی نسلها».[13]

و اما ما ورد فی بعض الروایات من ان علة حرمة لحم الکلب و الخنزیر و القرد هو کونها ممسوخة، فلیس المقصود کونها من نسل اولئک الممسوخین بل: حرم اکل لحومها لمضارها و لکیلا یستخف بعقوبة الله عز و جل.[14]



[1] المنجد، مادة (مسخ).

[2] المیزان، ج 1، ص 311.

[3] معراج السعادة، فصل فی ذم الغضب، ص 172.

[4] النساء، 10.

[5] سفینة البحار، ج 4، ص 277.

[6] المیزان، ج 1، ص 208.

[7] نفس المصدر.

[8] سفینة البحار، ج 4، ص 376.

[9] تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 86.

[10] البقرة، 65.

[11] تفسیر الصافی، الملا محسن الفیض، ج 1، ص 620.

[12] التفسیر الکاشف، محمد جواد مغنیة، ص 1، ص 121.

[13] تفسیر الصافی، ج 1، ص 620.

[14] سفینة البحار، ج 4، ص 375.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257213 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113225 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59538 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49716 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...