Please Wait
13656
لقد وردت مسألة تفضيل الرجال على النساء في عدة من الآيات القرآنية. و هذا الأمر لا يعني تفضيل الرجال على النساء في كل الجوانب. ففي الحقيقة إن هذا التفضيل تكليف و وظيفة للرجل عليه أن يؤديها بأمانة. و على أساس العدالة و المعروف، لا أنه إمتياز في كل الجوانب ليكون منشأ للتفاخر و ظنّ التغاضي عن حقوق المرأة.
لقد وردت مسألة التفضيل بنحو عام بأشكال و مناسبات مختلفة في بعض الآيات القرآنية يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
1ـ تفضيل الإنسان على سائر المخلوقات: "وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنىِ ءَادَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فىِ الْبرَّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلىَ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا".[1]
2ـ تفضيل بعض الناس على البعض الآخر: "وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكمُْ عَلىَ بَعْضٍ فىِ الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَادِّى رِزْقِهِمْ عَلىَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يجَحَدُون".[2]
3ـ تفضيل قوم على قوم آخر: "يَابَنىِ إِسْرَءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتىَِ الَّتىِ أَنْعَمْتُ عَلَيْكمُْ وَ أَنىِّ فَضَّلْتُكُمْ عَلىَ الْعَالَمِين".[3]
4ـ تفضيل بعض الأنبياء على البعض الآخر: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلىَ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَ ءَاتَيْنَا عِيسىَ ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَ أَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ".[4]
5ـ تفضيل الرجل على المرأة: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلىَ النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلىَ بَعْضٍ وَ بِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِم".[5]
6ـ تفضيل المؤمنين بعضهم على بعض: "وَ لِكُلٍّ دَرَجَتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَ مَا رَبُّكَ بِغَفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون".[6]
بناء على هذا، لا مجال للشك و الريب بأن الله سبحانه و على أساس إرادته الحكيمة قد فضّل بعضاً في بعض الخصوصيات و الإمتيازات على الجميع، لكن لابد من الاذعان بأن الرجحان الذي يتفضّل الله به على بعض الأفراد، قد يكون ذا جنبة مادّية، كتفضيل الإنسان على سائر المخلوقات في الرزق، و قد يكون ذا جنبة معنوية، كتفضيل الأنبياء على سائر البشر بنعمة الهداية. و قد يكون المراد من هذه الدرجات و التفضيل في الدنيا و قد يكون في الآخرة. أما مسألة تفضيل الرجال التي ذكرها القرآن في آيات متعددة أدّت إلى ظهور نظريات مختلفة بين العلماء و المحققين. فبعض المفسّرين جهدوا باستنتاج ظاهري إلى إضفاء الأفضلية للرجال في كل الجوانب.[7]
كذلك خاض البعض الآخر في هذا البحث متأثراً بالأفكار الغربیة و مسألة حقوق البشر، و جهدوا لأن يصوّروا أفضلية الرجل بشكل ينسجم و يتلاءم مع القواعد الحقوقية الحاكمة على المجتمعات الغربية. و توجد أيضاً نظرية ثالثة تناولت هذا الموضوع بعيداً عن نزعة سيادة الرجل من جهة و محورية المرأة من جهة أخرى.
و الآية 228 من الآيات التي تحدثت عن أفضلية الرجل. و هذه الآية وردت فيها كلمة "درجة" التي تحكي عن الأفضلية و الرجحان.
و للمفسّرين آراء مختلفة في تفسير هذه الآية و المراد من "الدرجة"، يمكن الإشار إلى رأيين من أهم الآراء المطروحة في هذا المجال. يرى البعض أن المراد من "الدرجة" هنا هو حق الرجل في إختيار الطلاق و الرجوع.[8] كما قال البعض الآخر أن مراد الآية من "الدرجة" هو القيمومة و المديرية للرجال و التي أشارت إليه الآية 34 من سورة النساء.[9]
إذن يستفاد من ظاهر هذه الآية و من الآيات الأخرى أن الرجال يتمتّعون بامتياز أكثر من النساء. لذا يرد هذا التساؤل للبعض و هو كيف ينسجم هذا التفضيل و الرجحان مع العدالة؟
فلو أخذنا بنظر الإعتبار الإختلافات الكبيرة الواسعة النطاق بين الجنسين على صعيد القوى الجسمية و الروحية لا تضح الجواب عن السؤال، فالمرأة بطبيعة مسؤوليتها الحساسة في إنجاب الأبناء و تربيتهم تتمتع بمقدار أوفر من العواطف و المشاعر و الإحاسيس، في حين أن الرجل و طبقاً لهذا القانون أنيطت به مسؤولية الواجبات الإجتماعية التي تستلزم قوّة الفكر و الإبتعاد عن العواطف و الأحاسيس الشخصية أكثر، و لو أردنا إقامة العدالة فيجب أن نضع الوظائف الإجتماعية التي تحتاج إلى تفكّر و تحمّل أكثر بعهدة الرجال، و الوظائف و المسؤوليات التي تحتاج إلى عواطف و إحساسات أكثر بعهدة النساء، و لهذا السبب كانت إدارة الأسرة بعهدة الرجال و مقام المعاونة بعهدة المرأة، و على أيّ حال فلا يكون هذا مانعاً من تصدي المرأة للمسؤوليات الإجتماعية المتوائمة مع قدرتها الجسمية و ملكاتها البيولوجية فتؤدي تلك الوظائف و المسؤوليات إلى جانب أداء وظيفة الأمومة في الأسرة.
و كذلك لا يكون هذا التفاوت مانعاً من تفوّق بعض النساء من الجهات المعنوية و العلمية و التقوائية على كثير من الرجال.
إن الحكمة الإلهية و التدبير الرّباني يستوجبان أن يكون لكل شخص في المجتمع وظائف و حقوق معينة من قبل قانون الخلفة و يتناسب مع قدراته و قابلياته الجسمية و الروحية، و بذلك فإن الحكمة الإلهية تستوجب أن تكون للمرأة في مقابل الوظائف و المسؤوليات الملقاة على عاتقها حقوق مسلّمة كيما تكون هناك تعادل بين الوظيفة و الحق.[10]
كما تجدر الإضافة بأن التفضيل بلحاظ الكيفية من النعم الإلهية لأن تسلط طبقة من الشعب على طبقة أخرى يعتبر بنفسه من مصالح المجتمع البشري، فالطبقة المتسلّطة و بسبب قوّتها تدبّر أمور الطبقة التي تحت يدها و تؤمّن معيشتها.[11]
فيما إن أحد الأبوين لا بد و أن يأخذ على عاتقه مديرية الأسرة، فلو إفترضنا أن هذه المهمة و الأفضلية قد أنيطت بالنساء عوضاً عن الرجال أيضاً يبقى التساؤل عن السبب على قوّته، لذا فالأختلاف بين الرجل و المرأة في بعض الخصوصيات و تفضيل الرجل، من الأمور الإلهية الحكيمة و تعتبر لازمة تمشية أمور الأسرة، و من الطبيعي ان كلاً من الرجل و المراة أنيطت بهما مسؤوليات خاصة في نظام الأسرة على أساس خصوصياتهما و تبعاً لذلك جعلت لهما حقوقاً معينة أيضاً.
للحصول على مزيد من المعلومات في موضوع حقوق و وظائف المراة و الرجل راجعوا الموضوع "وظائف النساء في قبال الرجال" السؤال ـ 85 (الموقع: 925) الموجود في نفس هذا الموقع.
أما أن تكون هذه الأفضلية للرجل من قبل الله تعالى من دواعي التفاخر و الأنانية و إستغلال الرجل و بالنتيجة التغاضي عن حقوق المرأة، فلا بد من القول بأن الله تبارك و تعالى قد مدّ كل البشر بنعمه و زودهم بها فضلاً عن مسألة إمكان إستغلال بعضهم لهذه المواهب،[12] نعم لا يخفى أن أعمال الإنسان لها أثر في زيادة و تداوم النعمه أو في الحرمان منها.[13]
كما أن تفضيل الرجال في الجهات المذكورة لا يستوجب الأفضلية الأخروية، فتمتّع البشر بمال أكثر و حقوق أوفر و قدرة جسمية فائقة على الآخرين، لا يتحفهم بمقام أسمى عند الله سبحانه و تعالى، فما يوجب الإمتياز و الرجحان الواقعي في رأي القرآن هو التقوى و العمل الصالح لا غير.[14] لهذا يدعو الله سبحانه الإنسان دوماً إلى نبذ التكبّر[15] و الأنانية و الإستهزاء بالآخرين في تعامله معهم.[16]
الأمر الآخر أن الله سبحانه لم يدع الرجل في مسألة تفضيله على المرأة و إعطائه المسؤولية على أساس بعض الخصوصيات لحاله، بل أوصاه بشكل متواصل بالتعاليم الحقوقية و الأخلاقية للرفق بالزوجة و كيفية التعامل معها لكي يمكنه على أساس هذه التعاليم إرساء فضاء أخلاقي عادل بعيد عن الأنانية و التطرّف. و قد أشار القرآن الكريم إلى عدة أصول في هذا المجال، أي كيفية تعامل الرجال مع النساء نظراً إلى الحقوق التي يتمتّعون بها.
1ـ معاملتهن بالقسط و العدل: فإن التقنين في الإسلام قائم على أساس القسط و العدل.[17] فقد أوصى الدين الإسلامي الإنسان برعاية العدالة في جميع أبعاد حياته سواء في الأمور الحكومية أو الإجتماعية.[18]
و قد تشكّلت أيضاً مديرية الرجل في الأسرة و التي هي جزء من المديرية و الحاكمية الواسعة في المجتمع و في مقياس أصغر منها، على هذا الأساس، فالرجل إضافة إلى مسؤوليته في إيجاد النظم و التنسيق اللازم في الأسرة و في جهات مختلفة، عليه أن يجري العدالة أيضاً فيها. فالرجل في الحقيقة له حق الحكومة، لكن ليس له حق التحكّم، فالحكومة "في الإسلام": تعني إدارة الأمور على أساس العدالة و التحكّم يعني التعسّف و فرض السيطرة، و لم يعط الإسلام حق فرض السيطرة للرجل، بل أوكل إليه حق الحكومة التي هي ليست إلا وظيفة حتى يمكنه على أساسها من تسيير أمور الأسرة في الجهات المقتضية. فهو رئيس الأسرة، أي له حق الأمر و النهي في حدود مصالحها، و ليس له حق التعسف، أي التصرف على خلاف مصالح الأسرة.[19]
و على هذا الأساس لا تكون قيمومة الرجل جائزة إلا إذا كانت على مدار العدالة و رضا الله سبحانه. و قد تناولت كثير من الآيات مسألة المنع من ظلم المرأة و التعامل معها على أساس العادات الجاهلية و الحث على أداء حقوقها.[20]
2ـ مراعاة أصل المعروف: لقد نبّه القرآن على مسألة المعروف في آيات متعددة و مناسبات مختلفة و قد أوصى كلا من الرجل و المرأة بمراعاة هذا الأصل. فعند دراسة الآيات المتعلقة بأصل المعروف في القرآن الكريم نواجه آيات تتكلم عن كيفية تعامل الرجال مع النساء في عرصات الحياة المختلفة. نظير أمر الزواج و الطلاق[21] و المعاشرة[22] و أداء حقوقهن المالية، كالمهر[23] و الرضاعة[24] و غير ذلك حيث أكدت على الرجل أن يتعامل معها على أساس المعروف و عدم الظلم. فعلى هذا لا يحق للرجل التعسف و تحميل آرائه الخاصة على المرأة خارجاً عن هذا الأصل.
كلمة (المعروف) بمعنى كل أمر يعرفه الناس في مجتمعهم، و لا ينكروه، و لا يجهلوه و بما أن الله سبحانه قيد الأمر بمعاشرة النساء بقيد (المعروف) فسيؤول المعنى قهراً إلى الأمر بمعاشرتهن معاشرة معروفة بين المأمورين بها و هم المسلمون.[25]
و بالطبع لكلمة (المعروف) معنىً أوسع من القانونية و العدالة. فكما أنه يشمل الحق القانوني و العادل، كذلك يشمل كل فعل قيّم و أخلاقي، فالله تبارك و تعالى أوصى الرجال عند تحملهم لرئاسة الأسرة بتحكيم الأخلاق و القيم و اشاعة ذلك في جو الأسرة و التعامل على أساسهما فضلا عن التأكيد على التعامل و المعاشرة على أساس العدالة.
إذن معاشرتهن بالمعروف، يعني بالإنصاف في الفعل و الإجمال في القول،[26] و بتعبير آخر المعاشرة على أساس القوانين الإلهية و وفقاً لها التي من ضمنها أداء حقوق المرأة.
3ـ أصل المودة و الرحمة: يفترض أن تكون حاكمية الرجل قائمة على أساس المودة و الرحمة و بعيدة عن أيّ سلطوية. حيث يقول القرآن في هذا المجال: "وَ مِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكمُ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فىِ ذَالِكَ لاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون".[27] حسن سلوك الرجل و تعامله على أساس المودّة يعدّ من أهمّ العوامل الأساسية المؤثرة في الحياة الزوجية.
فبناء على ما ذكر إن الله سبحانه و تعالى قد زوّد كلاً من الرجل و المرأة بقوىً فجعل بينهما على أساسها حقوقاً و تكاليف متبادلة. كما أنه جلّ و علا قد أضاف بحكمته إلى قوى الرجل، فجعل بعهدته على أساس هذا التفضيل مسؤولية الأسرة. و لو أمعنّا النظر جيداً في المسالة لوجدنا أن هذا التفاضل صار موجباً للإسفار عن زيادة تكليف للرجل يمكنه بواسطته إدارة الأسرة. لا أنه إمتياز يتحكّم بواسطته و يكون موجباً للتّفاخر.
للحصول على مزيد من المعلومات في موضوع حقوق و وظائف الرجل و المرأة راجعوا موضوع "إطاعة النساء للرجال السؤال 1674 (الموقع: 2310)" "و القرآن و قوّاميّة الرجال على النساء السؤال 1236 (الموقع: 1884)" في نفس هذا الموقع.
[1] الأسراء، 70.
[2] النحل، 71.
[3] البقرة، 47.
[4] البقرة، 253.
[5] النساء، 34.
[6] الأنعام، 132.
[7] إبن كثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، ج 1، ص 45، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 ق.
[8] النجفي الخميني، محمد جواد، تفسير آسان= التفسير الميسر، ج 2، ص 62، المنشورات الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1398 ق.
[9] الحجازي محمد محمود، التفسير الواضح، ج 1، ص 144، دار الجيل الجديد، بيروت، الطبعة العاشرة، 1413 ق.
[10] المكارم الشيرازي ناصر، تفسير الأمثل، ج 2، ص 150، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ه.
[11] الموسوي الهمداني، سيد محمد باقر، ترجمة الميزان، ج 12، ص 42، مكتب النشر الإسلامي لجامعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، قم، الطبعة الخامسة، 1374 ش.
[12] الإسراء، 20.
[13] إبراهيم، 7.
[14] الحجرات، 13.
[15] الإسراء، 37.
[16] الحجرات، 11.
[17] النساء، 135.
[18] الأعراف، 29.
[19] المطهري، مرتضى، مجموعة الآثار، ج 21، ص 117.
[20] النساء، 19.
[21] البقرة، 231.
[22] النساء، 19.
[23] البقرة،236.
[24] البقرة، 233.
[25] الطباطبائي، محمدحسين، تفسير الميزان، الموسوي الهمداني سيد محمد باقر، ج 4، ص 405، مكتب النشر الإسلامي لجامعة المدرسين في الحوزة العلميةفي قم المقدسة، قم، الطبعة الخامسة، 1374 ش.
[26] الفيض الكاشاني، ملا محسن، تفسير الصافي، ج 1، ص 434، إنتشارات الصدر، طهران، الطبعة الثانية، 1415 ق.
[27] الروم، 21.