بحث متقدم
الزيارة
7049
محدثة عن: 2011/06/14
خلاصة السؤال
مع الالتفات الى الروایات المختلفة و المتضادة ظاهراً، هل الکلام هو الأفضل أم السکوت؟
السؤال
نقرأ فی کثیر من الروایات التأکید على السکوت حیث تعتبر الصمت و السکوت عبادة، ما هی الموارد التی یجب علینا الرد فیها و جواب تساؤولات الآخرین او مناقشتهم؟
الجواب الإجمالي

اذا نظرنا الى کل من السکوت و الکلام من زاویة الآفات التی یتعرضان لها فلکل واحد منهما آفاته الخاصة به و لکل منهما محاسنه الخاصة کذلک، و مع ملاحظة کلا الامرین یکون من الصعب ترجیح طرف على آخر. لکن یمکن القول بشکل مطلق اذا قارنا بین السکوت و الکلام بعیدا عن الآفات و المعایب تکون الارجحیة للکلام و النطق؛ و ذلک لأن نشر المعارف الالهیة من قبل الانبیاء تم عن طریق النطق و کذلک نشر العلوم و المعارف الاخرى تم من خلال النطق. و لکن بما أن الکلام أمر وجودی و الصمت أمر عدمی من هنا تکون الآفات التی یتعرض لها الکلام أکثر من آفات و معایب السکوت.

من هنا نحمل الروایات- الحاثة على السکوت- على الحالات التی یکون فی النطق و الکلام معایب و آفات لا یمکن تدارکها و إجتنابها الا من خلال السکوت.

و من الطبیعی هکذا روایات لا تکون مبرراً للصمت المطلق و عدم النطق دائماً، بل لابد من دراسة کل حالة فی ظرفها الخاص و من ثم ترجیح أحد الطرفین على الآخر.

الجواب التفصيلي

مواضیع؛ من قبیل وضع حد مائز بین التملق و التواضع، الفرق بین العزة و التکبر، التواجد فی الاجتماعات العامة و الانزواء و.... و أخیراً إختیار الصمت أو الکلام، کل ذلک یعد من المباحث العملیة التی یحتاجها المجتمع الدینی من جهة، و من جهة أخرى من الصعب جداً وضع حد مائز و دقیق بینها و لذلک یحتاج الأمر هنا الى بحث دقیق و دراسة موسوعة جدا و شاملة.

فعلى سبیل المثال، نشاهد فی المقارنة بین السکوت و الکلام، عبارة ترجح الحدیث و الکلام: "السکوت کالقمر و الکلام کالشمس" فی حین نشاهد فی مکان آخر عبارة معاکسة لذلک تماماً حیث ترجح کفة السکوت على الکلام "اذا کان الکلام من فضة فالسکوت من ذهب"،و لاریب أن الجمع بینهما و الخروج بنیجة واضحة لیس بالأمر السهل بل یحتاج الى کثیر من التأمل و الى دقة عالیة.

من هنا نحاول السعی للمقارنة بین الکلام و السکوت و نسلط الاضواء على القضیة من جمع أبعادها لعلنا نخرج بنتیجة واضحة فی هذا المجال إنشاء الله تعالى.

و من المناسب هنا استعراض بعض الروایات الورادة فی هذا المجال و التی ترجح السکوت على الکلام ثم دراستها من خلال عرضها على القرآن الکریم و على سائر الروایات الأخرى لنرى ما هی دلالتها و هل هی تدل على أرجحیة السکوت مطلقاً أم هی ناظرة الى حالات خاصة و تحت شروط معینة.

الروایات المرجحة للسکوت:

1. قال أمیر المؤمنین (ع) فی إحدى حکمه: "مَنْ کَثُرَ کَلَامُهُ کَثُرَ خَطَؤُهُ وَ مَنْ کَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَیَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَیَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّار".[1]

2. عن أَبِی عبد اللَّهِ الصادق (ع) قال:"لا یزالُ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ یُکْتَبُ مُحْسِناً مَا دَامَ سَاکِتاً فَإِذَا تَکَلَّمَ کُتِبَ مُحْسِناً أَوْ مُسِیئاً".[2]

3. ِ عن أَبِی عبد اللَّهِ الصادق (ع) قال: "قال لُقْمَانُ لابْنِهِ: یا بُنَیَّ إِنْ کُنْتَ زَعَمْتَ أَنَّ الْکَلَامَ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ السُّکُوتَ مِنْ ذَهَبٍ".[3]

4. و قال الإمام الرضا (ع): "ما أحسن الصمت لا من عی و المهذار له سقطات".[4]

فمن یطالع هذه الصنف من الروایات و یکتفی بها یخرج بارجحیة السکوت على الکلام و أن الکلام و التحدث أمر غیر لائق و على الانسان أن یلزم جانب الصمت و عدم النطق، و لکن هذا لیس هو تمام الحقیقة؛ و ذلک لان بعض تلک الروایات أشارت الى کثرة الکلام و الهذر هذا من جهة، و من جهة أخرى هناک طائفة من الروایات ترجح الکلام على السکوت. من هنا لابد من دراسة الروایات ضمن ظروف خاصة و دراسة کل طائفة من الروایات ضمن تلک الظروف، و من تلک الظروف و الحالات:

1. أداء الشهادة، فقد صرح القرآن الکریم بضرورة النطق للشهادة: "وَ لا یَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا".[5]

یقول الإمام الصادق (ع) فی تفسیر الآیة المبارکة: "لا یَنْبَغِی لِأَحَدٍ إِذَا دُعِیَ إِلَى الشَّهَادَةِ یَشْهَدُ عَلَیْهَا أَنْ یَقُولَ لا أَشْهَدُ لَکُم‏".[6] من هنا یمکن القول بان من المشاهد التی یرجّح فیها الکلام على السکوت مواطن أداء الشهادة.

نعم، قد یرد نادراً جداً عدم النطق بما شاهد فعندما یعد حمل القرآن و حفظه جریمة یعاقب علیا السلطان و من قبل الدولة فحینئذ لا یحق للانسان الشهادة على حامل القرآن فیما لو سئل من قبل الحاکم الظالم.

2. نشر العلم و الحکمة:

من أهم التعالیم و الارشادات لدى جمیع الأدیان هی حث اصحاب العلم و المعرفة على نشر علومهم و نقل معارفهم الى الآخرین و بتعبیر أمیر المؤمنین (ع): "زکاة العلم نشره".[7]

و لقد ذم القرآن الکریم من یکتم علمه حفاظاً على مصالحه الشخصیة: "إِنَّ الَّذینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الْکِتابِ أُولئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون‏".[8]

و لکن هل یجب إطلاق العنان للّسان فی الکلام تحت ذریعة نشر العلوم و المعارف الالهیة أو هناک حالات یرجّح فیها جانب الصمت و السکوت؟

جواب ذلک أن لنشر العلم و المعارف شروطا محددة، منها:

1-2. العلم الکافی: لا ینبغی لمن لا یمتلک العلم الکافی الذی یؤهله للحدیث عن المعارف الدینیة، الخوض فی المسائل الدینیة و المعارف الالهیة، یقول أمیر المؤمنین (ع): "لا خَیْرَ فِی الصَّمْتِ عَنِ الْحُکْمِ کما أَنَّهُ لا خَیْرَ فِی الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ".[9]

من هنا یکتسب کلام المتخصص فی مجال تخصصه شأنا کبیراً و فی الوقت نفسه علیه لزوم جانب الصمت فی المسائل التی هی خارج تخصصه و التی لم یعرف عنها شیئاً.

2-2. وجود من یطلب العلم: من الامور التی یرجّح فیها جانب الکلام وجود من یطلب العلم و یسعى لتحصیله، و ألا فلا ینبعی للعالم أن یبوح بعلمه تحت ذریعة أداء الوظیفة الاجتماعیة و الدینیة.

یقول إمام الکلام أمیر المؤمنین (ع) فی هذا المجال: "بخ بخ لعالم علم فکف و خاف البیات فأعد و استعد إن سئل أفصح و إن ترک سکت کلامه صواب و سکوته عن غیر عی عن الجواب‏".[10]

و من المعروف أن کتاب نهج البلاغة حث و لقرون عدیدة الادباء و الحکماء على التفکیر و التأمل و طلب العلم و یمثل هذا جزءاً یسیراً من کلامه (ع) و الحکم الرائعة لهذا الرجل الالهی الذی حرمت الأمة من علمه و من کلامه البلیغ و العمیق لعشرات السنین و لم تستفد من کلامه (ع) الا فی فترة قصیرة جداً من عمره الشریف.[11]

نعم، هناک حالات لا تکون الجماهیر هی المقصرة فی عدم طلب العلم و السعی لتحصیله بل السبب فی ذلک جهل الحاکم و عدم إهتمامه بهذا الأمر، فلو تصدى العالم لنشر العلم و المعارف الالهیة لوجد الکثیر من الآذان الصاغیة له للخروج من الجهل الذی فرض علیهم الى نور العلم و المعرفة، فحینئذ یجب على العالم نشر علمه و البوح بمعارفه الدینیة. و لعل من أبرز مصادیق هذه الحالات حرکة الانبیاء و المرسلین فی نشر المعارف الالهیة فی ظلمات الجاهلیة التی کانت الشعوب تعیشها.

3-2. مراعاة الاعتدال:

من الملاحظ أن الناس فی مواطن إتباع الحق ینقسمون الى طائفتین اساسیتین. الاولى الطائفة المنصفة التی تزن الکلام بمیزان العقل و المنطق و الحق و الفطرة فما وافق ذلک أخذت به و الا أعرضت عنه. و فی المقابل هناک طائفة أخرى تصر على ما هی علیه من معتقدات خاطئة و لا تذعن الى قول الحق، و مما لاریب فیه أن السکوت و عدم التحدث مع هذا الصنف من الناس لا یختلف کثیراً عن الکلام معهم و بحسب التعبیر القرآنی: "وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى‏ لا یَتَّبِعُوکُمْ سَواءٌ عَلَیْکُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُون".[12]

و لکن ینبغی الالتفات هنا الى أن هناک طائفة من الناس و فی مثل القضایا الفرعیة و الجزئیة لا ینطلقون من عناد أو تعصب فی عدم الاذعان للکلام و انما ینطلقون من مقدمات و فرضیات مسبقة تجعل من الصعب اذعانهم و خضوعهم لمنطق العقل فلابد من مراعاة عنصر الاعتدال مع هؤلاء کی لا ینجر الأمر الى التشاحن و التباغض.

و للامام الصادق (ع) کلام جمیل فی هذا المجال نشیر الى نموذجین منه:

الاول: "مِنَ التَّوَاضُعِ أَنْ أَنْ تَتْرُکَ الْمِرَاءَ وَ إِنْ کُنْتَ مُحِقّا".[13]

الثانی: "لا تُمَارِیَنَّ حَلِیماً وَ لا سَفِیهاً فَإِنَّ الْحَلِیمَ یَقْلِیکَ وَ السَّفِیهَ یُؤْذِیکَ".[14]

3. السکوت و ا لکلام فی مقابل کلام الآخرین:

1-3. مقابل قول الحق: من الطبیعی أن السکوت أمام القول الحق اذا کان ناشئا من الرضا و القبول بالحق یعد من الخصال الحمیدة، و من المصادیق البارزة لهذه الحالة الانصات للقرآن عند تلاوته و الامساک عن الکلام عند سماعه.[15]

و بطبیعة الحال تتعزز تلک القیمة الاخلاقیة عندما یعلن الانسان عن موقفه و یصرح للجمیع بالاذعان للحق و الرضا به و اذا رأى المتحدث أن لکلامه تأثیراً أکبر على الحاضرین فلا ینبغی له الاستنکاف عن الاعلان عن موقفه.

2-3. مقابل العقائد و النظریات الباطلة: عندما تطرح فی المجتمع بعض النظریات و الافکار الباطلة و المنحرفة و یتمکن الانسان من التصدی لها لتوفر الشروط الموضوعیة فحینئذ لا معنى للسکوت و التزام جانب الصمت، و حسب تعبیر الامام السادس (ع): "کلامٌ فی حقٍّ خیرٌ منْ سکوتٍ على باطل‏".[16]

نعم، لو لم یمتلک الانسان الکفاءة العلمیة اللازمة لمواجهة تلک العقائد الفاسدة و الرد علیها فحینئذ یختار إما السکوت أو مغادرة المجلس، فربما یکون السکوت أفضل من الدفاع غیر المتقن و الفاقد للاسس العلمیة.

و اما لو إنجر التصدی للباطل الى تعریض النفس أو المال للخطر فلابد أن تدرس القضیة من جمیع الابعاد لنرى أی الامرین هم الاهم ثم اتخاذ القرار النهائی وفقا لذلک.

3-3. مقابل بعض السلوکیات القبیحة: هناک افراد فی الوسط الاجتماعی یسعون من خلال سلوکیاتهم السفهیة و غیر المنطقیة جرّ الطرف المقابل للجدال و الخصومة و المراء.

و فی اغلب الموارد یفقد الکلام قیمته و مؤثریته فی مقابل هکذا أشخاص، فالانسب هنا السکوت فی مقابل هؤلاء الحمقى، و قد ورد فی الشعر المنسوب الى أمیر المؤمنین (ع) ما یؤکد هذا المعنى حیث قال (ع):

و ذی سفه یواجهنی بجهل * و اکره أن أکون له مجیبا

یزید سفاهة و أزید حلما * کعود زاد فی الاحراق طیبا[17]

4-3. الدفاع عن الحق الشخصی: لقد منح الله تعالى الانسان حق الدفاع عن نفسه و ماله و عرضه فی مقابل الاخطار التی تواجهه فی تلک المحاور، و فی الغالب یکون الدفاع مقرونا بالکلام و النقاش و ... لا بالصمت و السکوت! و أن وجود المؤسسات القضائیة فی الاسلام لسماع کلام المتخاصمین یتحرک فی هذا الاطار، و لکن نجد فی هذا المجال ارشادات أخلاقیة تشیر الى أفضلیة التزام جانب العفو و عدم المواجهة بالحد الممکن.

روی عن النبی الأکرم (ص) أنه قال: "علیکم بِالعفْوِ فإِنَّ العفوَ لا یزِیدُ الْعَبْدَ إِلَّا عِزّاً فَتَعَافَوْا یُعِزَّکُمُ اللَّه‏".[18]

کذلک اشار الامام السادس (ع) الى تلک الارشاد الاخلاقیة بعبارة أخرى حیث قال: "ثلاثٌ منْ مَکَارِمِ الدُّنْیَا وَ الآخِرَةِ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَکَ وَ تَصِلُ مَنْ قَطَعَکَ وَ تَحْلُمُ إِذا جُهِلَ علیْک‏".[19]

اتضح من خلال ذلک أنه یحق للانسان الدفاع عن نفسه عن طریق الکلام و لکن الافضل مراعاة جانب السکوت و العفو فی مثل تلک المواقف.

 

4. التحدث فی شؤون الآخرین:

و رد فی وصیة النبی الأکرم (ص) لأبی ذر الغفاری (رض): "یا أبا ذر، الجلیس الصالح خیر من الوحدة، و الوحدة خیر من جلیس السوء، و إملاء الخیر خیر من السکوت، و السکوت خیر من إملاء الشر".[20]

و هنا من الممکن تصور عدة احتمالات:

1-4. التحدث بالخیر و توقیر الآخرین: و مما لاریب أن مثل هکذا کلام له قیمة اخلاقیة کبیرة عالیة و یکشف عن سریرة طاهرة و نوایا طیبة و من الطبعی ترتب الاثیر الاخروی علیه.

2-4. التحدث فی تحقیر الناس و اهانتهم و التقلیل من شأنهم: فمثل هذا الکلام یعد من أبرز مصادیق الغیبة التی وصفها القرآن الکریم بصفة تقشعر لها الجلود حیث قال عز من قائل: "و لا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَ یُحِبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِیهِ مَیْتا".[21]

3-4. الکلام الصحیح فی غیر محله: من الامور التی ینبغی الالتفات الیها أن مجرد کون الکلام حقاً لا یعد مبررا للتحدث به و ان کان فی واقعه محمودا و ممدوحا، فلابد من اختیار الوقت المناسب للحدیث، و اما اذا کانت الظروف غیر مواتیة فمن الافضل التزام جانب الصمت. روی عن أبی علیّ الجوَّانیّ قال: شهِدْتُ أَبا عبد اللَّه (ع) و هو یقول لمولى له یقالُ لهُ سالمٌ و وضع یدهُ على شفتیه و قال: یا سالمُ احفظْ لسانک تسلم، و لا تحملِ النَّاس على رِقابنا".[22]

و على هذا الاساس، یکون السکوت و عدم الثناء على المؤمنین الذین فی مدحهم و الثناء على حسن عقائدهم خطر علیهم، أفضل بکثیر من الثناء علیهم الذی یؤدی الى الاضرار بهم.

5. الکلام المتعارف:

اتضح الموقف فی الامور التی استعرضناها، و اما فی سائر الحالات الاخرى فلا مانع من التحدث و الکلام فیها، و لکن ینبغی للانسان أن یکون دائم المراقبة للسانه کی لا یقع فی الاخطار المحتملة و لیأمن الآفات التی تأتی من هذه الناحیة.

روی عن سلیمان بن مهران قال: دخلت على الصَّادق جعفرِ بن محمَّد (ع) و عندهُ نفرٌ من الشِّیعة فسمعتُهُ و هو یقولُ: معاشر الشِّیعة- کونوا لنا زیناً و لا تکونوا علینا شیناً قولوا للنَّاس حسناً و احفظُوا أَلسنتکم و کفُّوها عن الفضول و قبیح القول".[23]

حصیلة البحث:

هذه بعض الفروض التی تمّت المقارنة فیها بین السکوت و الکلام، و یحتمل أیضا وجود فروض أخرى، و لکن یمکن معرفة النتیجة النهائیة من خلال ما ورد عن الامام السجاد (ع) حیث سئل (ع): عن الکلام و السکوت أیهما أفضل؟ فقال (ع): لکل واحد منهما آفات فإذا سلما من الآفات فالکلام أفضل من السکوت. قیل: و کیف ذاک یا ابن رسول الله؟ قال: لأن الله عز و جل ما بعث الأنبیاء و الأوصیاء بالسکوت إنما یبعثهم بالکلام، و لا استحقت الجنة بالسکوت، و لا استوجب ولایة الله بالسکوت، و لا توقیت النار بالسکوت، و لا تجنب سخط الله بالسکوت، إنما ذلک کله بالکلام. و ما کنت لأعدل القمر بالشمس إنک تصف فضل السکوت بالکلام و لست تصف فضل الکلام بالسکوت.[24]

و هناک روایة أخرى عن الامام الباقر (ع) تساعدنا فی الوصول الى النتیجة النهائیة حیث جاء فیها: عن أَبی بصیر قال سمعت أَبا جعفرٍ (ع) یقول: کان أَبو ذرٍّ رحمهُ اللَّه یقولُ یا مبتغی العلم إِنَّ هذا اللِّسان مفتاحُ خیر و مفتاحُ شرٍّ فاختم على لسانک کما تختمُ على ذهبکَ و وَرِقِکَ.[25]

و على هذا الاساس یکون الکلام أفضل قیمة من السکوت، و لکن کما یجب على الانسان التحرز و حفظ الاموال و المقتنیات الثمینة و الاشراف علیها إشرافاً دقیقا کذلک ینبغی له أن یخضع لسانه لسلطانه و مراقبته و تحریکه فی الاتجاهات الصحیحة فقط.

و لقد ورد فی القرآن الکریم قوله تعالى الوسیلة التی بها یحصل الانسان على ملکة التمییز: "یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقانا".[26] أی بالتقوى یتمکن الانسان من الحصول على خصوصیة تشخیص الامور و التمییز بینها و من ثم اتخاذ الموقف الصحیح.



[1] نهج البلاغة، ص 536، الحکمة 349، انتشارات دار الهجرة، قم، بلا تاریخ.

[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 116، ح 21، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.

[3]نفس المصدر، ج2، ص114، الحدیث 6.

[4] الشیخ المفید، الاختصاص، ص 232، مؤتمر الشیخ المفید، قم، 1413 هـ ق.

[5]البقرة، 282.

[6] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 7، ص 379، ح 1.

[7] التمیمی الآمدی، عبد الواحد، غرر الحکم، ص 44، ح 131، انتشارات مکتب النشر و التبلیغ الاسلامی، قم، 1366 هـ ش.

[8]البقرة، 159.

[9] نهج البلاغة، ص 502، الحکمة رقم 182.

[10] التمیمی الآمدی، عبد الواحد، غرر الحکم، ص 48، ح 252.

[11]انظر فی سبب سکوت الامام (ع) الاسئلة التالیة: رقم 1351 و 1585.

[12]الاعراف، 193.

[13] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 122، ح 6.

[14]نفس المصدر، ج 2، ص 301، ح 4.

[15] انظر السؤال رقم2845.

[16] الشخ الصدوق، من لا یحضره الفقیه، ج 4، ص 396، ح 5844، انتشارات جامعة مدرسین، قم، 1413 هـ ق.

[17] دیوان امام علی، ص 71، انتشارات پیام اسلام، قم، 1369 هـ ش.

[18] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 108، ح 5.

[19] نفس المصدر، ج 2، ص 107، ح 3.

[20] الشیخ الطوسی، الامالی، ص 535، انتشارات دار الثقافة، قم، 1414 هـ ق.

[21]الحجرات، 12.

[22] الکلنی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 113، ح 3.

[23] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 12، ص 193، ح 16063، مؤسسة آل البیت، قم، 1409 هـ ق.

[24] الطبرسی، احمد بن علی، الاحتجاج، ج 2، ص 315، نشر مرتضی، مشهد مقدس، 1403 هـ ق.

[25] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج 2، ص 114، ح 10.

[26] الانفال، 29.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280270 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258846 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129641 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115675 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89568 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61060 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60378 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57381 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51647 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47721 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...