بحث متقدم
الزيارة
7019
محدثة عن: 2011/08/01
خلاصة السؤال
نرجوا بیان أهمیة حدیث الکساء.
السؤال
نرجوا بیان أهمیة حدیث الکساء.
الجواب الإجمالي

حدیث الکساء الشریف الذی ورد فی مفاتیح الجنان للشیخ القمی و کذلک فی کثیر من الکتب الحدیثیة، یحوز علی أهمیة فائقة من جهتین، الاولی: تبیانه لمسألة الإمامة و الولایة و الثانیة: تبیانه لمسألة العصمة.

فالإمامة و الولایة مبینة و ثابتة فی هذا الحدیث بوسیلة عدّة من الشواهد،حیث جعل النبی(ص) الإمامة و الولایة مختصة بأهل بیته (ع) و بیّن ذلک عن طریق عدة أعمال و أقوال فی هذه الحادثة التی تعرض لها حدیث الکساء منها جعل الخمسة من أهل بیته تحت الکساء و لم یرض بأن یدخل غیرهم تحته أو کانت الحادثة فی بیت لم یکن أحد غیرهم فیها –علی اختلاف الروایات-، و منها ذکر النبی لبعض الکلمات و العبارات الدالة علی خلافة الإمام علی(ع)، و کذلک ذکر بعض العبارات الدالّة علی الارتباط الوثیق بین النبی(ص) و أهل بیته(ع).

أما ما یخص إثبات عصمة أهل البیت (ع) فنجد کثیر من المصادر العقائدیة و الکلامیة تستند فی اثباتها الی هذه العبارة من الحدیث و هی «و أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا» الامر الذی یکشف عن وجود نکتتین مهمّتین مبینه فی هذا الحدیث أحدها الإمامة و الأخری العصمة.

الجواب التفصيلي

لقد وردت روایات کثیرة فی حدیث الکساء، یمکن الاستفادة من مجمل ما جاء فیها، أن النبی (ص) دعا علیّاً و فاطمة و الحسن و الحسین –علیهم السلام-  أو جاءوا عنده فنشر النبی (ص)عباءة أو کساءً یمانیاً و قال: «اللهم، هؤلاء أهل بیتی، اذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا» عندها نزلت آیة التطهیر «إِنَّما یُریدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهیرا»[i].

و قد روی العالم السنی المعروف الحاکم الحسکانی النیشابوری فی شواهد التنزیل[ii] و کذلک السید ابن طاووس[iii] هذه الروایات بطرق متعددة و من رواة مختلفین.

أما مجال کلامنا هو حدیث الکساء الذی ورد فی مفاتیح الجنان للشیخ القمی. الشیخ عباس القمی ورد عنه فی مجال حدیث الکساء أنه یقول، أن سند هذا الحدیث معتبر و لا إشکال علیه، أما عن معناه فالکلام فیه یدور حول محورین مهمّین و هما:

1- إثبات الإمامة و الولایة:

لقد أشار حدیث الکساء فی المرحلة الاولی الی مسألة إمامة أهل البیت(ع) و ولایتهم و قد بیّن أن هذا المقام منحصر بهم.

الف: مقام ولایة أهل البیت (ع): الرسول الأکرم (ص) قد أکّد علی خلافة الإمام علی (ع) فی مناسبات و أوقات متعددة، منها حدیث الکساء، فالنبی و فی أحد مقاطع هذا الحدیث قد عرّف الإمام علی (ع) بأنه أخوه و وصیه و خلیفته و صاحب لوائه من بعده [iv] و لأجل تبیین مقام أهل بیته (ع) و أهمیتهم بالنسبة له حتی تحفظ حرمتهم بعد مماته (ص) قال بعد جمع أهل بیته تحت الکساء: «اللهم أن هؤلاء أهل بیتی و خاصّتی و حامّتی لحمهم لحمی و دمهم دمی یؤلمنی ما یؤلمهم و یحزُننی ما یحزُنهم أنا حربٌ لمن حاربهم و سلمٌ لمن سالمهمو عدوٌ لمن عاداهم و محبٌ لمن أحبّهم إنهم منی و أنا منهم».

ب: انحصار مقام الإمامة: بعد أن اجتمع الإمام علی (ع) و السیدة الزهراء (س) و الإمامان الحسن و الحسین(ع) عند رسول الله(ص) و نشر فوقهم الکساء الیمانی طلب من الله سبحانه أن یذهب عنهم الرجس و یطهّرهم تطهیرا، عندها نزلت آیة التطهیر المبارکة.

السؤال فی هذا المجال هو أن هذا العمل قد صدر من رسول الله (ص) عن قصدٍ و لغایة ما أم کان عن غیر قصد و من دون أی فائدة مرجوة؟

فی مجال الجواب یجب القول بأن النبی (ص) لا یمکن أن یصدر منه عمل غیر مفید و هو علی ما علیه من العظمة و العلم و البصیرة.[v] فإذن لابد أن یکون عمله هذا صادراً عن حکمة و دلیل مقصودین و هما یفهمان من سیاق الکلام بعد و قبل آیة التطهیر حیث أن الرسول (ص) أراد بهذا المقطع من الحدیث أن یحصر أهل بیته بهؤلاء الذین هم تحت الکساء خاصة و یرید أن یقول أن آیة التطهیر لا تصدق الّا فی حقّهم، حتی لا یتصوّر البعض أن المخاطب بهذه الآیة جمیع أفراد عائلته بما فیهم أزواجه و غیرهم، فلو لم یفعل الرسول الأکرم (ص) هذا العمل لتشخیص أهل البیت لکان من الممکن ادخال زوجاته وأقربائه ضمن المصادیق المراده من الآیة لانها ذکرت أهل البیت بنحو الاطلاق، لذا ورد فی بعض الروایات أن النبی (ص) کرّر هذه الجملة ثلاث مرّات: اللهم هؤلاء أهل بیتی و خاصتی فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا.[vi]

و قد جاء فی مصادر أهل السنة أن النبی کان یأتی الی بیت الإمام علی (ع) و السیدة الزهراء (س) أربعین لیلة قبل صلاة الصبح و یطرق بابهم و یقول: «السلام علیکم أهلَ البیت و رحمة الله و برکاته، الصلاة رحمکم الله»، إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهّرکم تطهیرا. [vii]و[viii]

2- اثبات العصمة:

المسألة المهمة الاخری التی اشیر لها فی هذا الحدیث هی مسألة عصمة أهل البیت (ع) –و کذلک کل الائمة (ع) تبعاً لهم- من کل رجسٍ و ذنب، فمن حیث أن حدیث الکساء شأن نزول آیة التطهیر و آیة التطهیر تدل علی عصمة أهل البیت، فمن الطبیعی یکون حدیث الکساء دالاً علی عصمتهم أیضاً.

آیة التطهیر برهان واضح علی العصمة.

اعتبر بعض المفسّرین «الرجس» فی الآیة المذکورة إشارة الی الشرک أو الکبائر –کالزنا- فقط، فی حین لا یوجد دلیل علی هذا التحدید، بل أن إطلاق الرجس –و خاصّة بملاحظة ألفه و لامه، و هی ألف لام الجنس- یشمل کل أنواع الذنوب و المعاصی، لأن کل المعاصی رجس، و لذلک فإن هذه الکلمة أطلقت فی القرآن علی الشرک و الخمور و القمار و النفاق و اللحوم المحرّمة و النجسة و أمثال ذلک. [ix]

انظر الآیات: الحج/30 – المائدة/90 – التوبة/125 – الأنعام/145 .

و بملاحظة أن الإرادة الإلهیة حتمیة التنفیذ و الوقوع، و أن جملة «إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس» دلیل علی إرادته الحتمیة، و خاصة بوجود کلمة «إنّما» الدالة علی الحصر والتأکید، سیتضح أن إرادة الله سبحانه قد قُطعت بأن یکون أهل البیت منزّهین عن کل رجس و خطأ، و هذا هو مقام العصمة.

و ثمة مسألة تستحق الإنتباه، و هی أنه لیس المراد من الإرادة الإلهیة فی هذه الآیة الأوامر و الأحکام الإلهیة فی مسائل الحلال و الحرام، لأن هذه الأحکام تشمل الجمیع و لا تختص بأهل البیت، و بناءً علی هذا فإنها لا تتناسب مع مفهوم «إنّما».

إذن، فهذه الإرادة المستمرة نوع من الامداد الإلهی الذی یعین أهل البیت علی العصمة و الإستمرار فیها، و هی فی الوقت نفسه لا تنافی حریة الإرادة و الاختیار.

إن مفهوم هذه الآیة فی الحقیقة هو عین ما جاء فی الزیارة الجامعة: «عصمکم الله من الزلل، و آمنکم من الفتن، و طهّرکم من الدنس و أذهب عنکم الرجس و طهّرکم تطهیراً».[x] و ینبغی أن لا نشک بعد هذا الإیضاح فی دلالة الآیة

المذکورة علی عصمة أهل البیت (ع).[i] 



[i]  الاحزاب، 33.

[ii]  الحلی، حسین بن یوسف، نهج الحق و کشف الصدق، ص 228 و 229، مؤسسة دار الهجرة، قم، 1407 هـ.ق ، فی مسند أحمد بن حنبل و فی «الجمع بین الصحاح الستة» نقل عن ام سلمة قالت: «کان رسول الله (ص) فی بیتی و أتت فاطمة فقال ادع زوجک و ابنیک فجاء علی و فاطمة و الحسن و الحسین و کان تحته کساء خیبری فأنزل الله « إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت و یطهّرکم تطهیرا» فأخذ فضل الکساء و کساهم به ثم أخرج یدیه فانوی بها الی السماء و قال: هؤلاء أهل بیتی فأدخلت رأسی البیت و قلت و أنا معهم یا رسول الله قال: إنکِ الی خیر» و نفس هذا المعنی یوجد فی صحیح أبی داوود، موطأ مالک و صحیح مسلم فی عدة أماکن و من طرق مختلفة.

[iii]  الحسکانی، الحاکم، شواهد التنزیل لقواعد التفضیل، ج2، ص17، طهارن، 1411 ق، نشر مؤسسة الطباعة و النشر.

[iv]  السید ابن طاووس، الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف، جلد 1، ص 124، نشر الخیام، 1400 ق.

[v]  «قال له و علیک السلام یا أخی و یا وصیی و خلیفتی و صاحب لوائی».

[vi]  النجم 3 و 4 (وَ مَا یَنطِقُ عَنِ الهَْوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ یُوحَى)‏

[vii]  الشیخ الصدوق، امالی الصدوق، نشر اعلمی، طباعة بیروت، 1400 ق.

[viii]  الأحزاب، 33.

[ix]  المعجم الأوسط للبحرانی، ج17، ص438، ح8360.

[x]  الحج،30؛ المائدة، 90؛ التوبة، 125؛ الأنعام، 145.



[i]  المکارم الشیرازی، الشیخ ناصر، تفسیر الأمثل، ج13، ص 240-241، مدرسة‌ الإمام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولی، 1379 هـ.ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280274 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    258855 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129655 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    115714 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89578 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61080 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60391 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57383 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    51662 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47726 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...