بحث متقدم
الزيارة
7606
محدثة عن: 2009/09/28
خلاصة السؤال
لماذا تصاحب القیامة وقائع مخیفة؟
السؤال
إذا کنا نعلم أن الله رحیم فلماذا جعل وقائع یوم القیامة و أحداثها مخیفة، حتى للعباد الصالحین؟ یوم یفر المرء من أخیه و أمه و أبیه... .
الجواب الإجمالي

تعتبر ساحة القیامة ساحة تجلٍّ و ظهور لکبریاء الله و عظمته. و قد أشار القرآن إلى أهوال یوم القیامة کدکِّ الجبال، و خروج الناس جمیعاً من قبورهم، و أن الأرض تخرج أثقالها، و تجسم جمیع أعمال الإنسان أمام عینیه، و إن کل أعضائه و بقاع الأرض التی کان یعمل علیها تفشی أسراره و تشهد علیه و تقول الحقائق.

إن سبب الخوف یوم القیامة أعمال الإنسان التی عملها فی هذه الدنیا. و لکن أهل التقوى و الصلاح فی أمن من فزع و هول یوم القیامة.

الجواب التفصيلي

للإجابة عن هذا السؤال یمکننا الإشارة إلى عدة نقاط:

1ـ إن ساحة القیامة هی ساحة تجلٍّ و ظهور لهیبة الله و کبریائه و قد وصف سبحانه یوم القیامة لیزرع الخوف و الخشیة فی قلوب الناس من یوم لقائه، یقول تعالى: «لِیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ * یَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا یَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَیْءٌ لِمَنِ الْمُلْکُ الْیَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»[1]. و قد بینت الآیات القرآنیة عدداً من حوادث یوم القیامة و کل واحدة منها تشیر إلى جانب من جوانب عظمة الله و هیبته.

الأولى: إزالة المواقع و الحواجز المادیة کتقویض الجبال، حیث وصف القرآن الأرض بقوله: «قَاعًا صَفْصَفًا» أی من دون ارتفاع و انخفاض[2].

الثانیة: خروج جمیع الناس من قبورهم.

الثالثة: انکشاف الأسرار الخفیة[3]. و أن الأرض تخرج ما بداخلها[4].

الرابعة: تفتح صحائف الأعمال و تنکشف کل محتویاتها[5].

الخامسة: تتجسم أعمال الإنسان کلها أمام عینیه[6].

السادسة: ظهور الأسرار التی کان یخفیها الإنسان[7].

السابعة: إن الأرض التی کان یسعى علیها الإنسان و أعضاء جسمه التی کان یعمل من خلالها تتحول إلى شهود علیه لتظهر جمیع الحقائق[8]. فیظهر الإنسان بکامل وجوده فی ساحة یوم القیامة حتى لا یبقى أمر خافٍ من أموره[9]. فلو تصورنا أن مثل هذه الأمور تحدث للحظة فی عالم الدنیا فیکون الظاهر کالباطن و السر کالعلن و الخفاء کالتجلی، فأی ضجیج یمکن أن یحدث و أی اضطراب و دوی یملأ آفاق الأرض و یلف أقطارها؟ و کیف یمکن أن تکون طبیعة العلاقة بین أفراد المجتمع؟

2ـ إن سبب الخوف الأساسی یوم القیامة کامن فیما یقوم به الإنسان من أعمال و سلوکیات فی هذه الحیاة فالإنسان یخاف و یندهش عندما یقابل أعماله السیئة و سلوکه المنحرف، و عندما ینکشف ما کان یخفیه من أعمال السوء و ما یرتکبه من ذنوبٍ و آثام. إلى حدٍ یصف الله سبحانه الإنسان بقوله: «یَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَ تَرَى النَّاسَ سُکَارَى وَ مَا هُمْ بِسُکَارَى وَ لَکِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِیدٌ»[10]. أی أن بعض الناس الذین یرون سوء أعمالهم و قبحها من جهة و ینظرون إلى عظمة الله و هیبته من جهةٍ أخرى لا بد و أن یواجهوا مثل هذا الخوف و الهلع و الذهول.

و فی مقابل هذا الفریق من الناس یوجد فریق آخر مکون من أهل التقوى و الصلاح و الإیمان وصفهم الله بقولهم: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْهَا وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ»[11] و کذلک أصحاب الإیمان و العمل الصالح: «لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَکْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ هَذَا یَوْمُکُمُ الَّذِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ»[12].

و علیه فإن جمیع ما یلاقی الإنسان من خوفٍ و هلع و هول یرجع إلى طبیعة الأعمال التی یقوم بها فی الحیاة الدنیا. إن خوف الإنسان یوم القیامة أشبه بخوف المجرم الذی یقف أمام محکمة عادلة تجری علیه أحکام العدل، و لکن الإنسان البریء یقف أمام المحکمة دون أی خوفٍ أو وجل. فإذا کان الإنسان مؤمناً یعمل الصالحات و الخیرات فإنه یکون آمناً سواءً فی لحظة تسلیم الروح أو فی اللیلة الأولى من لیالی القبر أو ما یکون من أهوال القیامة.

سئل الإمام الحسن(ع) عن الموت فقال: «أعظم سرور یرد على المؤمنین»[13]. و یقول الإمام الصادق(ع): «القیامة عرس المتقین»[14].

للاطلاع:

1ـ موضوع خوف أولیاء الله، رقم 875 (الموقع 975).

2ـ موضوع الله خوفٌ أم حب رقم 783 (الموقع: 840).



[1]غافر، 15 و 16.

[2]طه، 106.

[3]الطارق، 9.

[4]الزلزلة،2.

[5]التکویر، 10.

[6]النبأ، 40.

[7]الأنعام، 28.

[8]الزلزلة، 4.

[9]إبراهیم، 21.

[10]الحج، 2.

[11]النمل، 89.

[12]الأنبیاء، 103.

[13]بحار الأنوار، ج 6، ص 153.

[14]المصدر نفسه، ج 7، ص 176.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257236 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113242 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49728 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...