Please Wait
12732
الملاحظ من اطلاقات القرآن الكريم و ما استنبطة المفسرون منها، أن المراد من العالمين شعب خاص عاشوا في مكان و زمان معينين. و هناك الكثير من الشواهد في الكتب التفسيرية – الشيعية و السنية- التي تؤكد عدم انحصار الافضلية بمريم (س)، بل شاركها في هذه الصفة بعض النساء حيث وصفهن بانهم افضل نساء العالمين أيضا، فلا مجال لحصر الفضيلة بها فقط؛ فقد أخرج ابن عباس قال: قال رسول اللّه (ص): «أفضل نساء العالمين خديجة و فاطمة و مريم و آسية امرأة فرعون» و أخرج ابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه. و من هنا لا تثبت أفضلية مريم على السيدة الزهراء (س) لانها – و حسب استدلال الفخر الرازي- لم تكن موجودة في عصرها. و بتعبير علمي، إن تفضيل الزهراء (س) على مريم (س) لا يعني تخصيص الآيات، و ذلك لان الزهراء (س) خارجة تخصصا عن دائرة العالمين الذين تتحدث عنهم الآية الدالة على أفضلية مريم (س) لعدم وجودها في ذلك العصر.
و من هنا جاء الروايات الصادرة عن المعصومين لتبين لنا بان أفضلية مريم (س) خاصة بنساء زمانها و أن الزهراء (س) أفضل نساء الاولين و الآخرين.
ثم من قال: كثرة الحديث عن الشخص او الطائفة يدل على أفضليته على الآخرين؟ أ ليس بنو اسرائل ذكورا في القرآن اكثر من ذكر المسملين؟ و بعض الانبياء ذكروا اكثر من الرسول الاكرم (ص)؟
كذلك من قال بانحصار الحديث مع الملائكة بمريم خاصة؟ و هكذا نزول المائدة من السماء؟ اليس الكثير من الانبياء قد تحدثوا مع الملائكة و أن المائدة السماوية نزلت على بني اسرائيل؟
أضف الى ذلك أن الآيات النازلة في حق أهل البيت و منهم السيد الزهراء (س) كثيرة جداً، و يكفي انهم عدل القرآن باكمله كما في حديث الثقلين المروي متواترا بين الفريقين.
نحاول توزيع الجواب على عدة اقسام و خاتمة نشير فيها الى عدة فروع:د
1. في هذا القسم نحاول بيان المراد من " العالمين" و هل المراد منه جميع الازمان و العصور و الاماكن؟ او المراد منه شعب خاص عاشوا في مكان و زمان معينين؟
الملاحظ من اطلاقات القرآن الكريم و ما استنبطة المفسرون منها، أن المراد منها شعب خاص عاشوا في مكان و زمان معينين.[1]
نشير هنا على سبيل المثال الى كلمات بعض المفسرين من أهل السنة:
الف: روى السيوطي في تفسيره عن عبد الرزاق و عبد بن حميد عن قتادة في قوله (وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال: فضلوا على العالم الذي كانوا فيه و لكل زمان عالم.[2]
ب. قال الفخر الرازي و هو من كبار مفسري أهل السنة، في توجيه قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ" معناه أن اللّه تعالى اصطفاهم على كل المخلوقات و لا شك أن الملائكة من المخلوقات، فهذه الآية تقتضي أن اللّه تعالى اصطفى هؤلاء الأنبياء على الملائكة. فإن قيل: يشكل هذا بقوله تعالى: "يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ" [البقرة: 47] فإنه لا يلزم أن يكونوا أفضل من الملائكة و من محمد (ص)؟ قلنا: الإشكال مدفوع لأن قوله تعالى: "وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ" خطاب مع الأنبياء الذين كانوا أسلاف اليهود و حين ما كانوا موجودين لم يكن محمد موجوداً في ذلك الزمان و لما لم يكن موجوداً لم يكن من العالمين لأن المعدوم لا يكون من العالمين و إذا كان كذلك لم يلزم من اصطفاء اللّه تعالى إياهم على العالمين في ذلك الوقت أن يكونوا أفضل من محمد (ص).[3]
ج. أخرج ابن أبى حاتم عن السدى "وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ"[4] قال: على نساء ذلك الزمان الذي هم فيه[5]
2. هل ان قاعدة تخصيص الآيات بالروايات من القواعد المعتمدة و هل يقول بها أهل السنة أيضا أو لا؟
و الاجابة هنا تتم في محورين المحور الاول بيان رأي الاصوليين من العلماء في هذه القضية، و الثاني ذكر بعض التطبيقات:
المحور الاول: عقد المحقق النائيني فصلا تحت عنوان: "جواز تخصيص العام الوارد في الكتاب بالخبر الواحد".
ثم قال: الثابت حجيته و لا يصغى إلى ما قيل من ان كون سند الكتاب مقطوعا يمنع من تخصيصه بالخبر الواحد المشكوك في صدوره من المعصوم عليه السلام و ذلك لأن تخصيص الكتاب بالخبر الواحد لا يستلزم رفع اليد عن سند الكتاب المقطوع به و انما يستلزم رفع اليد عن ظهوره المشكوك في إرادته فالتعارض في الحقيقة انما هو بين ظهور الكتاب و سند الخبر و من الواضح ان كليهما ظني لكن دليل التعبد بسند الخبر يتقدم على أصالة الظهور في الكتاب لأن الخبر على تقدير ثبوت صدوره بنفسه قرينة على إرادة خلاف الظاهر من الكتاب و رافع للشك فيما هو المراد به فالتعبد بصدوره تعبد بما هو قرينة على الكتاب و رافع لموضوع التعبد بأصالة الظهور.[6] أما بالنسبة الى موقف أهل السنة من هذه القضية فقد تعرض له صاحب كتاب اصول الفقه المقارن قائلا:
ليس هناك ما يمنع من تخصيص الكتب بها (بالسنة) ما دام المخصص بمنزلة القرينة الكاشفة عن المراد من العام، و الظاهر أنه بهذا المقدار موضع اتفاق المسلمين، و لذلك أرسلوا - إرسال المسلمات - إمكان تخصيص الكتاب بما تواتر من السنة، و لكن موضع الخلاف في السنة التي تثبت باخبار الآحاد، فالذي عليه الجمهور ان «خبر الواحد يخص عام الكتاب كما يخصه المتواتر»[7]و فصل الحنفية بين أن يكون العام الكتابي قد خصص من قبل بقطعي حتى صار بذلك التخصيص ظنيا، و بين ما لم يخصص فجوزوه في الأول و منعوه في الثاني[8]، و ذهب البعض إلى المنع مطلقا.[9] إذن القضية عليها اكثر جمهور العامة مع الاصوليين من الشيعة.
المحور الثاني: هناك الكثير من العلماء منهم من تبنى تلك القاعدة، نشير الى بعض التطبيقات:
الف: قوله تعالى « وَ أَنِّی فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِینَ»[10] " و مع كون ظاهر الآية مطلقا يشمل جميع العالمين بما فيهم الرسول الاكرم (ص) مع ذلك نجد السيوطي في تفسير للآية المباركة يروي عن عبد الرزاق و عبد بن حميد عن قتادة في قوله (وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال: فضلوا على العالم الذي كانوا فيه و لكل زمان عالم.[11] و هذا تخصيص لأطلاق الآية.
و قال الفخر الرازي في تفسيره للآية: أي فضلهم على عالمهم.[12]
ب: قوله تعالى: « وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِینَ»[13] حيث نرى بعض المفسرين كالسيوطي يقول: أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: على نساء ذلك الزمان الذي هم فيه.[14]
و من المفسرين من قال في تفسير قوله تعالى« وَ اصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِینَ»[15]: يجوز أن يحمل اصطفاؤها على نساء العالمين على معنى تفضيلها على عالمي زمانها من النساء.[16]
3. هناك الكثير من الشواهد في الكتب التفسيرية – الشيعية و السنية- التي تؤكد عدم انحصار الافضلية بمريم (س)، بل هناك شاركها في هذه الصفة بعض النساء حيث وصفهن بانهم افضل نساء العالمين أيضا، فلا مجال لحصر الفضيلة بها فقط؛ فقد أخرج ابن عباس قال: قال رسول اللّه (ص): «أفضل نساء العالمين خديجة و فاطمة و مريم و آسية امرأة فرعون» و أخرج ابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه.[17]
تحصل أن: الروايات و الشواهد تكشف لنا بوضوح عدم عمومية "العالمين" لجميع الاعصار و الازمنة بحيث تفضل على السيدة الزهراء (س) و ذلك لعدم حضور الزهراء (س) في ذلك العصر؛ من هنا لا يثبت تقدم مريم (س) و افضليتها على فاطمة (س)؛ و بتعبير علمي، إن تفضيل الزهراء (س) على مريم (س) لا يعني تخصيص الآيات، و ذلك لان الزهراء (س) خارجة تخصصا عن دائرة العالمين الذين تتحدث عنهم الآية الدالة على افضلية مريم (س) لعدم وجودها في ذلك العصر.
و من هنا جاء الروايات الصادرة عن الثقل الاصغر لتبين لنا بان أفضلية مريم (س) خاصة بنساء زمانها و أن الزهراء (س) أفضل نساء الاولين و الآخرين.[18]
تنبيهات:
1. تقديم ذكر شخص ما أو جماعة على الآخرين في القرآن الكريم لايدل بالضرورة على أفضليته، كما نرى ذلك في المقارنة بين مفردة "بني اسرائيل" و مفردة " المسلم و مشتقاته" حيث نجد مصطلح بني اسرائيل قد ورد في القرآن 40 مرة، و الحال أن كلمة المسلم و مشتقاته وردت 24 مرة، و كذلك نجد اسماء سائر الانبياء وردت في القرآن الكريم اكثر من اسم النبي الاكرم (ص)؛ و مع ذلك لم يثبت افضلية بني اسرائيل على الأمة الاسلامية و لا أفضلية سائر الانبياء على شخص النبي الاكرم (ص).
2. خلافا لما ورد في متن السؤال، أولا: إن قوله (ص) «فَاطِمَةَ سَیدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِین» قد روي في الفقیه[19] و الکافی[20] و التهذیب[21] و هي ثلاثة كتب من الكتب الاربعة عند الشيعة. ثانيا: من قال ان الحديث الشيعي منحصر بالكتب الاربعة فقط و ما سواها لا قيمة له؟! و لو كان ذلك صحيحا فما الحاجة الى تأليف كل تلك الموسوعات الحديثية التي دونت بعد الكتب الاربعة.
3. من قال بانحصار التحدث مع الملائكة و نزول المائدة من السماء بمريم فقط؟! أ ليس الكثير من الانبياء قد تحدثوا مع الملائكة؟ و أ ليس قد انزل الله تعالى على بني اسرائيل مائدة من السماء؟ أ ليس الله تعالى قد شق البحر لبني اسرائيل، و هذه مزايا اشتركوا فيها مع مريم.
4. من قالوا بافضلية الزهراء (س) على مريم (س) لا يريدون من ذلك الانتقاص منها او انكار فضائلها[22]، فالقضية تشبه الى حد كبير تفضيل النبي الاكرم (ص) على سائر الانبياء، فانه مع كونه الافضل و لكن هذا لا ينقص من فضل سائر الانبياء شيئاً.
أضف الى ذلك أن الآيات النازلة في حق أهل البيت و منهم السيد الزهراء (س) كثيرة جداً، و يكفي انهم عدل القرآن باكمله كما في حديث الثقلين المروي متواترا بين الفريقين.
لمزيد الاطلاع انظر:
سیدتا نساء العالمین فاطمة و مریم (س) رقم 20337 (الموقع: 19585).
[1] باستثناء حالات خاصة كما اذا استعمل اللفظ في حق الله تعالى كقوله: " الحمد لله رب العالمين".
[2] السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في تفسير المأثور، ج 1، ص 68، مکتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1404 ق.
[3] فخر الدين الرازي، ابوعبدالله محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، ج 2، ص 444، دار احياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، بيروت، 1420 ق.
[4] آل عمران، 42.
[5] الدر المنثور في تفسير المأثور، ج 2، ص 24.
[6] النائيني، محمد حسين، اجواد التقريرات، ج1، ص504- 505، انشارات مصطفوي، قم، 1368هجري شمسي.
[7] انظر: أصول الفقه للخضري: ص 184،نقلا عن الاصول العامة للفقه المقارن.
[8] نفس المصدر.
[9] الحكيم، محمد تقي، الاصول العامة، ص 232، المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، 1418 هـ.
[10]. بقرة، 47 و 122.
[11] السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في تفسير المأثور، ج 1، ص 68، مکتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1404 ق.
[12] مفاتيح الغيب، ج 3، ص 484.
[13]. آل عمران، 42.
[14] الدر المنثور في تفسير المأثور، ج 2، ص 24.
[15]. آل عمران، 42.
[16] الطنطاوي، سيد محمد، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج 2، ص 101.
[17] الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير، ج 1، ص 390، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، الطبعة الاولی، دمشق، بيروت، 1414 ق؛ ابن كثير الدمشقي، اسماعيل بن عمرو، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، ج 2، ص 34، دار الكتب العلمية، منشورات محمد على بيضون، الطبعة الاولی، بيروت، 1419 ق.
[18] الشیخ الصدوق، معانی الأخبار، ص 107، انتشارات جماعۀ المدرسین، قم، 1361 ش.
[19]. صدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 179، انتشارات جامعه مدرسين، قم، 1413 هـ ق.
[20]. کلینی، كافي، ج 1، ص 459، دار الكتب الإسلامية، تهران، 1365 هـ ش.
[21]. طوسی، تهذيبالأحكام، ج 3، ص 110، دار الكتب الإسلاميه تهران، 1365 هـ ق.
[22] انظر لمزيد الاطلاع: «مقام و منزلة السیدة مریم السؤال 6591 (الموقع: 8306)»