بحث متقدم
الزيارة
6420
محدثة عن: 2009/12/14
خلاصة السؤال
ما الفرق بين التفسير بالرأي و التفسير الحضاري المتنور؟
السؤال
ما الفرق بين التفسير بالرأي (القائم على الظن و الاحتمال) و بين التفسير الحضاري المتنور (خبر الواحد الموثق)؟
الجواب الإجمالي

هناك علوم لا ترتبط بفهم القرآن و تفسيره بصورة مباشرة، لكنها تمثل المقدمة لفهمه و لولاها لما تمكن المفسر من تحليل و فهم الآيات فهما صحيحاً؛ من قبيل علم الصرف و النحو المعاني و البيان و اللغة و... من هنا لابد للمفسر الاحاطة بتلك العلوم التي تعد وسيلة و مقدمة للتفسير. كذلك يشتمل القرآن الكريم على العام و الخاص، المطلق و المقيد، الناسخ و المنسوخ، و فهم هذه التصنيفات يقتضي الاحاطة التامة بالآيات لكي لا يقع المفسر في خطأ اعتماد العام دون النظر الى الخاص او المطلق دون المقيد و النساخ دون المنسوخ.

ثم إن المنع من التفسير بالرأي لا يعني بحال من الاحوال الجمود و التحجر و....؛ و ذلك لان القرآن قد حث على التأمل و التدبر في الآيات و اعتبر سبب انحراف بعض الطوائف كامناً في رفضهم التدبر و التأمل في القرآن، بل ذم صنفا من الناس ممن يمر على آيات الذكر الحكيم من دون التأمل فيها و النظر في مضامينها " أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها". في الوقت الذي امتدح فيه صنفا ثانيا يعتمد آيات الذكر الحكم ليستنبط منها الحلول و المعالجات الصحيحة.

أما التفسير بالرأي، الذي ورد ذمه في كلمات المعصومين (ص)، فهو التفسير الذي يعتمد صاحبه الظن و التخمين فقط من دون الاحاطة بكل ما يكتنف القضية من مقدمات و الذي ينطلق فيه المفسر مما ظهر له إبتداء و مما استحسنه برأيه الخاص و نظره الساذج استناداً الى فرضيات مسبقة رسخت في ذهنه قبل الخوض في التفسير، بخلاف التفسير المتنور الذي ينطلق من الظروف الموضوعية و الحضارية فيضع لها حلولا قرآنية مع توفر الشروط اللازمة في المفسر و رعاية الاصول و الموازين التفسيرية، فان ذلك لايعد من مصاديق التفسير بالرأي قطعاً.

 

الجواب التفصيلي

الاجابة الدقيقة تقتضي الاشارة الى بعض النقاط المهمة من قبيل:

الأولى: ان اكثرالآيات قابلة للفهم من قبل عموم الناس؛ من هنا يعد الفهم العام لظواهر الآيات حجة و لهذا ذهب الاصوليون الى القول بحجية ظواهر القرآن الكريم.[1]

الثانية: هناك بعض الآيات اختص بفهمها الراسخون في العلم (النبي الاكرم و أهل بيته (ص)) و لا يمكن فهمها الا بالاستعانة بهم.

الثالثة: يشتمل القرآن الكريم على العام و الخاص، المطلق و المقيد، الناسخ و المنسوخ، و فهم هذه التصنيفات يقتضي الاحاطة التامة بالآيات لكي لا يقع المفسر في خطأ اعتماد العام دون النظر الى الخاص او المطلق دون المقيد و النساخ دون المنسوخ.

الرابعة: توجد بعض العلوم التي لا ترتبط بفهم القرآن و تفسيره بصورة مباشرة، لكنها تمثل المقدمة لفهمه و التي لولاها لما تمكن المفسر من تحليل و فهم الآيات فهما صحيحاً؛ من قبيل علم الصرف و النحو المعاني و البيان و اللغة و... من هنا لابد للمفسر الاحاطة بتلك العلوم التي تعد وسيلة و مقدمة للتفسير.

انطلاقا من هذه المقدمات نشرع في الاجابة عن السؤال المطروح:

التفسير بالرأي

إن المنع من التفسير بالرأي لا يعني بحال من الاحوال الجمود و التحجر و....؛ و ذلك لان القرآن اعتبر سبب انحراف بعض الطوائف كامناً في عدم التدبر و التأمل في القرآن، بل ذم هذا الصنف من الناس الذي يمر على آيات الذكر الحكيم من دون التأمل فيها و النظر في مضامينها " أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها".[2]

و في المقابل امتدح صنفا ثانيا يعتمد آيات الذكر الحكم ليستنبط منها الحلول و المعالجات الصحيحة للمشاكل التي تواجهه، كما في قوله تعالى: "وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم‏".[3] و قوله " أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فيهِ اخْتِلافاً كَثيراً".[4]

فقد اعتبر الله تعالى علة انحرافات المشركين و ضلالهم يكمن في عدم تدبرهم في القرآن. و من هنا نجد النبي الاكرم (ص) يخاطب الناس في حجة الوداع قائلاً: " معاشر الناس تدبروا القرآن و افهموا آياته و انظروا إلى محكماته و لا تتبعوا متشابهه‏".[5] و بهذا يتضح تأكيد كل من القرآن و السنة على ضرورة التدبر و التأمل في الآيات و الحث على ذلك لتكون المحصلة الفهم الصحيح و الادراك الدقيقة لمعاني الآيات.

أما التفسير بالرأي، و الذي ذمه المعصومون (ص)، فهو التفسير الذي يعتمد صاحبه الظن و التخمين فقط من دون الاحاطة بكل ما يكتنف القضية من مقدمات و بلا نظر الى العلاقات المختلفة بينها من قبيل العام والخاص و المطلق و المقيد و..، و إنما ينطلق المفسر مما ظهر و ما استحسنه برأيه الخاص و نظره الساذج انطلاقا من فرضيات مسبقة رسخت في ذهنه قبل الخوض في التفسير، و من هنا تراه يبحث عما يدعم رأيه من الآيات و يقوي حجته و ما تبناه من معتقدات و آراء.

و لاريب ان هكذا منهج تفسيري لا يمكن الركون اليه و لا تؤيده التعاليم الاسلامية؛ لانه يفتح الباب أمام المتطفلين ليقول كل منهم بما شاء و ما يحلو له، و ان من يفعل ذلك يكون مصيره الى النار، كما روى ذلك الامام الحسين (ع) عن رسول الله (ص) حينما قال: سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.[6]

انطلاقا مما مر يمكن القول بان من فسّر القرآن مراعياً في ذلك رغباته الشخصية أو الحزبية او ما شابه ذلك و لم يكن متوفراً على العلوم المقدمية للتفسير؛ كعلم الاصول، و اللغة، و النحو، و الحديث و....؛ فان الفجوة بينه و بين الله تعالى ستتسع و سيكون مكانه النار كما أخبر بذلك الرسول الاكرم (ص).[7] بخلاف التفسير المتنور الذي ينطلق من الظروف الموضوعية و الحضارية فيضع لها حلولا قرآنية مع توفر الشروط اللازمة في المفسر و رعاية الاصول و الموازين التفسيرية، فان ذلك لايعد من مصاديق التفسير بالرأي قطعاً.

و من تلك الاصول التأمل الدقيق في الروايات الواردة عن المعصومين (ع)؛ لقوله تعالى " لا يمسه الا المطهرون"[8] الاعم من المس الظاهري و الباطني؛ فكما أن المس الظاهري للقرآن بحاجة الى طهارة ظاهرية، كذلك المس الباطني و الخوص في أعماقه يتوقف على الطهارة الباطنية، و كلما ازدادت الطهارة انكشف الكثير من الاسرار و المفاهيم القرآنية أمام المفسر، و لما كان المعصومون – و بشهادة القرآن الكريم- هم المطهرون تطهيراً تاماً[9] انحصر التفسير الامثل و الاكمل فيهم او عن طريقهم لانهم المصداق الابرز للقرآن الناطق.

تحصل: انه يمكن لغير الائمة تفسير القرآن الكريم مع توفر مجموعة من الشروط منها:

أولا: التوفر التام على علم التفسير و العلوم المقدمية في التفسير. و ثانيا: عدم مخالفة المأثور من التفسير عن الأئمة (ع) الثابت بطرق قطعية، و ثالثا: تجنب التفسير بالرأي و الانطلاق من الفرضيات والاحكام المسبقة.

 


[1] انظر: تعدد التفسيرات القرآنية، سؤال رقم 8924 (الموقع: ar8937).

[2]  محمد، 24.

[3] النساء، 83. وانظر: تفسير اثنا عشري، ج‏1، ص 10.

[4] النساء،82.

[5] الطبرسي، احمد بن علي، الاحتجاج، ج 1، ص 60، نشر مرتضی، مشهد مقدس، 1403هـ.

[6] الصدوق، التوحيد، ص 91، انتشارات جماعۀ المدرسین، قم، 1357 ش.

[7] انظر: الرازي، فخرالدين ابوعبدالله محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، ج‏7، ص 148، دار احياء التراث العربي‏، بيروت، الطبعة الثالثة‏، 1420 ق.‏

[8] الواقعة،79.

[9] "إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً"، الاحزاب، 33.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257254 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113249 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56857 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49745 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...