بحث متقدم
الزيارة
4987
محدثة عن: 2010/11/21
خلاصة السؤال
هل ولایة الفقیه فی عقیدة الإمام الخمینی أصل تعبدی؟
السؤال
نظرا إلى کلمات الإمام الخمینی بصفته أحد المراجع و کذلک سیرة بعض الفقهاء المشهورین فی أسلوب إفتائهم و باعتبار أن فروع الدین أمور تعبدیة، هل یمکن أن نعتبر أصل ولایة الفقیه أصلاً تعبدیاً أم لا؟ فإن کان تعبدیاً أرجوا أن تشرحوا لی ذلک.
الجواب الإجمالي

التعبد هو بمعنى إظهار العبودیة لله و الخضوع لأوامره من دون أی نقاش.

فبهذا المعنى کل خطوة فی سبیل کسب رضا الله تعبد، فإن کان القبول بولایة الفقیه بهذا الهدف، یعتبر مصداقا للتعبد. لکن علماء الدین استعملوا کلمتی "التعبد" و "التعبدی" فی معان أخرى محدودة لا تشمل موضوع ولایة الفقیه، إذ یتبادر من هذه الکلمة أن ولایة الفقیه واجب تعبدی فی مقابل الواجب التوصلی أو یجب أن یؤمن به الإنسان تعبدا من دون دلیل.

الجواب التفصيلي

من أجل الإجابة عن هذا السؤال یجب أن نعلم موارد استعمال کملة "التعبد" فی علم الفقه.

إن إظهار العبودیة لله سبحانه و التسلیم لأوامره و السعی للحصول على مرضاة الرب یسمى "تعبدا"، سواء أعلم بسبب ما یؤدیه بشکل واضح، أم لم یصل إلى حکمته و لم یأت به إلا اتباعا لأئمة الدین. قمة تقرّب کل إنسان بإیمانه و هو أن ینظم حیاته المادیة و المعنویة بحیث یجعل حرکاته و سکناته کلها تتسم بالعبودیة. إن هذا التعریف یقوم على أساس نظرة واسعة لمعنى "التعبد".

 لکن هناک نظریات و تحدیدات أضیق تعطی لعنوان تعبدیة الأوامر الشرعیة معنیین آخرین:

1ـ إذا کنا لم نعرف الحکمة من حکم شرعی بشکل واضح، و لم نتبع الحکم إلا لأنه جاء من قبل الله و بلّغه رسله و لابد لنا من اتباع هذه الأحکام، یعبر عن ذلک بأننا خضعنا لهذا الحکم تعبدا. و قد حثت بعض الروایات المؤمنین على أن یتصفوا بهذه الصفة من التعبد.[1]

طبعا موضوع هذا التعبد هو فروع الدین حیث لا ضرورة لفهم حکمة الحکم بعد إثبات أصول الدین, و إن کان العلم لا یضرّ بل هو اکمل.

2ـ وهناک اصطلاح آخر و هو "الواجب التعبدی" فی مقابل "الواجب التوصلی" و قد طرحه علماء الدین أخیراً. طبعا لا توجد هذه الاصطلاحات فی المصادر الأولى الإسلامیة و إنما هی نتیجة دراسة العلماء لأنواع الواجبات.

"الواجب التعبدی" هو الواجب الذی لا یمکن أداؤه من دون نیة التقرب إلى الله. مثلا إن أمسک إنسان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس و تحمّل الجوع بلا قصد التقرب الى الله، لا یمکن أن نسمی إمساکه صوماً، و یجب علیه أن یکرر إمساکه مع القصد، لأن الصوم واجب تعبدی. فی المقابل إنقاذ الغریق الذی هو واجب أیضا، لکنه لا یحتاج إلى قصد هذا الهدف (التقرب الى الله) و لا تجب الإعادة إن لم یقصد التقرب. نعم، انه أدى هذه التکالیف بنیة التقرب أیضا، سیکون أجره أعظم.

بهذه المقدمة نرجع إلى سؤالکم:

إن الشخّص المؤمن بعد التعقّل و النظر فی الروایات توصل الى نتیجة مؤداها أن عقیدة "ولایة الفقیه" أمر جاء من قبل الله و مرضی عنده، یحق له أن یتعبد بهذا الأمر من باب التعبد و الخضوع لکل ما یرضی الله عز وجل. هذا هو التعبد بالمعنى الواسع.

من خلال کلمات الإمام الخمینی (ره) فی مختلف المقاطع نجده یتعبد بولایة الفقیه. حیث قال: "لا تقولوا نحن نقبل بولایة الفقیه، لکن سیتعرض الإسلام به إلى الضیاع! إن معنى ذلک تکذیب الأئمة و تکذیب الإسلام".[2] و قال: "إن الشعب یرید ولایة الفقیه التی قال بها الله، و أنتم تقولون کلا، لا داعی لذلک".[3] أو: "إن مجلس الخبراء یرید أن یثبت ولایة الفقیه، یرید مجلس الخبراء أن یصوّب على ما قال به الله تبارک و تعالى... إن قضیة ولایة الفقیه لیست أمراً جاء به مجلس الخبراء، بل هی مما أنشأها الله تبارک و تعالى".[4]

أما بالنسبة إلى کونها تعبدیة بالمفهومین الضیّقین لکلمة التعبد، فنقول:

أولا: لا یمکن أن تکون نظریة ولایة الفقیه أمراً تعبدیاً بالمعنى المحدود الأول، إذ دلیلها و سببها واضح وه و الرجوع إلى الخبیر. فحتى لو لم تکن أی روایة فی هذا المجال، یمکن إثباتها من خلال العقل و العرف البشری، کما أن الکثیر من العلماء قد ذکروا أدلتها فی أبحاثهم.

ثانیا: و أما بالنسبة إلى المعنى المحدود الثانی نقول: بما أن القبول بأصل ولایة الفقیه، قضیة اعتقادیة، لا یمکن أن نفترض وجوب تکرار العمل إن لم یتم بقصد التقرب کما یجب فی الواجبات التعبدیة، أما بالنسبة إلى إجراء أحکام ولی الفقیه و أوامره، یبدو أن وجوب إطاعة الولی وجوب توصلی بحیث حتى و إن لم ینفذ الإنسان أمر الولی قربة إلى الله، یکون مجزیا و لا یحتاج إلى الإعادة.



[1] مثلا راجع: الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 27، ص 45، ح 33171، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ ق.

[2] صحیفه امام، ج 10، ص 59، مؤسسة تنظیم و نشر آثار الإمام الخمینی، طهران، 1386 هـ ش، الطبعة الرابعة.

[3] المصدر نفسه، ص 223.

[4] المصدر نفسه، ص 308.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...