Please Wait
8486
ان اقتران ومعیة الخوف و الرجاء و احیاناً الحب، بالنسبة الی الله تعالی لیس امراً مستغرباً، فهو یملأ کل جوانب حیاتنا و لکنناّ و لشدة وضوحه غافلون عنه. فلنعلم انه حتی عملیة(المشی) التی نقوم بها هی ایضاً من ثمرات الخوف و الرجاء و الحب، اذ لم یکن لنا امل و رجاء لم نکن لنمشی، و اذا لم نمش فلا نصل الی الهدف، و اذا لم نکن نخاف فسوف لن نحتاط فی طریق مشینا، مما یسبب لنا الضرر و لانصل الی الهدف أیضاً. ویتضح هذا الامر جلیاً عند استعمالنا لوسائط النقل، او الاجهزة الکهربائیة او الحراریة و... لاننا نستعمل هذه الوسائط و الاجهزة بشوق و لکن اذا لم یکن استعمالها مقترنا بالخوف ثم الاحتیاط فان اقترابنا منها سیکون سبباً للهلاک و الدمار. و علیه فیجب القول انه یجب الخوف من الله کما یجب حبه و رجاؤه، لان حبه و عشقه و رجاءه یحقق لنا الارتباط به من جانب، و من جانب آخر یبعثنا علی التحرک و السعی الحثیث و الاستباق من اجل کسب موجبات مرضاته و الوصول فی النهایة الی فیوضاته و الطافه و نعمه الدنیویة و الأخرویة، و ان الخوف منه یؤدی إلی الخضوع و الخشوع و السعی الی طاعته و ترک معاصیه و کل ما یوجب قهره و عذابه و غضبه. ان معیة الخوف و الرجاء هذه فی الدنیا تکون بالنسبة للافراد المتوسطین سبباً للسکینة و الاطمئنان الخالص من أی أذی و خوف فی الآخرة، هذه الدنیا التی هی محل العمل و الفعّالیة و الزراعة و التی یکون العمل فیها و الزراعة بحاجة الى حراسة و حفظ من الآفات، لکی یصل الناتج الی محل الحاجة و هو الآخرة، فاذا وصل العمل سالماً فلاحاجة لحراسته هناک، کما انه لیس محلاً للعمل و الزراعة. ان الخوف لوحده یکون سبباً للیأس و القنوط و الانقباض و الکآبة، و کذلک الحب و الرجاء لوحده سبب للغرور و خداع النفس و التجّری و ارتکاب المعاصی، وکلا هذین الامرین مذموم.
ان الخوف و الرجاء و الحب هی من الامور الوجدانیة التی لاتحتاج الی تعریف، و الانسان یمکن ان ینتابه الخوف و القلق بسبب امور عدیدة منها.
1ـ الاحساس بالخطر و الضرر على نفسه او ماله او عرضه او..... 2-ادراک عظمة و هیبة امرٍ أو شیء ما.
3- جهله بعواقب و تبعات اعماله او ما سیؤول الیه مصیره و....
و من الممکن ان تجتمع هذه العوامل أحیاناً بالنسبة الی أمر واحد.
و کذلک الشعور بالحب و التعلق أیضاً یحصل بسبب عدة امور منها.
الف- الاحساس بالجمال و الجذابیة فی المحبوب، و التعلق به من جهة التعلق و المیل الی ذلک الجمال، و احد الشعراء یعتبر ذلک الحب ناشئاً من جمال الالوان و ان مصیره یؤول الی الفضیحة و العار، و لکن لیس هذا قاعدة کلیة دائمیة، بل انها تصدق فقط فیما اذا کان هذا الجمال زائلاً و فانیاً و صوریّاً، اما اذا کان الجمال و الکمال جمال القیم و الاخلاق، اوکان جمالاً وجودیاً و حقیقیاً، فان الحب حینئذٍ لیس سببه جمال الالوان و الاصباغ، فلا تکون عاقبته العار، بل عاقبته هی الاصطباغ و الانفعال مع المحبوب.
ب ـ الشعور بالحاجة و الافتقار الی المحبوب و توقّع الانتفاع من المحبوب فی طریق الوصول الى الغایات. ان هذا المحب یطلب محبوبه لاجل منافعه لا لذات المحبوب.
ج ـ الحب الحاصل علی اثر الشعور بلزوم شکر المنعم. و یکون المحب متعلقاً بالمحبوب بسبب احسانه الیه و انعامه و مواهبه، حیث صار رهیناً لمنتّه علیه.
د ـ یکون المحبوب طالباً لمحبة المحب و یرید جذبه الیه لیحتضنه و یعینه و .... و من الممکن ان تجتمع عدة عوامل بالنسبة الی محبوب واحد.
و نحن اذا دققنا النظر نجد ان کل اعمالنا و ردود افعالنا فی الحقیقة عبارة عن خوف و رجاء قد امتزجا معاً. و قد یغلب أحدهما علی الآخر أحیاناً، فلیست الموازنة، بینهما دائمیة، لکن هذه المعیة و الامتزاج بین الخوف و الرجاء (الحب) امر لا یمکن اجتنابه، نعم قد نغفل عنه لشدة وضوحه، فان هذین الأمرین یؤثران علی سلوکنا، حیث یقوم الامل و الحب بتحریکنا باتجاه أداء الاعمال الیومیة، بل حتی الاعمال الخطرة، بینما یعمل الخوف علی أن نأخذ جانب الاحتیاط و التدقیق و تقییم الاعمال و موازنة تبعاتها و تهیئة مقدماتها. فلو کان الرجاء و الحب موجوداً لوحده فقط، فانه حینئذٍ سوف لا نفکر بالاحتیاط و من ثم سنبتلی بالهلاک العاجل، و لو ان الخوف کان لوحده فقط لما استطعنا ان نقدم علی ای عمل حتی مثل الاکل و الشرب، و ذلک لانه من المحتمل ان تدخل اثناء الشرب قطرة ماء الی الرئة، او ان لقمة غذاء سوف تسد المریئ اثناء الاکل مما یسبب الموت!
و علی هذا فان مما یثیر العجب هو الاستغراب من معیة الخوف و الحب بالنسبة الی الله تعالی، لان ذلک یکشف عن غفلتنا عن معرفة انفسنا و حالاتها.و توضیح ذلک:
ان الخوف و الرجاء و الحب لله تعالی تختلف درجاته من شخص لآخر و ذلک بحسب مقدار معرفته بالله و صفاته الجمالیة و الجلالیة، و باقی المعارف الدینیة. هذا من جانب، و من جانب آخر: فان اطمئنانه أو عدم اطمئنانه علی مصیره و عاقبته أیضا هو علی درجات. فالذین جذبتهم هیبة و عظمة و جلال الحق، أو الذین کانوا قد ارتکبوا المعاصی و لم یراعوا محضر الربویبة، فانهم یغلب خوفهم علی حبهّم و رجائهم.
و علی العکس فالذین جذبهم جمال رحمة الحق تعالی و تمتعوا بالطافه و عنایاته و کانوا قد حفظوا جانب الاحتیاط فیما سلف من اعمارهم و راعوا جانب الادب فی محضر الربوبیة، و ان زلت أقدامهم احیاناً فانهم رأوا باب التوبة و المغفرة مفتوحاً فتابوا توبة نصوحاً فان هؤلاء یغلب حبهم و رجاؤهم علی خوفهم.و اما الاخرون و هم الذین توسطوا فی اعمالهم. فلم یطمئنوا علی ما سبق من اعمالهم و علی قبولها و أیضا هم یخافون عدم نجاتهم من غضب الله و عذابه و فی ذات الوقت هم یرجون عفو الله وجوده و کرمه فان هؤلاء توجد موازنة بین خوفهم و بین رجائهم و حبهم. لکن المهم هو ان اغلب الناس یکون الخوف و الرجاء عندهم ناشئاً من حب النفس و غریزة جلب المنفعة و دفع الضرر، یعنی ان اغلب الناس یخافون عقاب الله فی الآخرة و الحرمان من الفیوضات الالهیة و فقدانهم لنعم و ملذات الجنة و الحور و القصور! فانهم یظهرون الحب و الرجاء لله. لکن الذین جذبهم جمال و کمال الحق او بهتهم جلال و عز و عظمة الله تعالی، او اجتمع فیهم کلا الامرین قلیلون جداً فانه لم یصل الی هذا المقام من غیر الانبیاء و الاوصیاء الا اقل القلیل. و یوضح أمیر المؤمنین فی حکمته الخالدة هذه المجامیع الثلاثة بقوله:
" ان قوماً عبدوا الله رغبة فتلک عبادة التجار،
و ان قوماً عبدوا الله رهبة فتلک عبادة العبید،
و ان قوماً عبدوا الله شکراً فتلک عبادة الاحرار"[1]
و لهذا السبب یقول بعض العلماء : ان (الحب) هو احد المحاور المهمة فی التربیة و التعلیم فی الاسلام، و ان القرآن الکریم الذی هو معلم الاخلاق یعتبر الحب من أهم المحاور الاخلاقیة. یقول الامام الصادق(ع):"ان الله عز و جلّ ادبّ نبیّه علی محبتّه".[2]
ان مسألة الانذار (التخویف) و التبشیر(الترغیب) کثیرة فی القرآن الکریم و روایات أهل البیت(ع) لکنها بالنسبة الى ضعفاء الناس تمثل المرحلة النهائیة، و هی بالنسبة للمتوسطین تمثل المقدّمة و الوسیلة حیث یتحرک الانسان ابتداءً عن طریق التأدیب و الترغیب و بالتدریج الی ان یکون تحرکه علی أساس(التحبیب)[3]
و علی هذا الاساس فلا ینبغی التعجب من معیة الخوف و الحب لله، بل ان معیة الخوف و الرجاء هذه ضروریة لتربیة الانسان و تکامله، لانه بالخوف سیتجنب الانسان المعاصی و المهالک و اسباب غضب الله و عذابه، و یزداد خضوعه و خشوعه و طاعته لله تعالی. و عن طریق الحب سیتوجه برغبة و شوق الی اداء الواجبات و النوافل و الاستباق نحو موجبات الالطاف و النعم و الرحمة الالهیة.
و بعبارة ملخصة: ان ثمرة الخوف و الرجاء هی السبق الی الخیرات و التحلّی بالفضائل و اجتناب الشرور و المعاصی و تخلیة الرذائل، و هذا هو الکمال المطلوب الذی استهدفه الله سبحانه من خلق الانسان، و الذی یعنی الاصطباغ و التلّون بصبغة الله و الوصول الی مقام الخلافة الالهیة و التنعم بالنعم الاخرویة و النجاة من الضرر و القلق، و قد أشار سبحانه الی هذه الثمرة مرات عدیدة کقوله تعالی ( ... من آمن بالله و الیوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف علیهم و لا هم یحزنون)[4] و الا، فالخوف لوحده یسبب الاکتئاب و الیأس و ترک التوبة و الغرق فی الذنوب و المعاصی و ... و بالتالی یسبب الوقوع فی نقمات الدنیا و الآخرة. و الحب لوحده أیضاً یسبب التجری و ارتکاب المعاصی بأمل التوبة فی آخر العمر و الطمع الکاذب برحمة الله و لطفه، و الحال انه ما لم یکن الانسان بصدد کسب اسباب و موجبات الرأفة و الرحمة الالهیة، لا یمکنه ان یتوقع الرحمة و اللطف الالهی! و لهذا یقول الامام الحسین (ع) فی دعاء عرفة: "عمیت عین لا تراک علیها رقیباً و خسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبک نصیباً".
اذن فحصیلة هذا الخوف و الحب و ثمرته تظهر فی الآخرة، فاما ان تکون الآخرة محلاً للعذاب و النقمة الخالصة، و ذلک للذین لم یحفظوا هذه النعمة أو أصابهم الیأس و غرقوا فی المعاصی، او خدعوا فلم یحملوا زاداً معهم، و اما ان تکون محلاً للنعمة و السکینة الخالصة من القلق و الخوف، و ذلک للذین حفظوا التوازن بین الخوف و الرجاء فاجتنبوا و تسابقوا فی التزود فی الخیرات لآخرتهم.
للمطالعة یراجع بحث الخوف و الرجاء او الحب و الولایة فی الکتب الاخلاقیة. و کنماذج:
1ـ مراحل اخلاق در قرآن (مراحل الاخلاق فی القرآن)، آیة الله جوادی آملی، ص 279 ـ 340.
2 ـ شرح چهل حدیث (الاربعون حدیثاً)، الامام الخمینی (قدس سره)، ص 221- 233 ،481- 484.
3 ـ اخلاق در قرآن (الاخلاق فی القرآن)، محمد تقی مصباح الیزدی، بحث الخوف و الرجاء.