بحث متقدم
الزيارة
8069
محدثة عن: 2010/05/26
خلاصة السؤال
ما هي الأمور التي أدت بالسيدة مريم الى أن تصل إلى هذا المقام الرفيع؟
السؤال
تقول الآية 41 من سورة آل عمران: "قَالَ رَبّ‏ِ اجْعَل لىّ‏ِ ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَ اذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَ سَبِّحْ بِالْعَشىِ‏ِّ وَ الابْكَار". فطبقاً لقول القرآن لم يصطف الله مريم و يفضلها على نساء العالمين بسبب لياقتها و أهليتها بل لتطهير الله لها. فما السبب في تفضيلها؟ فهل قدمت خدمة للبشرية أو أن عبادتها و تقواها كانت أكثر من باقي النساء. و قصة حياة النبي عيسى (ع) تؤيد هذا المعنى و تؤكده. فأنبياء الله معينون من قبل. و لم يقدّموا أي جهد في سبيل الوصول إلى الصفات الحسنة. و إلا فمتى سعى الطفل الذي إدّعى النبوة في المهد لبناء نفسه و إصلاحها؟
الجواب الإجمالي

لقد ورد في القرآن الكريم و في روايات المعصومين (ع) أن مريم ابنة عمران ولدت في عائلة فقيرة لا يمكنها إدارة أمورها المعاشية لوحدها (لأن أباها قد فارق الحياة قبل ولادتها) لذلك كفلها زكريا (و هو زوج خالتها).

كانت حياة السيدة مريم ـ س ـ  مصحوبة دوما بالصعوبات و المشاكل و الحرمان، لانها منذ صغرها كانت تخدم في المعبد ـ طبقاً لنذر أمها ـ و قد كُلّفت هناك بأعمال فوق طاقتها لكنّها تقبلتها برحابة صدر و لم تشتكي أبداً لأجل ذلك. كما أنها كانت صبورة جداً في مقابل طعون المعترضين و إتهاماتهم و كانت مع ذلك تتمتع بمقام الرضا عن الله سبحانه، و قد خصها الله بهذا المقام الرفيع بسبب صبرها و رضاها و إطاعتها المحضة.

أما كلام النبي عيسى (ع) في المهد فهو و إن يحكي عن مقامه و عظمته لكنه لم يكن إلا للدفاع عن عصمة أمّه ـ س ـ و طهارة ذيلها و عفافها.

و بما أن الله كان عالماً بكفاءة النبي عيسى (ع) و أهليته و كان محيطاً بتهذيبه لنفسه، لذلك خصه بهذه الخصوصيات و أعطاه مقام العصمة و نصبة لهذا المقام الرفيع، و كل ذلك من قبيل الأجر قبل العمل.

الجواب التفصيلي

لا بد من المرور أولا على حياة السيدة مريم ـ س ـ ليتضح الجواب عن السؤال المطروح: فقد جاء في التواريخ و الأخبار الإسلامية و أقوال المفسرين أن "حنّة" و "أشياع" كانتا أختين، تزوّجت الأولى "عمران" أحد زعماء بني إسرائيل، و تزوّجت الأخرى النبي "زكريا".

مضت سنوات على زواج "حنّة" من غير أن ترزق بمولود و في أحد الأيام بينما هي جالسة تحت شجرة، رأت طائراً يطعم فراخه، فأشعل هذا المشهد نار غريزة الأمومة في قلبها، فتوجهت إلى الله بمجامع قلبها طالبة منه أن يرزقها مولوداً، فأستجاب الله دعاءها الخالص، و لم تمض مدة طويلة حتى حملت.

وقد ورد في الأحاديث بأن الله قد أوحى إلى "عمران" أنّه سيهبه مولوداً مباركاً يشفي المرضى الميؤوس من شفائهم، و يحيي الموتى بإذن الله، و سوف يرسله نبيا إلى بني أسرائيل. فأخبر عمران زوجته "حنّة" بذلك. لذلك عندما حملت ظنت أن ما تحمله في بطنها هو الإبن المولود، دون أن تعلم أن ما في بطنها أم ذلك الإبن الموعود "مريم" فنذرت ما في بطنها للخدمة في بيت الله "بيت المقدس". و لكنها لما وضعتها و رأتها أنثى إرتبكت و لم تدر ما تعمل، إذ الخدمة في بيت الله كانت مقصورة على الذكور، و لم يسبق أن خدمت فيه أنثى.

يرى البعض أن إقدام إمرأة عمران على النذر دليل على أن عمران توفي أيام حمل زوجته، و إلّا من البعيد أن تستقل الأم بهذا النذر.[1] لقد ورد في القرآن الكريم و في روايات المعصومين (ع) أن مريم بنت عمران ولدت في عائلة فقيرة لا يمكنها إدارة أمورها المعاشية لوحدها (لأن أباها قد فارق الحياة قبل ولادتها) لذلك كفلها زكريا (و هو زوج خالتها).[2]

كانت حياة السيدة مريم ـ س ـ و مصحوبة دوماً بالصعوبات و المشاكل و الحرمان، لانها منذ صغرها كانت تخدم في المعبد ـ طبقاً لنذر أمها ـ و قد كُلّفت هناك بأعمال فوق طاقتها لكنّها تقبلتها برحابة صدر و لم تشتكي أبداً لأجل ذلك. كما أنها كانت صبورة جداً في مقابل طعون المعترّضين و إتهاماتهم و كانت مع ذلك تتمتع بمقام الرضا عن الله سبحانه، و قد خصها الله بهذا المقام الرفيع بسبب صبرها و رضاها و إطاعتها المحضة. حيث يقول: "وَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَئكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَئكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفَئكِ عَلىَ‏ نِسَاءِ الْعَالَمِين".[3]

أجل فعلى أثر هذا السعي الخالص فضلها الله سبحانه على نساء زمانها. لأن الله شاكر و لا يترك أعمال عباده من غير جزاء. لذلك عبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله : "إِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللَّهِ  فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا  وَ مَن تَطَوَّعَ خَيرْا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم".[4]

حياة السيدة مريم ـ س ـ السالمة و الطاهرة و تربيتها لنبي عظيم من أولي العزم لهداية البشر و إرشادهم نحو الله تعالى التي تعدّ أفضل قدوة لتربية النساء و الأمهات في كل عصر و زمان، تعتبر أكبر خدمة تقدمها هذه السيدة الطاهرة للمجتمع البشري، لا يمكن قياسها بأي خدمة أخرى، إذ من الواضح أن أكبر خدمة للبشر هي تربية الإنسان. فلو وفق شخص لأن يتحف البشرية بإنسان واحد يربيه تربية صالحة جيدة تعتبر خدمة كبيرة، فكيف بأم تربي نبياً عظيماً تربية تكون سبباً لهداية ملايين من البشر، فهل يمكن تصور خدمة أكبر من هذه؟

أما كلام النبي عيسى (ع) في المهد في الأيام الأولى من ولادته فهو و إن يعد معجزة كبيرة تحكي عن عظمة شأنه و مقامه الرفيع، لكنها لم تكن إلا للدفاع عن عصمة و عفاف أمّه و دفع التمهة عنها حيث باتت طعمة لأمواح التهمّ التي وجهت اليها من قبل النساء عديمات المروءة، و أستغل الأعداء هذا الظرف (أي ولادة عيسى (ع) من غير أب) فرصة للتعرض لشخصية هذه المرأة البريئة. فنجاحهم في هذا الأمر يعني الطعن في نبوة عيسى (ع) و وصمها بالعار.

فالأمر الوحيد الذي أحبط ما يطمحون إليه هو هذه المعجزة. فهي التي سبّبت إرجاع حربة المكذبين مثيري الإشاعات إلى نحورهم. كما حصلت معجزة مشابهة في مسألة إتهام زليخا لنبي الله يوسف (ع) حيث إنطق الله سبحانه طفلاً رضيعاً –حسب بعض الروايات- و أقرّ أمام الملأ ببراءة يوسف (ع) مما رموه به.

و هذا أكبر دليل على كفاءة النبي عيسى (ع) و أهليته و تهذيبه لنفسه لإحراز مقام النبوة و الهداية و القيادة الحكيمة الشفيقة و تربية البشر بقوله و فعله و .... و بما أن الله سبحانه كان عالماً بهذه المسائل لذلك خصّه بهذه الخصوصيات و أعطاه مقام العصمة و نصبه لهذا المقام الرفيع، و كل ذلك من قبيل الأجر قبل العمل.

 


[1]  مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 2، ص 467، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.

[2]  آل عمران، 37 ـ 35.

[3]  آل عمران، 42.

[4]  البقرة، 158.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257247 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49740 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...