بحث متقدم
الزيارة
6949
محدثة عن: 2007/02/05
خلاصة السؤال
إذا کان الله خالق کل شیء، فهل إن ما یصدر من الإنسان من أعمال قبیحة یمکن أن ینسب إلى الله؟
السؤال
إذا کان الله خالق کل شیء، فهل إن ما یصدر من الإنسان من أعمال قبیحة یمکن أن ینسب إلى الله؟
الجواب الإجمالي

یتضح الجواب عن هذا السؤال من خلال تعریف الإرادة وتقسیمها إلى تکوینیة و تشریعیة، فالإرادة على قسمین: أحدهما إرادة تکوینیة و الأخرى إرادة تشریعیة.

الإرادة التکوینیة عبارة عن العلم بالنظام بشکل کامل و تام، یعنی أنه بالقدر الذی یکون الله فیه عالماً بالنظام الأتم الأکمل، فإن هذا العلم هو العلة فی خلق العالم و یعبر عن هذا العلم بالإرادة.

و أما الإرادة التشریعیة فهی عبارة عن علم الله بمصلحة فعل المکلف، و هذا العلم بالمصلحة و الذی صار منشأً للتکلیف هو ما نسمیه بالإرادة التشریعیة.

و أن الطاعة و العصیان و العبادة و الذنب، هی عناوین یکون منشأ انتزاعها من قیاس و نسبة أعمال الإنسان الإرادیة إلى أوامر الله و نواهیه، التی هی نفس إرادته التشریعیة و لا تنتزع هذه المفاهیم بقیاس أعمال الإنسان و نسبتها إلى إرادة الله التکوینیة، و إرادة الله التکوینیة هی کعلمه و قدرته هی محیطة و شاملة و متسعة لجمیع أعمال الإنسان بشکل مطلق، و لکن بلحاظ المحبوبیة و المبغوضیة – و هی ملاک الإرادة الإلهیة التشریعیة – فإن أعمال الإنسان الإرادیة تقسم إلى قسمین: 1. أعمال محمودة. 2. أعمال غیر محمودة، و القسم الأول تتعلق به إرادة الله التشریعیة، و القسم الثانی لا تتعلق به هذه الإرادة، و علیه فکل عمل غیر محمود لا یمکن أن ینسب إلى الله سبحانه.

الجواب التفصيلي

على أساس القاعدة الکلیة فی نظام الخلق و انه فی عالم الوجود و نظامه لا وجود لفاعل أصیل و مستقل سوى الله سبحانه، و إذا کان لبعض الظواهر من آثار و فعل، فإنه یقع بإذن الله و إرادته. «وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ یَشَاءَ اللَّهُ»، و إن القاعدة و الأصل فی سعة الإرادة الإلهیة تبین أنه لیست مبادئ الفعل وحدها هی المتعلقة بالإرادة الإلهیة، بل الفعل نفسه لا یکون خارجاً عن دائرة الإرادة الإلهیة و السؤال الذی یطرح نفسه هو إذا کانت قدرة الله تعالى بهذه السعة و الشمولیة، فلازم ذلک أن الأعمال القبیحة و غیر المرغوب فیها واقعة فی دائرة هذه الإرادة و داخلة فی محیطها، فی حین أن إرادة الأعمال القبیحة هی کالإتیان بها قبیحة أیضاً و غیر مستساغة و الحال ان الذات الإلهیة المقدسة منزهة عن کل قبیح و غیر مستساغ؟.

و الجواب عن هذا السؤال بحاجة إلى مقدمة و المقدمة هی تقسیم الإرادة إلى قسمین: تکوینیة و تشریعیة و من ثم تعریف کل من الإرادتین حتى یکون الجواب على هذا السؤال واضحاً و مبیناً.

و بشکل إجمالی فإن الإرادة فی دائرة العلوم النظریة هی قسم واحد لا غیر، هی (الإرادة التکوینیة) و أما الإرادة التشریعیة فقد وقع علیها البحث فی العلوم التشریعیة و وضع القوانین.[1]

و هکذا عرفت الإرادة بقسمیها الإرادة التکوینیة و الإرادة التشریعیة.

أما الإرادة التکوینیة فهی عبارة عن العلم بالنظام بشکل تام و کامل، و بالقدر الذی یکون فیه الخالق عالماً بالنظام الأتم و الأکمل بالنسبة لعالم الخلق فنفس هذا العلم بالنظام هو العلة فی خلق هذا العالم و یعبر عن هذا العلم بالإرادة، و بعبارة أخرى فإن العلم و الإرادة بالنسبة للممکنات لها معنیان و حقیقتان، و لکنها بالنسبة إلى ذات الواجب تعالى شیء واحد لا غیر، فمعنى إرادة الله هو علمه بنظام الخلق.

و أما الإرادة التشریعیة فهی عبارة عن أن الله یعلم المصلحة فی فعل المکلف، و إن هذا العلم بالمصلحة یکون منشأً للتکلیف و هذا ما نسمیه بالإرادة التشریعیة، إذن فالشیء الذی لا یجب أن یکون التکلیف الإلهی خالیاً منه هو العلم بالمصلحة، أی هو الإرادة التشریعیة التی یلزم وجودها فی التکالیف و هی موجودة کما یجب، و المحال هو تخلف المراد عن الإرادة التکوینیة لا الإرادة التشریعیة، لأن تخلف المراد عن الإرادة التشریعیة أمر ممکن، فمن الممکن أن یکون الله عالماً بمصلحة الصلاة بالنسبة للعبد، و لکن العبد یمتنع عن أداء الصلاة، إذن فاللازم فی التکالیف هی الإرادة التشریعیة.[2]

و الجواب عن السؤال المتقدم و بلحاظ المقدمة السالفة یمکن أن یطرح – طبقاً للقواعد الفلسفیة و انسجاماً مع الآیات القرآنیة – على النحو التالی:

إن وجود عالم الإمکان فی کل زمان و مکان هو مخلوق لله سبحانه «اللَّهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْءٍ وَ هُوَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ وَکِیلٌ».[3]

و إن کل ما خلقه الله هو حسن و جمیل: «الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْءٍ خَلَقَهُ».[4]

و إن الأعمال المستساغة و غیر المستساغة لا تفاوت بینهما فی أصل الوجود و من حیث هی، فالتصرف بمال الغیر بإذن مالکه و التصرف الغصبی من دون إذن هما شیء واحد بالنظرة الواقعیة و أصل الوجود، و کذلک فإن العلاقة غیر المشروعة بین الرجل و المرأة لا تختلف عن العلاقة الشرعیة والقانونیة فی حقیقة الأمر و عین الواقعیة، لأن کل عمل من هذین النوعین هو من اختیار فاعله، فهما عمل واحد من حیث الواقعیة و أصل الوجود، و فی واقع الأمر و أصل الوجود فکلاهما مخلوقین لله سبحانه وکل منهما متعلق بإرادة الله التکوینیة، و علیه فلا سبیل هنا إلى العمل غیر المحمود و غیر المراد.

فالمحمود و غیر المحمود صفتان تلحقان عمل الإنسان الاختیاری إذا ما قیس و نسب إلى أوامر الله و نواهیه الشرعیة، و هذه الأوامر و النواهی الشرعیة تکشف عن رضا الله تارة و عن سخطه تارة أخرى، و إن محور الرضا و السخط لم یکن الإرادة التکوینیة الإلهیة قطعاً.[5]

فالطاعة و العصیان، و العبادة و الذنب هی عناوین منتزعة من وضع أعمال الإنسان فی میزان الأوامر و النواهی الإلهیة، التی تمثل الإرادة التشریعیة و قیامها بالنسبة إلیها.

و لا تقاس أعمال الإنسان إلى إرادة الله التکوینیة، و إن إرادة الله التکوینیة هی کعلمه و قدرته شاملة و محیطة و مستوعبة لکل أعمال الإنسان، و لکن هذه الأعمال و بلحاظ المحبوبیة و المبغوضیة هی ملاک الإرادة الإلهیة التشریعیة.

و قد ورد فی الحدیث القدسی قوله تعالى: «یا ابن آدم أنا أولى بحسناتک منک، و أنت أولى بسیئاتک منی».

و إذا ما دققنا فی هذا الکلام فإننا نجد أن الله سبحانه نسب الحسنة إلى نفسه و إلى الإنسان، و لکن قال: أنا أولى منک بحسناتک، بینما قال بخصوص السیئة: أنت أولى بسیئاتک منی. و لتوضیح هذه الفکرة نشرح مثالاً وجدناه فی بعض رسائل أهل التحقیق لنصل إلى فهم أدق:

عندما تشرق الشمس على الجدار فإن الجدار یصبح وضاءً بفعل أشعة الشمس و یکون له ظل بنفس السبب، فالشخص الذی ینظر إلى الجدار دون علمه بوجود الشمس سیظن أن إضاءة الجدار هی من لدن الجدار نفسه، و أما الشخص الذی ینظر إلى الشمس فإنه یعلم أن نور الجدار هو من الشمس، فإذا ما نسب النور إلى الجدار فإن الجدار منور و لا شک فی ذلک و هو بدیهی و ضروری، و لکن ضوءه و نوره من الشمس، فکما نقول ان القیام و القعود منسوب إلینا و لکن الحول و القوة من الله سبحانه، و کذلک نسبة الضحک و البکاء فإنها منسوبة إلى الله وحده: "وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَکَ وَ أَبْکَى" و لکن الذی ضحک و بکى هو زید و عمرو.

و کذلک فإننا نلاحظ وجود الظل بالنسبة للجدار، و لکننا نعلم أن هذا الظل قائم بالجدار، فلیس للظل وجود قائم بذاته، و إن ظل الجدار لم یکن صادراً من الشمس کصدور نور الجدار منها و لکن لولا وجود الشمس و إرسال أشعتها إلى الجدار فلا وجود للظل، فالشمس و إن کانت لم تعط الجدار الظل بذاتها إلا أنها أعطته النور بذاتها، و لکن وجود الظل هو بسبب إشراق الشمس. و کذلک فإن الجدار لم یعط الظل بالذات مع أن الظل من جهته و ناحیته.

إذن ففی وجود نور الجدار و وجود ظل الجدار نجد سلطان الشمس هو الحاکم، و لا یمکن أن یرفع أثر الشمس فی وجود ظل الجدار، و إن کان هذا الظل من جهة الجدار نفسه.

فلنعلم إذن أن نور الشمس یمثل الحسنة، و أن ظل الجدار یمثل السیئة.

فیمکن للشمس أن تقول للجدار: إذا کان لک نور فإنا أولى منک بنورک، و کذلک تقول له: و إن کان ظهور ظلک هو منی، و لکنک أولى بظلک منی.

و کذلک تقول له: ما أصابک من نور فمن الشمس، و ما أصابک من ظل فمن نفسک!

مصادر للإطلاع:

1- حسن زاده آملی، حسن ، خیر الاثر در رد جبر و قدر "خیر الأثر فی رد الجبر و القدر".

2- السبحانی، جعفر ، الإلهیات على هدى الکتاب و السنة و العقل، ج 2.

3- الجعفری، محمد تقی ، تفسیر و نقد تحلیل مثنوى جلال الدین محمد بلخى "تفسیر و نقد و تحلیل المثنوی لجلال الدین محمد البلخی"، ج 1.

4- الواعظی، أحمد ، انسان از دیدگاه اسلام"الإنسان بمنظار الإسلام"، مکتب التعاون بین الحوزة و الجامعة.

5- الموسوی الخمینی، روح الله ، الطلب و الإرادة، ترجمة و شرح، الفهری، السید أحمد.

6- الشیرازی، صدر الدین( ملا صدرا )، رساله ی جبر و اختیار، خلق الاعمال "رسالة الجبر و الاختیار"، خلق الأعمال.



[1] ربانی الگلبایگانی، علی، جبر و اختیار "الجبر و الاختیار"، مؤسسة تحقیقات سید الشهداء، قم، الطبعة الأولى، 1368، ص 84.

[2] الموسوی الخمینی،روح الله، الطلب و الإرادة، ترجمة و شرح، الفهری، السید أحمد ، المنشورات العلمیة و الثقافیة، ص 52.

[3] الزمر، 62.

[4] السجدة، 7.

[5] الطباطبائی،محمد حسین، تفسیر المیزان، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، لبنان، 1393، الطبعة الثالثة، ج 1، ص 101.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280465 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259118 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129816 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116202 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89697 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61314 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60564 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57472 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52091 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48156 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...